ثماني سنوات من عمر الوطن والمسألة الدارفورية تأخذ ذات الحيز في الميديا العالمية، وهي التي يتهمها الكثيرون بكونها هي من تؤجج نيران الأزمة وتشعل أوارها، خصوصاً وأن الجهد السلمي الذي يبذله المركز لا يقابل بذات الاهتمام الإعلامي في الوسائط الدولية التي تتعامل مع الملف..!! في السنوات المنصرمة كان الدور الإقليمي والمحلي محسوساً في مسارات السياسة السودانية، كما كانت تقاطعات العلاقات السودانية مع الغرب وأوروبا حاضرة ضمن زمرة الملفات التي تشغل بال الحكومة، فكلما تحقق انفراج في قضية سلام دارفور تسعى دول التآمر لشغل الأنظار عن أي مكسب يتحقق في قضية السلام، والشواهد على التآمرات الدولية حاضرة بكثرة؛ فقبل أن يجف مداد كلمات وثيقة سلام أهل دارفور انتقلت الأنظار تلقاء جنوب كردفان والنيل الأزرق..!! بما يعكس الترتيب المنظم من دول الاستعمار لاستنزاف السودان في أكثر من موقع. من هنا يكتسب حوارنا مع الخبير العسكري والاستراتيجي الفريق أول محمد أحمد الدابي مفوض الترتيبات الأمنية لسلام دارفور أهميته..جملة من القضايا السياسية الداخلية والخارجية استنطقناه حولها، معاً نطالع إفاداته: { هل تعتقد أن المخطط الذي تنفذه الحركة الشعبية يرمي إلى توحيد الجنوب والشمال مرة أخرى في إطار الدولة العلمانية بعد أن فشلت فكرة السودان الجديد؟ - هم لا يبغون إلا الجنوب الحالم وبالتالي قصة أن الشمال يتوحد مع الجنوب ويكونان عباءة واحدة لا أتوقع ذلك بأي حال من الأحوال، وإذا كانوا يفكرون بمثل هذا التفكير حينها يمكن أن نصفهم بالسطحية لأبعد الحدود، وأنا أعتقد أن الشمال بعد انفصال الجنوب يصعب بعد ذلك اختراقه للوصول إلى العلمانية التي يريدونها، لأن أهل الشمال هم الغلبة وهم أهل الشريعة والإسلام، وبالتالي لن يفرطوا في ذلك لأجل أن تقوم دولة علمانية، فهذه أضغاث أحلام هم يعيشونها ونحن نتركهم لأحلامهم ولا نسأل عنها، ونحن نعلم أن استهدافهم لم يأت بعد نيفاشا وإنما قبل نيفاشا، فعلى مر السنوات كان الاستهداف قائماً ولكن ربما نيفاشا كانت هي البداية لإنفاذ هذا الاستهداف، وستظل فلا تخرج إطلاقاً النيل الازرق ولا جنوب كردفان ولا أبيي من هذاالاستهداف، غير أن الرؤية قد وضحت تماماً الآن لأنه صار خط الشمال في الحدود الجغرافية معروفاً، وهذه الحدود تفرض علينا أن أي خلل يكون موجوداً في الشمال هو واجب الحكومة في الشمال ومسؤوليتها وتعمل على حسمه بأية وسيلة وترفض التدخل من أية جهة كانت، أما إذا أرادوا أن يحاربونا مرة أخرى فهذا أمر آخر. { قبل أن ينطلق الرصاص في النيل الأزرق.. هل ساورتك الشكوك قبل ذلك في مالك عقار؟ - دائماً.. دائماً.. فأنا أظن أن عقار يرتدي جلباب الحركة الشعبية بصورة زاهية، أي أنه «متورك» أكثر من الأتراك، وجنوبي أكثر من الجنوبيين أنفسهم، وحقيقة منذ أن جاء بعد الاتفاقية كانت كل تصريحاته سيئة وعدائية، وبالتالي فكل تصريحاته التي جاء بها بعد السلام وبدأ بها كانت هي تصريحات معادية ليس للإسلام فقط بل حتى للعنصر العربي الموجود في السودان. { من أسهم في تضخيم «مالك عقار» ؟ -الإسرائيليون والأمريكان هم حقيقة لهم دور كبير جداً في تغذية الأفكار، فما يحدث هو تذكية وتسميم لأفكار هذه العقول. { برجعة ل (الحلو) في جنوب كردفان لماذا لم يتأثر الرجل بحنكة السياسيين القدامى أمثال الأب فليب عباس غبوش الذي اتهمته حكومة جعفر نميري يوماً بالتدبير لانقلاب عنصري عسكري وكان يواجه قرار الإعدام هو ومن معه ولكن سرعان ما اعتذر وأطلق سراحه، لماذا لم يتشبه به وهم أبناء مناطق واحدة.. ما وجه الخلاف بينهما في حد تقديرك؟ - بالتأكيد هناك اختلاف كبير جداً بين الشخصيتين، فهذا «الحلو» شيوعي ماركسي، وذاك «غبوش» زعيم ديني متدين، فالشخص المتدين حتى ولو كان مسيحياً يكون عقلانياً في تعامله، وبالتالي لا مقارنة بين الحلو وفليب عباس غبوش. { هل يمكننا القول أن أبناء النوبة قد افتقدوا تماماً قيادات سياسية أمثال «غبوش»؟ - نعم هذه حقيقة، فالزعيم السياسي فليب غبوش رغم أن له عدائيات كثيرة جداً وله نظرة بعض الشيء يمكن أن تكون عنصرية إلا أن الوعي الديني يسبق هذا، وهو قد شهد عن قرب ولمس التعايش بين المسلمين والمسيحيين، وبالتالي كانت هذه واحدة من الأسباب التي جعلت فليب غبوش يقف مع السودان الواحد. { ما قولك إذن في مؤتمر كاودا؟ - مؤتمر كاودا كان تمثيلية ومسرحية بدون متفرجين بالنسبة لنا وبدون جمهور وليس له أي اعتبار في نظري لأنه جمع النشاز ممن يحلمون بأشياء من المستحيل أن تتحقق كخليل إبراهيم وما فعله. { على ذكر خليل إبراهيم هل تتوقع له أن ينضم لاتفاق سلام الدوحة؟ - لا أتوقع ذلك.. فمن هو متأثر بأفكار وأحلام أفلاطونية لا أتوقع منه ذلك. { أيضاً بعد ذهاب نظام القذافي هل تتوقع أن يجد خليل إبراهيم أي أرضية مع الثوار هناك برعم تصريحاته الأخيرة التي قال فيها إنه لم يشارك في القتال مع كتائب القذافي؟ - إطلاقاً.. لا أتوقع ذلك وأنا لا أتحدث باسم الثوار الليبيين ولكن أي عاقل يعلم تمام العلم أن خليل وقواته قاتلوا مع القذافي لآخر رمق، وحتى في منطقة الكفرة والتي هي أقرب إلى السودان هي كانت تقاتل هناك، وبالتالي فالثوار يعلمون ذلك. { أيمكننا أيضاً القول أن انهيار نظام القذافي يمكن أن يؤدي إلى تسارع خطوات السلام في دارفور؟ - من المؤكد حدوث ذلك، فمشكلتنا كانت منذ البداية هي القذافي، وليس الحركات الدارفورية فقط بل من هو الذي صنع قرنق وحركته نجده هو القذافي، وكان ذلك عبر منقستو هايلي مريم في أديس أبابا، فهو الذي دعم قرنق وخلق منه وجوداً وكان ذلك واضحاً في الدعم اللامحدود الذي وجهه له. { القذافي كان يتحدث كثيراً عن وحدة السودان فهل كان قلبه حقيقة على الوحدة هنا؟ - ما كان يهدف لذلك ولا ينظر لمسألة اسمها وحدة، وحتى التكامل الليبي السوداني هو لا يهدف له بمعنى تكامل بل لإحداث زخم إرضاء لغروره فقط. { وماذا إذن عن التكامل مع مصر؟ - ما ران على النفوس لفترة طويلة من مفاهيم خاطئة قد يدفع ببعض الإشاليات في أن يصل الطرفان إلى مصلحة تكامل بصورة عادلة وهذه المسألة قطعاً هي تحتاج إلى زمن، فأنا أرى أن التكامل مع مصر هو شيء أساسي ومصلحي بالنسبة للسودان في ظل الاستهداف الموجود للسودان أو لمصر، وبالتالي لا بد من أن نصل لهذه التكامل بأسرع ما يمكن وبأي صيغة من الصيغ تؤدي إلى تقارب وتوحد في الآراء والأفكار والمفاهيم حتى نصل بعد ذلك للتكامل المنشود، فلا فكاك من بعضنا البعض، فالبلدان يحملان نفس الهوية والمفاهيم وبالتالي يسهل إنفاذ التكامل مع إخواننا في مصر، خاصة وأن الإخوة السابقين في