الخرطوم - طلال إسماعيل - متوكل أبو سن في المركز العام للمؤتمر الوطني، ظهر أمس الأربعاء، كان الحزب الحاكم في السودان يستقبل شريكاً سياسياً جديداً في برنامج الحكومة ذات القاعدة العريضة على خلاف ما هو متوقع منذ قيام ثورة الإنقاذ، الحزب الاتحادي الأصل بزعامة مولانا محمد عثمان الميرغني صار شريكاً في السلطة للدرجة التي جعلت رئيس قطاع الثقافة والفكر بالمؤتمر الوطني إبراهيم أحمد عمر، يتحدث باسم الحزب الاتحادي وكذلك فعل عضو هيئة القيادة أحمد سعد عمر عندما تحدث باسم الحزبين، ولا حرج بعد ذلك أن تتكلم قيادات الحزبين بلسان واحد رغم الاختلاف في البنية التنظيمية والشعارات. لأول مرة منذ مجيء الإنقاذ للسلطة 30 يونيو 1989، لم يكن أكثر المتفائلين بنجاح اتفاق الشراكة بين الحزب الحاكم المؤتمر الوطني والاتحادي الديمقراطي (الأصل) يتوقع أن يعلو الهتاف الشهير والمحبب لجماهير الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل): (عاش أبو هاشم.. عاش أبو هاشم) في أرجاء قاعة د. مجذوب الخليفة بالمركز العام للمؤتمر الوطني بالخرطوم التي ضاقت بما حملت ولم تتسع مقاعدها للحضور ففضل بعضهم الجلوس أو الوقوف على الأرض طيلة زمان الاحتفالية؛ وظل يرددها - الهتافات -مؤيدو المشاركة من قيادات وعضوية الاتحادي (الأصل) أكثر من مرة في مراسم التوقيع على الاتفاق، على نحو تجاوبت معه قيادات الحزب الحاكم وصفق له ومعه مسؤول الإعلام بالحزب البروفيسور إبراهيم غندور، الذي أدار منصة الاحتفالية بعد غياب ملحوظ عن إدارة عدد من مناسبات الحزب في الفترة السابقة. الحاج آدم يطلب كراسي للصف الأول وغندور يطلب التفضل بالجلوس: القاعة ضاقت بالحضور، ووقف نائب الرئيس الحاج آدم يطلب مده بمزيد من الكراسي في الصف الأول إكراماً للشريك السياسي صاحب الوزن الجماهيري. جاء رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني قطبي المهدي يرتدي جلابية بيضاء وعليها سديري أسود اللون، تفقد بعين فاحصة مكان الاحتفال، الساعة تقترب من الثالثة عصراً والصحفيون ينتظرون ويترقبون والهمس لا ينقطع وكذلك الضحكات والتعليقات، إنه السودان لا يفهمه إلا أهله، تتبدل الأحوال وتنقلب المواقف، ليس هنالك ثابت إلا حدوده الجغرافية، وهي أيضاً صارت عرضة للتبديل والتغيير. وبدا واضحاً أن العدد الكبير المصاحب لقيادات الحزبين الذي دلف إلى قاعة الاحتفال متأخراً أكثر من 45 دقيقة عن الزمن المعلن، أربك الترتيبات المسبقة لاستقبال الفعالية، على نحو اضطر معه إلى تأخير انطلاقة مراسم التوقيع أكثر من 15 دقيقة انقضت في محاولات إجلاس الوافدين والدفع بمزيد من المقاعد للصفوف الأمامية، ولوحظ أن نائب رئيس الجمهورية، أمين الاتصال السياسي، د. الحاج آدم يوسف وهو يقوم بواجب إكرام الضيوف بنفسه ويوجه بجلب المزيد من الكراسي وقد كست ملامح وجهه علامات الارتياح ما يبعده من دائرة الاتهام بمعارضة الاتفاق. قيادات الاتحادي دخلت إلى القاعة قبل جعفر الصادق نجل مولانا الميرغني، أحمد سعد