{ اليسار يعالج عملية ضعف مردوده وقلة حشوده بصناعة واجهات تعمل في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والثقافية لتملأ فراغاً واسعاً يعجز عن ملئه بمفرده في ظل غياب المناصرين، وهذا ما يجعله يهرب إليها ويستصدر البيانات ويصنع المواقف بشخص أو شخصين يمثلون واجهة لا وجود لها أصلاً، ولكن الاسم والورق المروس والختم أحياناً يساعد في دعم الحملة التي يقودها اليسار داخل الحراك السياسي ببلادنا وأحيانا ينشئ منظمة لها جمعيتها العمومية المختارة من شعب اليسار ولها مقرها الصوري أو الحقيقي ولكنها في النهاية تعمل لأجل أهداف محددة كانت وراء قيامها. { هذه العادة التنظيمية التي يمارسها اليسار نجدها بصورة كثيفة في الجامعات وكلها تهدف للالتاف خلف الطلاب وخلق مواعين تساعد على استقطابهم وجرجرتهم رويداً رويداً حتى يصلوا بهم إلى اعتناق الفكر الشيوعي وتجنيدهم أو في حده الأدني يصنع منهم أصدقاء ومناصرين لهم، وهي مناصرة تقوم في حدها الأدنى على كره الإسلاميين، وقد مارس اليسار عملية التضليل على الطلاب عبر العديد من الواجهات الثقافية والفنية والكثير من الأنشطة الاجتماعية التي تدبر لتصطاد طلاباً بعينهم تمت تسميتهم من قبل، وقد خاض اليسار العديد من جولات الانتخابات الطلابية بهذه الواجهات، ولعل أبرز ما يدعو اليسار للتخفي خلف ستار الواجهات هو يقينه بأن الشعب السوداني لا يتقبل كلمة (الشيوعي) ولذلك يستعيض عنها ب (حاجات خفيفة). { برزت الواجهات المصنوعة في انتخابات جنوب كردفان الأخيرة وسط حالة الاستقطاب العنيفة التي مارسها كل من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لأجل الفوز بعدم الكيانات السياسية التي انسحبت من السباق الانتخابي أو تلك التي لم تخضه، ولكنها توجه أنصارها بدعم أحد المرشحين، وقد نجح المؤتمر الوطني في كسب (توقيعات) عدد من الأحزاب فما كان من اليسار الداعم لمرشح الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو إلا وأن لجأ إلى استصدار بيانات عبر صحيفتي اليسار المعروفتين بأسماء أحزاب لم نسمع بها من قبل ودون أن يوقع عليها أحد أويذيّلوها بإسم أحد قياداتها، وهي تخرج علينا وتعلن دعمها للحلو وتوجه قواعدها بالتصويت له. وقد قرأت ذلك البيان في صحيفة (أجراس الحرية) تحت اسم (الحزب الوطني الاتحادي بولاية الجزيرة) ولم يتسن لي معرفة هذا الحزب تحديداً. { اليسار عموماً له مهارة في صناعة الأسماء وبناء الواجهات وقيادة الحملات الدعائية المساندة لهذه الواجهات التي يصنعها، وقد ظل حبيس أفكاره القديمة التي تجاوزها العصر وتجاوزتها التحولات الكبيرة التي شهدتها وسائل الاتصال، فما عاد التخفي سواء كان داخل المخابئ لعشرات السنوات أو خلف الواجهات والأسماء وحتى الطرق الصوفية يجدى نفعاً، وهي سلعة قد بارت منذ سنين ولم يعد ينفع غير الصدق والشفافية ومواجهة الناس بالشعارات الحقيقية والكيانات الحقيقية وبذات الأسماء والألوان مهما كانت درجة رفضك وسط الناس. { ربما تعود حالة التخفي التي يمارسها اليساريون بشكل عام إلى طبيعة الفكر الشيوعي ونشأته في الاتحاد السوفيتي الذي استندت ثورته ومبادئه على الفعل الثوري السري وهم يصنعون أكبر جهاز مخابرات في العالم من حيث عدد مجنديه وواجهاته وإمكانياته وجواسيسه، ويقال إن هناك جاسوساً للكي جي بي بين كل خمسة من الروس. وفي حياة الخفاء نفسها قضى الروس على معظم خصومهم إما بالقتل أو الخطف وبهذه الطريقة اغتالوا الشاعر الروسي الكبير (تروتسكي) بمدينة مكسيكوسيتي.