أصدر القضاء الكيني أمس الاثنين مذكرة توقيف بحق رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، وقال القاضي نيكولاس أومبيجا الذي أصدر القرار، إنه كان يريد إصداره منذ فترة لكنه تجنب ذلك لتمكين جنوب السودان من الحصول على استقلاله. في الأثناء قللت الحكومة السودانية من قيمة القرار واعتبرت أنه لن يجد طريقه للتنفيذ إلا بذهاب الرئيس إلى كينيا أو حال اتخذت الحكومة الكينية حياله موقفاً رسمياً برفضه أو اتخاذ فيتو حياله أو تم استئناف القرار بوساطة الحكومة أو جهة أخرى وتم نقض القرار بوساطة القضاء الكيني، وكشفت الخارجية عن اعتراف المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية بنفسه في مؤتمر القانون الدولي مؤخرا بأن المحكمة تعمل على أسس سياسية وأن إحالة ملف السودان بوساطة مجلس الأمن إجراء سياسي بالدرجة الأولى. القرار يأتي إثر طلب تقدم به الفرع الكيني للجنة الدولية للمشرعين ومفاده أن كينيا التي وقعت المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية مرغمة على توقيف البشير وهو ما لم يحصل خلال زيارة قام بها الرئيس في أواخر أغسطس في العام 2010 إلى نيروبي، وصرح قاضي المحكمة العليا نيكولاس أومبيجا بأن “المحكمة تصدر بناء عليه مذكرة توقيف بحق عمر البشير. ويعود إلى المدعي العام ووزير الأمن الداخلي إصدار قرارات التوقيف في حال عاد البشير إلى كينيا”. وأكد القاضي أن قراره قضائي بحت ولا علاقة له بالسياسة، وقال “أعتقد أن الوقت مناسب الآن لإصدار المذكرة، وأريد فقط تنفيذ ما تنص عليه معاهدة روما التي وقعنا عليها، وسيتم اعتقال الرئيس في حال قرر زيارة بلادنا”. ولكن وإن حاولت الحكومة التقليل من القرار إلا أن الخبير القانوني الدكتور محمد إبراهيم خليل لفت في حديثه ل(الأهرام اليوم) إلى أن القرار الصادر سيكون له أثره في تضييق دائرة الحركة على الرئيس البشير خاصة وأن القرار صادر من فترة طويلة، ونبه إلى أن الدول الموقعة على ميثاق روما ملزمة بتنفيذ الأوامر الصادرة من المحكمة الجنائية مثلما أن الأفراد ملزمون بتنفيذ أوامر المحاكم لكن حتى الدول الموقعة على الميثاق تتصرف في التنفيذ بحسب العلاقة السياسية بينها.. إذا كانت العلاقة حسنة تتغاضى الدول في تنفيذ أمر التوقيف. الحكومة وفي منحى دبلوماسي للمسألة حاولت الدفع بالكرة الملتهبة في ملعب الخلافات الكينية حينما اعتبر المتحدث الرسمي للخارجية السفير العبيد أحمد مروح في تصريحه ل(الأهرام اليوم) أمس الاثنين أن الأمر يتصل بتداعيات الخلاف الداخلي في كينيا حول مستقبل التعامل مع المحكمة الجنائية بأكثر من اتصاله بالأوضاع في السودان. وسارعت الحكومة من جانبها لاعتبار أن الخطوة ترجمة لمجهودات محمومة ظلت تقوم بها من أطلقت عليها (مجموعة من الناشطين)، حاولوا من قبل إقناع الحكومة الكينية والضغط عليها لاستصدار قرار سياسي، وحينما باء مسعاهم ذاك بالفشل لجأوا إلى خيار الحكم القضائي، ونبهت الخارجية بحسب حديث العبيد مروح إلى أنها لا تعتبر أن القرار اتخذته الحكومة الكينية.. واتهم اللوبي الغربي ومجموعات ناشطة