عمر وعلي محجوب والخليفة عبد المجيد وعثمان عمر الشريف ومحجوب دكين وبكري الخليفة، شيباً وشباباً داخل المؤتمر الوطني، وبعد دقائق معدودة أطل المساعدان جعفر ونافع علي نافع ومن أمامهما نائب الرئيس الحاج آدم بعد أن سبقهم من قيادات المؤتمر الوطني أمين أمانة الإعلام إبراهيم غندور ووزير الإعلام كمال عبيد، الحاج آدم ينتظر زيادة كراسي الصف الأول وإبراهيم غندور يطلب من الجميع التفضل بالجلوس، لقد حان موعد إعلان الحكومة بطاقمها الجديد، هكذا يقول لسان الحال السياسي. وبعكس الحماس الذي أبداه عدد مقدر من قيادات الحزب الاتحادي (الأصل) وعضويته في التعبير عن سعادتهم بالاتفاق أو بالأصح الانسياق مع رغبة زعيمهم مولانا محمد عثمان المرغني، وهم يرددون شعارهم المحبب: (يا أمل الأمة.. يا عثمان)، اختفت أصوات التكبير والتهليل المميزة لمنسوبي الحزب الحاكم في مثل هذه المناسبات مما دفع بعض الإعلاميين إلى إطلاق العنان لأفراس تكهناتهم وتوقعاتهم، فمنهم من قال إن ذلك يؤكد أن المؤتمر الوطني أقبل على هذه الخطوة على مضض، ومنهم من رأى أن الأمر طبيعي لانشغال الأذهان بما هو قادم أو سرعة إيقاع مراسم التوقيع. أكثر ما لفت الانتباه هي آيات القرآن الكريم التي قرأها الشيخ محمد علي حامد عند بداية حفل التوقيع على الشراكة من سورة آل عمران: (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)، حتى وصل بالتلاوة إلى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ). ومهما قيل في هذا السياق أن الآيات نزلت في شأن غزوة حمراء الأسد كما قيل إنها نزلت في بدر الموعد، لكنها تعكس عن واقع الشراكة السياسية بين الحزبين. انطلقت الهتافات داخل المؤتمر الوطني: «عاش أبو هاشم، عاش أبو هاشم... يا أمل الأمة يا عثمان... كنا بنتمنى قائد ينقذنا، جيت إنت ظهرت)... وهتاف آخر «نحن نؤيد رأي السيد». في المنصة... مساعدان ومستشار ووزير عدل سابق ووزير قادم: جلس نافع وبجواره جعفر الصادق الذي توسط منصة التوقيع بجانب أحمد سعد عمر وعثمان عمر الشريف، ومن المؤتمر الوطني إبراهيم أحمد عمر، كل واحد منهم بصفته الرسمية والحزبية، رجحت كفة الاتحادي، وقال إبراهيم غندور الذي أدى دور مقدم برنامج الاحتفال: «أهل السودان متى ما جلسوا مع بعض اتفقوا وهذا الاتفاق بدأ بحوار في القاهرة وانتهى بالخرطوم وثمرته لا يجنيها المنتسبون للحزبين وإنما جميع أهل البلد، هذا اليوم سيشهده التاريخ ويكتب بمداد من ذهب.» تحدث إبراهيم أحمد عمر قائلا: «إنني أتحدث باسم المؤتمر الوطني والاتحادي الديمقراطي»... قاطعه الناس بالتصفيق ثم واصل: «الذي بيننا أكبر من أن تفرق بينه الحزبية، ما بيننا لصالح الوطن كله ونضع لبنة في صرح السودان الذي ينبغي أن يكون، إن هذا الاتفاق خطوة طيبة مباركة في سبيل عزة وكرامة ورفاهية أهل السودان حتى يكونوا في مقدمة الأمم ونحن في المؤتمر الوطني سعيدون بهذا الاتفاق وسنعمل على تنفيذه.» وأشار إلى أن الاتفاق يمثل قوة سياسية جماهيرية تلتحم وتتفق مع هذا