ظلت أزمة النزوح والنازحين في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان هاجساً يؤرق مضاجع الحكومة ومنظمات الأممالمتحدة على حد سواء، وطفقت المُنظمات من وقت إلى آخر تُحذر من الكوارث الإنسانية جراء الحروب في السودان، وتُصدر تقاريرها بين الفينة والأخرى بالأرقام، لكن الأرقام أحياناً تكون مصدر شكوك متواصلة من قبل الحكومة. الحكومة قللت بالأمس من تقرير صادر عن الأممالمتحدة كشف عن نزوح حوالي (60) ألف شخص عن ديارهم بسبب المعارك بين الحكومة والجيش الشعبي بولاية النيل الأزرق. وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية السفير العبيد أحمد مروح ل(الأهرام اليوم) إن مجموع سكان الولاية يبلغ تقريباً حوالي مليون و(200) ألف، وأن غالبية المواطنين يتمركزون في العاصمة الدمازين والرصيرص والمدن الأخرى الآمنة بالولاية، منوّهاً إلى أن التقرير يفتقر إلى الدقة المطلوبة في الأرقام خاصة وأنها إحصائية (قديمة) وليست (جديدة). وبحسب مفوض العون الإنساني؛ سليمان عبد الرحمن، فإن الأوضاع الإنسانية في الولايتين المستقرة بناء على المؤشرات الغذائية والصحية، وأشار في ذات الوقت إلى انتفاء حالات سوء التغذية للسكان والأطفال دون سن الخامسة وعدم وجود حالة انتشار وبائيات أو معدل وفيات أكثر من المعدل الطبيعي في أي مكان وعدّها المعايير المتفق عليها عالمياً في قياس الأوضاع الإنسانية، ونوّه المفوض في حوار نشرته (الأهرام اليوم) في الأيام الماضية إلى أن آلياتهم ومؤسسيتهم ومنهجيتهم توفر لهم إحصائيات وتقارير وأرقام وتقديرات يتم قياسها بالمعدلات الطبيعية المتفق عليها وعلى ضوئها يؤكدون أن الأحوال الإنسانية مستقرة. (1) الشبكة الوطنية لدعم السلام والتنمية بجنوب كردفان والنيل الأزرق قالت أيضاً إن عدد النازحين من ولاية جنوب كردفان إلى الخرطوم بلغ (12) ألف نازح، وقالت الشبكة في تقرير مصغر عن مجريات الأحداث بالولاية إن النازحين يعانون بشدة من نقص المعونات. ورغم الشكاوى المتكررة من قيادات الحركة الشعبية بإجبار الحكومة للمواطنين على النزوح إلا أن والي ولاية جنوب كردفان أحمد هارون قال ل(الأهرام اليوم) إن الحركة الشعبية تحاول إعادة إنتاج سيناريو آخر متعلق بالحرب مع الحكومة وإنشاء ملفات حقوقية جديدة بحديثها عن النازحين واللاجئين، ونوّه إلى أن الحركة تهدف إلى خلق جيب إنساني يساعدها في توفير إمدادات غذائية على غرار تجربة (لوكوشيكو) في كينيا لكنها فشلت بعد عدم استجابة المواطنين. تقرير الشبكة الوطنية أشار إلى صعوبة الوصول إلى المواطنين الموجودين في المناطق التي تُسيطر عليها الحركة الشعبية، وكشفت الشبكة عن ترتيبات لإجراءات العودة الطوعية للنازحين، وناشدت الحكومة بعدم السماح للمنظمات الأجنبية بالعمل الإغاثي إلا عبر الشراكات مع المنظمات الوطنية، كما طالبت الشبكة المنظمات الأجنبية بعدم تدويل القضايا والمتاجرة بها، ودعا رئيس الشبكة؛ شعراني نميري، في مؤتمر صحفي في الفترة الماضية المنظمات الوطنية والدولية بدعم الاستقرار والسلام في جبال النوبة، من جهته طالب ممثل الكتل البرلمانية في جنوب كردفان والنيل الأزرق؛ كومندان جودة، طرفي اتفاقية نيفاشا بمواصلة