دولياً باستغلال الموقف وتحريك القضية وإيصالها إلى القضاء. وكشفت الخارجية عن وجود خلافات داخل الحكومة الكينية بين مواي كيباكي ورائيل أودينغا وحزبيهما يدعم أحدهما تيار المحكمة الجنائية الدولية، وبررت الخطوة بأنها محاولة من قاضي المحكمة لويس مورينو أوكامبو لعدم فقدان الملف الكيني في المحكمة الجنائية الدولية. الأمر برمته يجعل باب التساؤلات يفتح على مصراعيه حول توقيت صدور القرار ودلالاته خاصة وأن القضاء الكيني تحرك فيه منذ 8/12/2010، حتى إن المحامي عمر شمينا اعتبر في تصريح ل(الأهرام اليوم) توقيت القرار غريبا جداً لأن الرئيس غير موجود في الأراضي الكينية حتى يصدر قرار بإيقافه، وعد الخطوة “إخلالا بالمنطق” والقواعد القانوينة في حين أصدرت المحكمة القرار منذ سنوات، وتساءل: لماذا هذا التوقيت بالذات؟ وقال إن القرار يأخذ اعتبارات وأسبابا سياسية أملتها السياسة الإقليمية الدولية أكثر مما تمليه إجراءات العدالة وقواعدها، وتساءل: المحكمة الجنائية لم تنفذ أمر القبض على الرئيس البشير فلماذا تملي على كينيا أمر التنفيذ؟ ورأى أن الخطوة لفت نظر من الحكومة الكينية للبشير حتى لا تطأ قدماه الأراضي الكينية ورأى أن مجلس الأمن أنشأ المحكمة لتكون الذراع القانونية التي كانت مفقودة بجانب الذراع العسكرية لحظر الطيران والذراع الاقتصادية ضد الدول الأفريقية. ورأت الخارجية في بيان لها أمس أن هناك علاقة وثيقة بين هذه الخطوة وبين النجاحات التي حققتها زيارات رئيس الجمهورية الخارجية وأنها تأتي كمحاولة للحد من تلك النجاحات. وأرجعت خطوة المحكمة الكينية إلى أنها ذات صلة بإخفاقات مدعي المحكمة الجنائية الدولية الأخيرة، حيث فشل في إقناع الدول الأعضاء في ميثاق روما بتنفيذ طلباته باعتقال الرئيس البشير، وذكرت أن الرئيس زار ملاوي كآخر نماذج ذلك الفشل، وأشار البيان إلى أن مدعي المحكمة الجنائية فشل في إقناع القيادة الليبية بتسليم رموز نظام القذافي، وحاول تبرير فشله بالقول إنه ما دامت ستتشكل حكومة في ليبيا فليس لديه مانع من محاكمتهم داخل ليبيا، الخطوة تجعل العلاقات السودانية الكينية على المحك وإن كان الهدوء وحسن التعاون والتعامل يحكم العلاقات بين البلدين طيلة الفترة الماضية أو هكذا حاولت الحكومة إبداء المشهد، حتى إن أضابير الدبلوماسية لم تسجل ما يشير إلى توتر في العلاقات بخلاف حالة الود الذي تكنه الحكومة الكينية لجارتها دولة جنوب السودان واتهامات تقفز إلى السطح بين الحين والآخر تفيد بنقل أسلحة بالطائرات من كينيا إلى جنوب السودان، ومحاولة ربط أسلحة للجيش الكيني وجدت في سفينة أوكرانية مخطوفة عند السواحل الصومالية بالجنوب، حاولت وقتها الحكومة الكينية نفيه، إلا أن علاقات الجنوب وكينيا توطدت بعيد الانفصال بشكل لافت، إلا أن العبيد مروح أغلق الباب ولو إلى حين عندما أكد ل(الأهرام اليوم) عدم إبداء الحكومة الكينية لأي موقف رسمي تجاه القرار حتى تأخذه الحكومة السودانية على محمل الجد، ونبه إلى أن علاقات السودان وكينيا مستقرة وليس من شيء ليشوبها وقال إن الخطوة لا تعدو كونها حبرا على ورق.