الاتفاق المهم تأكيداً لمشاركة الاتحادي في حكومة القاعدة العريضة الذي يمثل انتصاراً وقوة لأهل السودان تدفع بهم إلى الأمام. واستعرض بروفيسور عمر فحوى الاتفاق الذي يحمل توافقاً حول قضايا الدستور ودارفور وسبل حل القضية الاقتصادية والتأكيد على تحقيق السلام، وأن تتويج الحوار بهذا التوقيع يصب في مصلحة الوطن والمواطن وضرورة اتسام الطرفين بالجدية في تنفيذه، وأمن على استعداد (الوطني) على تقديم وبذل كل الجهد والتعاون في هذا السبيل بنيات خالصة حتي يكون الاتفاق خيراً لأهل السودان والمنطقة. وقدم شكره للإعلام لاهتمامه بالاتفاق، وعلق إبراهيم غندور: «هذا يؤكد وطنية إعلامنا واهتمامه بكل القضايا، تكاد وسائل الإعلام تكون في هذه القاعة.» بعد ذلك وقع عن المؤتمر الوطني رئيس لجان التفاوض مع الحزبين البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، فيما وقع الأمير أحمد سعد عمر عن الحزب الاتحادي الديموقراطي (الأصل). الاتحاديون يتحدثون: تمنى الأمير أحمد سعد عمر أن يكون هذا الاتفاق خيراً وبركة وقال: «أضم صوتي لصوت الناطق الرسمي باسم الحزبين إبراهيم أحمد عمر في ما قاله، والحزب الاتحادي عاقد العزم معكم على إنقاذ البلاد واستقرار الأوضاع انطلاقاً من ثوابت الاتحادي في سلام واستقرار الوطن والمواطن.» وأشار إلى القضايا التي دار حولها التفاوض طوال عشرة أشهر شملت قضايا دارفور والدستور والقضية الاقتصادية والسلام في جنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها من المناطق الملتهبة، مؤكداً أن الحوار الذي تم كان جاداً ومسؤولاً يمثل خطوة إلى الأمام على طريق الوفاق السياسي الشامل الذي يجمع أهل السودان من أجل استقرار البلاد وتقدمها، وقال إن الوفاق السياسي بالبلاد لن يتم بالاتفاق بين هذين الحزبين فقط، داعياً القوى السياسية الأخرى التي تريد استقرار وتقدم وسلامة البلاد أن تضع يدها مع أيديهم للسير معاً من أجل تحقيق السلام العادل والشامل والاستقرار والتنمية بالبلاد حتى يكون السودان كما يتطلع إليه أهله.» وبعد ختام الأمير أحمد سعد لحديثه قدم عثمان عمر الشريف على خلاف ما أعلنه إبراهيم غندور عند بداية الاحتفال بأن المتحدثين هما المساعدان نافع وجعفر وإبراهيم أحمد عمر وأحمد سعد، لكن غندور وصف عثمان عمر الشريف وزير العدل الأسبق بأنه رجل شجاع دافع عن الاتفاق في دار حزب الأمة القومي وقدم له تحية خاصة. عثمان عمر الشريف وجدل مع نافع حول الوضع الاقتصادي: قال عثمان: «نأمل أن نخرج من خلال الرؤية الثاقبة والمستنيرة للسيد محمد عثمان الميرغني ولقادة هذا البلد وعلى رأسهم المشير عمر البشير بالوفاق الوطني، لا يستطيع فرد أو جماعة أن يحققوا للوطن ما يصبو إليه ولكن أن اتفقت كلمتنا فإننا يمكن أن نجعل السودان أمة رائدة طالما كان الأساس متيناً ومبنياً على التراضي.» وأضاف: «كانت أهم نقاط الاختلاف بيينا وبين المؤتمر الوطني هو الدستور لأنه ليس ورقة ولكنه يعبر عن تطلعات الأمة وآمالها، وقد اتفقنا على أن تكون