في سبعينيات القرن الماضي ونحن بالمدارس الابتدائية «الأساس اليوم» كنا نندهش عندما يبدأ العراك بين اثنين من الشباب الذين تجاوزوا الثامنة عشرة أو العشرين عاماً في مواجهة ساخنة بأم درمان، وعندما يتدخل الكبار يكون المغلوب أو «المدقوق» هو «الغلطان» ونسمع منهم وهم يوجهون الكلام للذي خسر المعركة «يا قليل الحيا دي عملة تعملا» وعندما نحاول أن نفهم ماذا فعل «قليل الحيا» هذا يتم زجرنا بأن «امشوا العبوا بعيد» ولكن حب الاستطلاع الذي يقال إنه «كتل الكديسة» - بالإنجليزي - يقلق نومنا ويقض مضجعنا فنتجه للناطق الرسمي الذي لا يخبئ شيئاً «حبوبة» فتقول بصوت خافت دون أن يسمع أبوانا «إنتو عارفين يا أولاد دقو مالو؟» فنقول بصوت واحد «لا يا حبوبة» فتضيف «قالوا ضرب بت ناس فلان رمش» فننفض منها ونحن نضحك وهي تظن رحمها الله أننا فهمنا ما تقول به ولكننا كنا نضحك من حديثها غير المفهوم وعندما كبرنا أدركنا أن المسكين نال تلك العلقة الساخنة لأنه «غمز» لبنت الجيران فنادت أخاها فاقتص منه. وتمضي السنوات وتصبح مغازلة «ناس زمان» على غرار «ضربها رمش» مدعاة للتخلف فما عادت البنت تختبئ من الولد أو الرجل والأخير أصبح المفضل لديها لأنه لا «يجهجهها» داخل نجيلة في حدائق «حبيبي مفلس» ولا «يهرد» مصارينها ب «سندوتشات الطعمية» بل لديه الفارهة والكاش كما أن فارق السن بينه وبينها يبعد عنها أعين المشاغبين رغم قلتهم في هذا الزمان وهي بشبابها وعنفوانها تستطيع أسره ليحقق رغباتها بداية بالملابس والإكسسوارات نهاية بالموبايل «الآيفون فورجي» والشريحة 09123 «لزوم الوجاهة» وتكفيه منها «ضربة رمش» لأنه «دقة قديمة». تذكرت هذا التاريخ وأنا أطلب من الزميلات بقسم المنوعات عمل مادة عن «الغزل» قديماً وحديثاً ولكن واحدة منهن لم تتحمس للموضوع واعتبرن الأمر صعباً وربما «فارغاً» رغم أنهن لم يقلن ذلك صراحة. وأعود للغزل السوداني قديمه وجديده ففي السابق كان عمود الكهرباء بمثابة «حمامة سلام» إذ يمكنك ترك الرسالة المغلفة في إحدى فتحاته القريبة بعد أن تقف مراقباً له قبل خمس دقائق من وصول المحبوبة وأنت على بعد عشرة أو خمسة عشر متراً حتى لا يلفحها «عفريت» ويفتضح أمرك. فتأتي دون أن تنظر إليك وتقف تحته وتمد يدها وتسحبها وتمضي في سرعة وأنت تغادر في الاتجاه المعاكس هذا إن لم تغادر الحي بكامله لعدة ساعات وأنت في غاية السعادة فهذه هي وسيلة اللقاء الآمنة وما دونها سيكشف أمرك ولو بعد عام كامل. وهناك من يقوم بوضع أعواد الكبريت في فمه ويحركها بأسنانه وشفاهة مضمومة وينظر إلى التي يعنيها وتبادله هي بتعديل «توبها» في رأسها والكل غافل عنهما لأن المكان حفلة عرس في الحي وعقب نهاية الحفل يكون المحب الولهان قد أكل «كروسة» كبريت كاملة وهو لا يدري. وكان هناك من هم أكثر جرأة ولديهم المقدرة على الكلام في حال خلو الشارع عندما تمر بنت الحلة أو أي «زولة» غريبة بشرط أن تكون حلوة ليبدأ بمغازلتها «يا أرض احفظي ما عليك» «حني علي أنا يا تتي» «ووب على أمك ووبين علي» «عجيب.. رهيب» «يا فرتاك حافلن» «إنت المرة وغيرك بهم» «هز يا وز» وآخرون ينشدون الدوبيت مثل ذاك الذي غازل فتاة في إحدى المدن فضربه شقيقها بعصا فكسر يده وأدخل المستشفى وتم وضعها في «الجبس» وعلقت في رقبته وبعد ساعات وقف على الشرفة فرأى خفير المستشفى يمنع فتاة جميلة من الدخول فأنشد من مكانه بصوت عال: أرجوك يا الغفير جدي الأرايل سيبو خليهو اليمر كان المراضى يطيبو وآخر رفع سقف الغزل عالياً بقوله: هي البت القبيل تتاكا فوق خالاتا الشافا والمو شافا صلى الرقيبة تلاتة والآن الجميلات يستجدين «الأولاد» للرد على رسائل الغزل خاصتهن على الموبايل وأخريات قررن التنازل أكثر على الفيس بوك ولم نسمع بأن أحداً «أخد علقة» بسبب «ضربة رمش».