{ بالأمس كان المسنون لا يبالون بالشيخوخة أو كبر سنهم، بل يتحدون ذلك بالنشاط والحركة فقد لاحظت وأنا شاب آنذاك كثيراً من كبار السن في منطقتي وقد شارف بعضهم المائة سنة من عمره بل تجاوز ذلك كثيراً ولا يزال يمارس عمله الحر بهمة ونشاط ويعتمد على نفسه لكسب العيش ولم تمنعهم الأمراض التي كانوا يعانون منها مثل مرض ضغط الدم والسكري. ويمشون لمسافات بعيدة للذهاب من أماكن سكنهم إلى أماكن عملهم وربما كان هذا سر تغلبهم على الشيخوخة، وكثير منهم لم يستخدم السيارات إلا نادراً. { وكما لاحظت لجوء الكثير منهم للنوم والاستيقاظ باكراً, حيث يتجهون إلى أماكن عملهم قبل شروق الشمس بصفة مستديمة والمواظبة على مواعيد الطعام والابتعاد عن شراب الماء المثلج. وصفة أخرى كانوا يتميزون بها حيث نراهم يمرحون ويتبادلون النكات. كل ذلك كان يظهر عليهم الحيوية والأمل وحب أبنائهم وأحفادهم لهم كان لهم شأن عظيم في نطاق الحي، حيث يسعون لتوجيه المواطنين وإصلاح شؤونهم الاجتماعية. { أما اليوم فالوضع مختلف تماماً، حيث أصبحت الشيخوخة تصيب الرجال والنساء بعمر أقل بكثير من عمر أقرانهم في الماضي, فنجد الكثيرين ممن تجاوزوا الستين عاماً تبدو عليهم علامات الشيخوخة واليأس وتدهور الصحة, والواقع أن الظروف المعيشية والضغوط الاجتماعية التي نعيشها اليوم لها دور كبير في ما يحدث للمسنين، وأيضاً لجميع أفراد المجتمع، فالإنسان اليوم يلهث ويشقى كثيراً للحصول على لقمة العيش. وربما يستخدم أساليب وحيلاً يعلم بأنها غير شرعية ويحس بتأنيب الضمير له مهما تغاضى عن ذلك وحاول أن يقنع نفسه بأنه على صواب. { الضغوط النفسية والاجتماعية من ضيق المعيشة وقلة الغذاء وكثرة الأمراض وغلاء الدواء الفاحش تجعل الشباب شياباً وتجعل المسنين يتوقعون وينتظرون الأجل المحتوم، وقد حكى لي أحد الأخوان عن حالة خاصة بأحد الشباب الذي يعرفه معرفة شخصية، حيث قال: كنت جالساً في أحد الأماكن العامة وفجأة رأيت رجلاً تظهر عليه علامات الكبر فاقترب مني ومد يده ليسلم علي ثم جلس بجواري وقال لي: ألم تكن موظفاً في إحدى الشركات؟ قلت: له نعم ثم قال: إنني أعرفك وأعرف بأن اسمك (عثمان)، ومن خلال استفساراته وأجوبته أحسست بأنه يعرفني ولكنني لم أعرفه, حتى ذكر لي اسمه وأهله. فقلت: سبحان الله, أنت فلان. قال: نعم, فقلت: وما قصة هذا الشيب الذي يغمر وجهك ورأسك وما هذه التجاعيد والتغير الذي طرأ عليك وجعلك تبدو كالمسن؟ فحكى لي قصة حياته بعد وفاة أبيه وتحمله مسؤوليات الأسرة على عاتقه. { مهما يكن من أمر فهذا ديدن الحياة وتقلباتها وابتلائها ومسارها الذي سنه الله العلي القدير لها وما علينا نحن كمؤمنين إلا أن نصبر ونبتهل إلى خالقنا العظيم بالدعاء لتحسين أحوالنا إنه سميع الدعاء. { قبل أيام كنت أتابع احتفالات وزارة التنمية والرعاية الاجتماعية باليوم العالمي للمسنين وهذا عمل جليل يشارك فيه السودان والعالم أجمع تقديراً لأوضاع هذه الشريحة من المجتمع, وأود ان أقترح بأن تتسع دائرة الاحتفال بالمسنين في العام القادم باشتراك بقيه قطاعات مجتمعنا كالأندية الاجتماعية والرياضية واللجان الشعبية واتحاد المعاشيين لكي يزداد عدد المحتفى بهم وتعم الفرحة بعض المسنين في دورهم وأحيائهم. { كلمة أخيرة لشبابنا الذي يواجه ضغوط الحياة بكل جرأة وتحدٍ بألا يغفلوا عن المسنين في نطاق أسرهم ويحرصوا على الاهتمام بهم والتقرب منهم والترفيه عنهم والجلوس معهم وإشعارهم بأهميتهم والاستماع إليهم والاستفادة من تجاربهم. أقول ذلك وأنا بدأت أطرق أبواب هذه المرحلة. وعزائي في ابنتي الكبرى التي تبدي لي اهتماماً كبيراً وتؤنسني وتؤازرني وتشعرني بأننى ما زلت في عنفوان شبابي. عبد الله محفوظ صالح أستاذ بالمعاش