السيادة في الدستور لهذا الشعب يمارسها عبر الانتخابات والاستفتاء، لن تكون في الدولة التي نشترك فيها سيادة لجهة أو بوليس أو جيش، وقد ارتضينا أن نحتكم للعقل والحقيقة والمنطق.» ودلف عثمان إلى الأزمة الاقتصادية في البلاد مما أثار حفيظة مساعد الرئيس نافع علي نافع بعد أن قال وزير العدل الأسبق: «ناقشنا بأمانة ووضوح الأزمة الاقتصادية واتفقنا على أنها أزمة نقص في الإنتاج بعد انهيار كل المشاريع الزراعية والخدمات، وقلنا بوضوح إن سياسة السوق الحر مفسدة ليس بعدها مفسدة، ورأينا أن السوق الحر المرشد الذي يعطي أهل السودان حقهم وأمانيهم هذا ما نريده، واتفقنا في هذا البرنامج على الحد الأدنى من أجل السودان ومن أجل المواطن.» لكن غندور سارع بالرد على عثمان عمر الشريف بالقول: «حديثك عن السوق الحر جعلني أتردد في أن أرد على بعض ما جاء في حديثك.» نافع علي نافع يرد: قال نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب نافع علي نافع : «نحن سعداء أن يشهد المؤتمر الوطني هذا اللقاء التاريخي المهم لمصلحة هذه البلاد في عاجل أمرها وآجله، وأقصد على وجه الخصوص توطين الشريعة وحكم الله ولزيادة أسلمة المجتمع ولصد محولات العلمانيين الذين يتربصون بعقيدتنا.» وقال نافع إن الاتفاق ليس اتفاقاً بين لجنتين بل بين الحزبين تمت إجازته من قبل مؤسسات الحزبين وأنه لم يكن رأياً فردياً لجماعة صغيرة أو أشخاص ويمثل قضية جوهرية، مشيراً إلى أن المكتب القيادي ل(الوطني) ناقش مسودات الاتفاق في عدد من الاجتماعات بذات القدر الذي قام به المكتب السياسي للحزب الاتحادي (الأصل) بحضور كل الأعضاء الذين رجحوا المشاركة. وقال نافع إن آخر ما نوقش في الاتفاق كان قضية المشاركة مبيناً أنه سبقتها قضايا كثيرة تشمل الاقتصاد والدستور والتوجه العام وقضايا الساحة، مبيناً أن الاتفاق تم حول القضايا وأن المشاركة كوسيلة من وسائل إنفاذ البرنامج المتفق عليه بين الحزبين. وأشار نافع إلى أن تطاول العلمانيين على الديموقراطية ليس في السودان فحسب بل لأنهم يعتقدون بأن كل انتخابات لا تمكنهم تكون مزورة وغير معبرة عن رغبة الشعب. وقال إن ذلك يكشف بجلاء بأن أدعياء الديموقراطية لا يفهمون الديموقراطية إلا تعبيراً عن آرائهم وتمكينا لهم وليست المرجعية فيها للشعب كما ينبغي أن يكون. وأضاف: «الشكر للجنة الحوار التي توصلت إلى مسودة بعد مسودة حتى وصلنا إلى هذا الاتفاق الذي أجازته المؤسسات، وهو ليس رأياً لجماعة وفئة». ودافع نافع عن الدستور الانتقالي واعتبر أن وثيقة الحريات الموجودة فيه لا يستطيع أن يزايد عليها أحد وأشار إلى أن الدستور القادم مطروح للنقاش لكل القوى السياسية وليس للحزب الاتحادي فقط، وأضاف: «الإنقاذ منذ فجرها الأول مؤسسة وليس الولاء فيها لشخص، والسيادة من بعد الله سبحانه وتعالى للشعب.» وقال نافع: «حديث عثمان عمر الشريف لم يكن موفقاً، وعند قيام الإنقاذ كانت خزينة الدولة تحتوي على مائة ألف دولار، وكانت المعونات تأتي من ألمانيا وغيرها».