{ النخب السياسية مشغولة للآخر بما تسميه «الدستور الدائم» للبلاد، - الدوام لله وحده - بحيث أن تقلبات بلدنا السياسية، لم تكتب لأي دستور ديمومة، فنحن في كل مرة نبدأ من الصفر، وفي بعض المرات نبدأ من ما قبل الصفر، ولئن صحت ادعاءات الإنقاذ بأنها قد وجدت في «خزنة حكومة السيد الصادق المهدي» مائة ألف دولار، يمتلكها الآن عشرات من تجار الشنط»، فإن حكومة بهذا التدهور لن تحترم خزائنها ولا دساتيرها، فما قيمة هذا الدستور الذي لم تفلح حكومته في إطعام الجماهير «فيتريتة ودخن»، لكن السيد الصادق المهدي إذا ما جاء للحكم يوماً هو أيضاً سيطيح «بدستور الإنقاذ» على الأقل تحت ادعاء «ما قيمة الخبز الذي لا تسنده حريات»، وإذا جاء اليساريون، ولا ينبغي لهم أن يأتوا، فلهم أيضاً ادعاءاتهم ودستورهم، وإذا ما جاء «الرجل الدستور» أعني رجل الدساتير الأشهر الدكتور حسن عبدالله الترابي، فيومئذ يجب على كل الدساتير أن تنتحي جانباً، ولقد علمونا في مدرسة الحركة الإسلامية أن شيخ حسن هو الذي وضع دستور دولة باكستان الإسلامية على عصر الشهيد ضياء الحق....الخ. لهذا وذاك يصبح الحديث عن «دستور دائم» كصناعة بيت جميل على وادي من الرحل يتبدد في أول خريف قادم، وليس السودان بدعاً من دول المنطقة. فقبل فترة قصيرة كان يحتدم النقاش في مصر الشقيقة حول، الدستور أولاً أم الانتخابات! لأن الثورة المصرية قد جاءت فيما جاءت لتضع دستوراً جديداً على أنقاض دستور حسني مبارك، وإن كان ذلك حال مصر القديمة فعن السودان ودساتيره حدِّث ولا حرج!. لهذا وذاك لم أكن يوماً أطرب لأحاديث «الدستور الدائم» وأتصور، والحال هذه، أن كثيراً من أهل البنادر والمضارب يشاركونني هذا «النزوع والنجوع». { ولو علمتم أن كل التفاهمات التي استغرقت شهوراً قبل تشكيل الحكومة، كلها أو جُلها كانت عن «الدستور الدائم» الذي يفترض أن يوضع للمرحلة القادمة، ولو استقدمت من أمري ما استدبرت، أو لو استدبرت الحكومة ما استقدمت من أمرها لكان «الدستور العريض» لهذه الحكومة العريضة التي تتشكَّل من (ستين وزيرا)ً، لكان هو «دستور الخبز» ولا شيء غير دستور الخبز، الخبز أولاً والخبز أخيراً، الخبز دائماً للبلاد، على أن كيس خبز لكثير من الجماهير خير لهم مما طلعت عليه شمس هذه الدساتير. فالجماهير المحزومة والمهمومة بتوفير الخبز لا يطربها أن يخرج عليها «الحزبان المتحالفان»، الحزب الحاكم والحزب الأصل، بأنهما قد اتفقا على مضامين الدستور المرتقب، لكننا سنطرب حد الطرب لو كان الحزبان قد تناصرا وتواثقا حول «مشروع اقتصادي» مثمر محدد الخطوات يحتوي على برنامج عاجل لإنتاج الخبز المحلي في خطة مدروسة ومعلومة. فالشعب يريد إسقاط ثقافة استيراد القمح والغذاء، الشعب يريد إنتاج القمح، الشعب يريد أن يرى «قفة الملاح» على أجندة طاولة الوزراء... الشعب... وأنا شخصياً لا أعرف «شرعية» أجبر وأقوى من «شرعية الخبز»، فإذا ما خذلك يوماً خبزك فلن تُغني عنك دساتيرك شيئاً. هكذا تكون شرعيتك رهينة بالخبز، إذا ما خفَّ وزن خبزك خفت شرعيتك وتناقصت أوزانها. { مخرج.. وفروا لنا خبزاً ميسراً، نوفر لكم شرعية هائلة، اكتبوا لنا «دستور الخبز» لنفوضكم بعدها لكتابة «دستور دائم» ما دام الخبز متوفراً ورخيصاً، فديمومة حكمكم مربوطة بديمومة توفيركم للخبز. { مخرج أخير.. قيل إن ليلى الطرابلسي «سيدة قصر قرطاج» كانت أقوى من الدستور التونسي، فإذا ما تعارض نص مع رغباتها يذهب الدستور وتبقى رغباتها.