الحوار في ما تبقى من قضايا عالقة. (2) المتحدث الرسمي باسم الخارجية العبيد مروح قال ل(الأهرام اليوم) إن الحرب منذ مطلع سبتمبر وحتى الآن يمكن أن تؤدي إلى نزوح العدد المذكور في التقرير، عاد وأكد أن الدولة ملتزمة تجاه تقديم العون الإنساني لكل مواطن سوداني في الحدود. وبينما قال تقرير صادر عن مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن المدنيين يرغمون على النزوح ويتعرضون لأضرار جسيمة بسبب المواجهات المتصلة منذ اندلاع القتال في المنطقة مطلع سبتمبر الماضي، إلا أن السفير مروح أكد أن عدد النازحين في دولة إثيوبيا انخفض إلى النصف، وأن الحكومة بالترتيب مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وإثيوبيا لترتيب العودة الطوعية وتقديم المساعدات المطلوبة. ويأتي نشر التقرير بعد حوالي ثلاثة أسابيع من سيطرة القوات المسلحة على مدينة (الكُرمك) معقل الجيش الشعبي لتحرير السودان. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن حوالي (1200) شخصاً يفرون يومياً من ولاية النيل الأزرق متوجهين إلى ولاية أعالي النيل في دولة جنوب السودان. (3) القتال في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أثار قلق جهات دولية عدة، إذ جدَّدت واشنطن دعوتها الطرفين إلى السماح بوصول المنظمات الإنسانية وعدم التعدي على حقوق الإنسان بالولايتين. كما أبدى الأمين العام للأمم المتحدة؛ بان كي مون، قلقاً بالغاً لتطورات الأوضاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ودعا إلى وقف المعارك والسماح بدخول منظمات الإغاثة. وكشف المتحدث باسم وكالة الأممالمتحدة للاجئين؛ بيتر دو كليرك، عن وقوع اشتباكات برية وقعت بالولاية مما أجبر الآلاف على الفرار إلى دولة إثيوبيا، لافتاً إلى عبور ما بين (2500- 3000) شخص الحدود إلى إثيوبيا. رغم الاتهامات المتكررة للحكومة بانتهاك حقوق الإنسان في جنوب كردفان والنيل الأزرق إلا أن مفوض العون الإنساني سليمان عبد الرحمن أكد ل(الأهرام اليوم) أن السودان دولة غنية بقيمها ومعتقداتها ودينها وثقافتها ودولة متمدنة ولديها نظام وتحترم القيم الإنسانية قبل أن توضع في شكل قوانين، لافتاً إلى حرصهم على كل هذه القيم أكثر من غيرهم على كرامة الإنسان وحفظ حقوقه وواجباته، موضحاً أنه في حالات النزاعات المسلحة مثل الذي حدث في جنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها تأتي مثل هذه التهم ولا تأتي في الظروف الطبيعية ويكون الجو مناسبا وخصبا في أن تعمل بسهولة في إثارة نوع من التهم، لافتاً إلى أن شخصه اطلع على التهم التي وردت من مفوضية حقوق الإنسان في جنيف عن أوضاع حقوق الإنسان في جنوب كردفان، وقرأ تقرير الخبير المستقل محمد عثمان شاندي، وشارك مع وفد السودان بقيادة وزير العدل في جنيف في فعاليات نشاط المفوضية السامية لحقوق الإنسان، مبيناً أن الخلاصة التي وصل إليها تؤكد أن جميع التهم (مردودة)، خاصة وأنهم راجعوا كل الأوضاع في جنوب كردفان والأجهزة المختصة، مبيناً أن وزارة العدل شكلت لجنة إلى ولاية جنوب كردفان ولجنة إلى النيل الأزرق تتقصى الحقائق وتم الوصول إلى أن كل الذي يُثار هو عبارة عن (فرية) كانت مقصودة.