الحكم في مصر كانت تؤثر عليهم السياسات الدولية، وعليه فإذا ما ابتعدت السياسة الغربية من التدخل في الشؤون ما بين السودان ومصر فبالتأكيد ستحقق الدولتان الكثير من الإنجازات لمصلحة الشعبين. { ماذا عن الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك في ما يخص سياسات نظامه تجاه السودان منذ فترات طويلة، فهناك كن يقولون إنه لم يكن مسانداً للسودان بل مسانداً للمخططات الدولية المعادية، فهل تتفق مع هذا القول؟ - نعم هو إطلاقاً لم يكن مسانداً للسودان، وأنا كنت مديراً للاستخبارات بداية التسعينات وعايشت مشكلة حلايب والتدخل العسكري المباشر هناك، على الرغم من أنه لم تكن هناك أي مسببات وإنما عبارة عن نوع من خلق العكننة والمشاكل، فحسني مبارك كان أداة لتنفيذ السياسة الغربية في شمال أفريقيا. { هل تعتقد أنه أضر بالسودان كثيراً؟ - أضر بالسودان أكثر من أي دولة أخرى، فهو خدم إسرائيل أكثر مما خدم السودان. { عندما أعلن الرئيس السابق جعفر نميري قوانين الشريعة في العام 1983 يقال أن حسني مبارك جاء بعد القرارات بساعات واختلف مع نميري هنا بشدة فهل اختلف أيضاً مع البشير حول الشريعة؟ - حقيقة لقد سمعت أن حسني مبارك في زيارته الأخيرة للسودان والتي كانت قبل انفصال الجنوب بيومين طلب من الرئيس البشير إلغاء الشريعة في مقابل وقف الانفصال، وهذه المعلومة أنا لست مستوثقاً منها لكنها ليست ببعيدة عن حسني مبارك. { في ما يتعلق بسلام دارفور هل ما زلتم مطمئنين لنوايا الدول الغربية هنا؟ - كما قلت لك فالآن نحن مستوعبين أكثر من ألفي شخص من الحركات التي وقعت على سلام أبوجا وأصبح هناك عدد بسيط جداً مع مني أركو مناوي وهذا عدد قليل أما خليل فلا يشكل أي تهديد لأنه استنفد قدراته في هجوم 2008 وبعد التطورات في ليبيا لم يعد له الآن شيء يذكر، أما عبدالواحد فهذا ليس له وجود لأنه يعتمد أساساً على معسكرات النازحين وبالتالي فإن الإخوة الذين أتوا عبر اتفاق الدوحة نحن رحبنا بهم واستقبلناهم في السلطة الانتقالية ونتمنى أن يكونوا بعيدين عن الأجندة الغربية، فالغرب حقيقة لا يرضيه أن يحدث سلام في دارفور بأي شكل من الأشكال رغم أن الغرب الآن هو مختلف هنا، ففرنسا تدعم هذا العمل بصورة جادة «التوتر» وبريطانيا تمسك العصا من النصف وأمريكا لها رأي واضح. { اكتمال عقد مؤسسة الرئاسة بدخول د. الحاج آدم نائباً وعلي عثمان نائباً أول.. ما قراءتك لذلك؟ - هذا الحدث قفل الباب أمام أي مطالبات لإخواننا الذين يحملون السلاح في دارفور، فالحاج آدم عندما تم تعيينه لم يكن ذلك باعتباره من أبناء دارفور ولا لأي اعتبارات شخصية أخرى، فهنالك من أمثال الحاج آدم من أبناء دارفور الكثيرون، وبالتالي هو اختيار رئاسي عادي، ولكن أنا أعتقد أن تعيين نائب صادف أنه من أهل دارفور فهذه محمدة كبيرة قفلت الباب على أي مطالبات أو مزايدات هنا، وأتوقع إسهامات مقدرة لهذا الرجل وهو مشهود له هنا وذلك في معالجة الكثير من القضايا لإنفاذ سلام الدوحة بصورة إيجابية، ونحن نتمنى أن ينفذ سلام الدوحة بصورة إيجابية كما هو مطلوب وأن لا يقع الناس في الخطأ الذي وقعت فيه الاتفاقيات السابقة، سواء كان نيفاشا أو أبوجا، وأن يبدأ البداية الصحيحة بالذين يحملون السلاح وبالنازحين ومن ثم بقية الوظائف.