ثماني سنوات من عمر الوطن والمسألة الدارفورية تأخذ ذات الحيز في الميديا العالمية، وهي التي يتهمها الكثيرون بكونها هي من تؤجج نيران الأزمة وتشعل أوارها، خصوصاً وأن الجهد السلمي الذي يبذله المركز لا يقابل بذات الاهتمام الإعلامي في الوسائط الدولية التي تتعامل مع الملف..!! في السنوات المنصرمة كان الدور الإقليمي والمحلي محسوساً في مسارات السياسة السودانية، كما كانت تقاطعات العلاقات السودانية مع الغرب وأوروبا حاضرة ضمن زمرة الملفات التي تشغل بال الحكومة، فكلما تحقق انفراج في قضية سلام دارفور تسعى دول التآمر لشغل الأنظار عن أي مكسب يتحقق في قضية السلام، والشواهد على التآمرات الدولية حاضرة بكثرة؛ فقبل أن يجف مداد كلمات وثيقة سلام أهل دارفور انتقلت الأنظار تلقاء جنوب كردفان والنيل الأزرق..!! بما يعكس الترتيب المنظم من دول الاستعمار لاستنزاف السودان في أكثر من موقع. من هنا يكتسب حوارنا مع الخبير العسكري والاستراتيجي الفريق أول محمد أحمد الدابي مفوض الترتيبات الأمنية لسلام دارفور أهميته..جملة من القضايا السياسية الداخلية والخارجية استنطقناه حولها، معاً نطالع إفاداته: { (سلام دارفور) والاتفاقات الموقعة مؤخراً تصلح مدخلاً هنا لهذا الحوار.. ماذا بشأنها؟! - حقيقة في ما يتعلق بسلام دارفور فمعلوم أن اتفاقية أبوجا وقعت في سنة 2006م، ولقد كنت دائماً أكرر القول بأن هذه الاتفاقية لا بد وأن تبدأ بداية صحيحة، والبداية الصحيحة هنا هي أن تكون الاتفاقية وفق التسلسل المنطقي للإنفاذ، وللأسف الشديد جداً عندما بدأنا تطبيقها كان الناس مهمومين و«مزحومين» بتنفيذ السلام، وهذا أدى إلى أن يكون هناك خلل في الإنفاذ، والخلل هذا يتمثل في تخصيص الوظائف القيادية والوزارية قبل أن يتم إجراء الترتيبات الأمنية للقوات الموجودة في الميدان، وهذا هو الخلل الأساسي الذي تطرقت إليه كثيراً، وأمامنا الآن تجربتان هما تجربة إخواننا في الجنوب فهؤلاء عندما انفصلوا لا زالت قواتهم موجودة في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، وكانت تقاتل باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان في الوقت الذي يجب أن لا يكون لها وجود هناك، وثانياً مني أركو مناوي استمر موجوداً معنا لمدة خمس سنوات وقواته تحت يده، وعندما خرج بتأثير وإغراء البعض له خرج بدعوة من قواته، وبالتالي هذا هو الخلل الذي ما زلت أشير وأنبه له. نأمل ألا يتكرر الخطأ مرة أخرى، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فعليه علينا أن نتعظ من هذه التجارب التي مررنا بها وننفذ اتفاق الدوحة القادم بصورة سلسة، حيث نبدأ بالأهم والمتمثل في الأمن والاستقرار والنازحين. على العموم ففي ما يتعلق باتفاق أبوجا نحن نعتقد أننا نجحنا في الإنفاذ بصورة كبيرة جداً ما عدا المجموعة التي خرجت مع مني أركو مناوي، فاتفاق أبوجا عندما تم توقيعه كانت المجموعات ثلاثاً هي مجموعة خليل وعبدالواحد محمد نور ومني أركو مناوي والذي وقع فقط هو الأخير حيث جاء للخرطوم وبدأ التنفيذ، ووقتها هناك خمس مجموعات انفصلت بعد التوقيع من مني أركو مناوي وعبدالواحد محمد نور وخليل إبراهيم وانضمت لمسيرة السلام وهذه الخمس مجموعات هي معروفة ولها أحزاب الآن وهي تمارس العمل السياسي، وهذه المجموعات الخمس كانت عناصر أساسية في حركات التمرد التي وقعت على أبوجا، وبالتالي انضمت لاتفاق السلام واعتبرناها جزءاً لا يتجزأ من هذه الاتفاقية باعتماد الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي، ومن ثم بدأنا ننطلق في هذا المشوار ولكن للأسف الشديد نرى أن مني أركو مناوي وربما لبعض الحوافز الخارجية خارج إطار الوطنية لم يدمج قواته أسوة بالحركة الشعبية، وكنا كلما نحاول أن نصل لاتفاق يسعى لنقضه. { ونحن نتحدث عن مني أركو مناوي الذي كان يشغل منصباً رفيعاً بالدولة وخرج خروجاً دراماتيكياً هل الحالة نفسها تتكرر الآن مع ما أقدم عليه مالك عقار الذي كان والياً غير أن خروج الأخير كان هجوماً وتعدياً؟ هل هناك وجه شبه بين خروج هذا وذاك؟ - حقيقة مالك عقار ذهب كثيراً أكثر من مني أركو مناوي فهو تطاول لدرجة كبيرة، ولكن ربما وجه الشبه بينهما يتمثل في الخروج عن القانون. { طريقة إدارة الحكومة لملف مناطق التماس ما بعد الانفصال كيف تقيمها؟ - الحكومة كانت تحاول معالجة الأمور بالطرق الهادئة والمرنة دون الدخول في مواجهات، وللأسف الشديد فإن أهل الحركة الشعبية وتحديداً بعض الشخصيات مثل عقار وباقان أموم وعرمان والحلو فهموا هذه السياسة المرنة من قبل الحكومة بأنها ضعف، فكانت الحركة الشعبية طوال فترة حكمها مع المؤتمر الوطني تتعنت وبشدة، في حين أن المؤتمر الوطني كان صابراً عليها ومتنازلاً وهذا الموقف أي «التنازل» هو في كثير من الأحيان لمصلحة الوطن وليس لمصلحة الحركة في النهاية، وبالتالي فإن بعض منسوبي الحركة الشعبية كان فهمهم خاطئاً وبالتالي ساروا وهم مخطئون في الفهم وأكثروا في أن لا يتغيروا حتى بعد أن انفصلوا. { التفاعل الأمني تم عبره لجم الأزمة في مهدها بمناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان قبل أن يستفحل التمرد ويقوى عوده.. هل تعتقد أن النفوذ الخارجي الدولي الذي يستغل مثل هذه الأزمات ويستثمر فيها سيكون بمنأى هذه المرة أم سيتكرر السيناريو الذي حفظناه عن ظهر قلب؟ - لا خطر بعد الآن.. فالحكومة موقفها ثابت وواضح من هذه القضية، فنحن نعتقد أن تجربة دارفور بالنسبة لنا كانت درساً قاسياً وتجربة الجنوب كانت درساً أقسى، فتجربة الجنوب أوصلت الجنوب بوجود المنظمات والأممالمتحدة والغرب إلى الانفصال، وتجربة المنظمات في دارفور أوجدت فراغاً اجتماعياً بمعنى أن كل القرى التي كانت آمنة وحتى التي لم يصل لها التمرد نزحت إلى معسكرات النازحين وصارت تتلقى الإغاثات والإعانات وبالتالي يصعب على هؤلاء العودة إلى ما كانوا عليه لأن الذي يجد مأكله ومشربه مجاناً لن يستطيع أن يعمل ويجتهد بيده سواء كان في الزراعة أو النشاطات الأخرى، فالمنظمات أدخلت ثقافة التواكل والتكاسل في مناطق دارفور، ولذلك فإن تجربة دارفور وتجربة الجنوب ماثلتان ولا يمكن بعد ذلك للحكومة أن تتنازل لدخول المنظمات في جبال النوبة أو النيل الأزرق ولا تدخل حتى الأممالمتحدة فهذه قضية داخلية وأمن داخلي، ففي جنوب كردفان الحلو تمرد على سلطان الدولة وكذلك في النيل الأزرق أيضاً عقار تمرد على سلطان الدولة بكل ما تعني الكلمة، وبالتالي لا يمكن أن نسمح بالتدخلات الأجنبية في مثل هذه القضايا فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وصحيح هناك بعض المبادرات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي وغيره وهذه طالما تصب في مصلحة الوطن فنحن نقبلها ولكننا نرى أنه لا تدخل في هذه القضايا باعتبار أنها من قضايا أمن الداخلي وبالتالي فالحكومة لم تخطئ أبداً في تعاملها السابق فهو تعامل كان بحسن نية ولكنها وجدت أن هؤلاء الناس يسعون دوماً للمزيد من العراقيل. { هل تؤمن بوجود مشروع مخطط لتقسيم السودان؟ - نعم وهو ليس تخطيطاً ذكياً على الإطلاق فهو معروف منذ عشرات السنين ونحن نعلم حتى قبل اتفاقية نيفاشا أي أن الشعب السوداني والسلطة كانت تعلم علم اليقين أن هناك استهدافاً للسودان منذ زمن حكم الأحزاب، فالسودان موقعه ومكانته وموارده ومساحته حقيقة كان يشكل هاجساً لليهود والأمريكان بصورة كبيرة، فالسودان موارده الموجودة هي بنفس القدر تعادل موارد أمريكا وبالتالي كان يعد هاجساً لهؤلاء الناس، لذا جاء تفكيرهم في التدخل والعمل على تقسيمه، وأذكر هنا أن وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق مادلين أولبرايت عندما زارت السودان وقفت في القصر الجمهوري وقالت في إحدى تصريحاتها إن السودان جميل والسياسة جيدة فيه لكنها عندما ذهبت بعد ذلك لأديس أبابا قالت حديثاً مخالفاً لذلك وأصدرت تصريحات بلادها النارية ذلك في أنها ستدعم المعارضة لمحاربة السودان من جيرانه وحدث هذا ولقد كنت في ذاك الوقت نائباً للعمليات بالقوات المسلحة فعانينا في ذاك الزمان من عمليات الميل 40 والميل 39 نتيجة التدخل الأمريكي والدعم المباشر لحركة قرنق وظهر لنا ذلك واضحاً من خلال العمليات الثلاثية للحركة الشعبية في اتجاه أريتريا والجنوب ومحور كبويتا فكل هذه المحاور تم تحريكها في وقت واحد على أساس أن ينهوا قضية الجنوب ويسيطر قرنق على الجنوب وبالتالي يعلن دولته لكن هذا المخطط قد فشل وتمكنا بعون الله وقدرة القوات المسلحة والمجاهدين من إيقاف هذا العمل.