أذكر في انتخابات جنوب كردفان الأخيرة التي فاز بها مولانا أحمد هارون الذي وجد مساندة قوية من كافة الأحزاب والقوى السياسية عدا الحزب الشيوعي السوداني كان هناك تنافس وحراك عنيف وحالة استقطاب حاد وسط القوى السياسية وعندما بدأت الدائرة تضيق بتيارات اليسار ويفقد عبد العزيز سند القوى السياسية التي اختارت أحمد هارون لجأ اليساريون إلى استصدار بيانات باسم أحزاب وهمية ومنظمات لا وجود لها في أرض الواقع تعلن عن دعمها لعبد العزيز وأذكر بيانا نشرته صحيفة (أجراس الحرية) باسم الحزب الوطني بالجزيرة ود مدني يعلن عن دعمه المطلق للحلو وبعد أن فرغت من قراءة البيان اتصلت بصديق وصحفي من أبناء ود مدني أستفسره عن حقيقة هذا الحزب فذكر لي بالحرف الواحد (لا يوجد حزب بهذا الاسم في الجزيرة) فأدركت الطريقة التي يدير بها اليساريون معركة الحلو الانتخابية. من الظواهر التي صاحبت تمرد عبد العزيز الحلو اعتداء قواته على عدد كبير من قيادات الأحزاب التي وقفت تساند أحمد هارون وقد تعرض رئيس حزب العدالة والتنمية الأستاذ مكي علي بلايل لعملية اغتيال وكذلك تعرض مسؤول حزب الأمة القومي بكادقلي لمحاولة اغتيال وغير ذلك العشرات من حزب المؤتمر الوطني حيث تم اغتيالهم والعشرات من الحركة الشعبية الذين لم يستجيبوا لنداء الحرب وقد اغتالتهم عناصر الحلو. في صحيفة (الأهرام اليوم) طالعت خبرا مفاده أن الحزب الاتحادي الأصل بكسلا ينفي وجود قيادي بالحزب يدعى عبد الرحمن أبو علي أسندت إليه تصريحات قوية يهدد فيها حزبه بانسلاخ ألف وستمائة شاب من الحزب في حال اشتراك الحزب في الحكومة القادمة وسينضمون إلى المؤتمر الوطني وقد أشار السيد مجذوب أبو موسى عضو الهيئة القيادية للحزب ومرشح الحزب لمنصب الوالي في الانتخابات العامة التي جرت العام الفائت وقال إن الخبر مدسوس وتساءل كيف ينسلخون إذا شارك الحزب في الحكومة وينضمون إلى المؤتمر الوطني!!؟؟ منذ أن فقد اليساريون الكثير من قوتهم وجماهيرهم درجوا على التخفي خلف أحزاب قائمة أو لافتات لا وجود لها في أرض الواقع أو خلف حشود أو ندوات أو مسيرات تحركها أحزاب أخرى تجدهم يستغلونها في اتجاه أهدافهم ويتسللون إلى منابرها وتنطلق حناجرهم تهتف وتصرخ بشعارات تدفع بالحزب صاحب الفعالية في اتجاه مخططاتهم وهذا ما أخشى أن يكون هو ما تم في جنينة السيد علي الميرغني قبل ثلاثة أيام وإن تقدم الاحتجاجات على المشاركة قياديان من قيادات الحزب خلفهما ما يقارب المئتي شخص ربما يكونون مندسين أو أن تكون فئة غالبة منهم من تيارات اليسار سبقت (أصحاب الجلد والرأس) إلى الجنينة أو يكون القياديان اللذان يتقدمان المحتجين قد تعرضا لنوع من التأثير طيلة الفترة الماضية من قبل معارضين لمشاركة الحزب الاتحادي في الحكومة القادمة ويمكن أن يكون ذلك موقفا أصيلا لهما ولكن ما لا يستطيع أحد نفيه أو تأكيده لمن تتبع تلك الجموع التي احتشدت تهتف رافضة للمشاركة. لليساريين منهج آخر في إدارة الصراع إن كان سياسيا أو عسكريا فإنهم دوما يلجأون إلى استقطاب قيادات من الأحزاب الأخرى لعلهم يفتحون بينهم وبين قومهم ويبدو ذلك واضحا من خلال التقارب والتشابك الذي ظهر في الساحة السياسية من وقت لآخر وقد حدث ذلك بينهم ومبارك الفاضل من حزب الأمة القومي ومع التوم هجو من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي اختار التمرد مع مالك عقار وقد ظهر معه في مدينة الكرمك قبل تطهيرها وخلفه علم دولة الجنوب وقد كان عقار يستشهد به خطبه حينما يهاجم العرب ويعتبرهم مجموعة صغيرة لا تتجاوز (نفرين تلاتة أربعة جونا هنا وأديناهم خالاتنا ولا شنو يا شيخ التوم هجو) والشيخ يبتسم دون أن يجرؤ على قول الحقيقة. هذه هي طريقة اليساريين حين يعجزهم حشد الجماهير فإنهم يحشدون العشرات الذين يستطيعون أن يوجهوا بقية الحشد هذه طريقتهم حين يعجزهم حشد القيادات فإنهم يلجأون لأمثال هؤلاء لتسوق بضاعتهم ويجدوا الدعم لأنشطتهم الأخرى التي تشتعل في مواقع أخرى لتحرق الوطن أو تنجز تحالفها الشرير مع العنصريين والجهويين وتضلل السذج من المعارضين وتستدرجهم لاسيما وقد بارت بضاعتهم ولم تعد تقنع أحدا في عالم اليوم وحتى في منشأها نجدهم ينزعون جلدها. ما يجب أن تعلمه القوى السياسية أن هذه الحكومة لها من الإرادة ما يجعلها تتجاوزها وتتجاوز مشاركتها وتمضي في برنامجها وقد توفرت لها من القدرات والعلاقات والاتصالات والتنسيق ما يجعلها تعمر في ظل عجزهم وضعفهم وعمالة بعضهم.