وصل رئيس الجمهورية المشير عمر حسن البشير أمس (السبت) العاصمة الليبية طرابلس، في أول زيارة له إلى ليبيا بعيد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، يرافقه مساعده د. نافع علي نافع، الفريق بكري حسن صالح وزير رئاسة الجمهورية، علي كرتي وزير الخارجية، الفريق محمد عطا مدير جهاز الأمن والمخابرات، ومحمد خير الزبير محافظ بنك السودان، وكان في استقبال البشير في مطار طرابلس مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي وعدد من قيادات المجلس الليبي. زيارة رئيس الجمهورية غير المعلنة لطرابلس سبقتها عدة زيارات لمسؤولين سودانيين أعقبت سقوط القذافي، كان أبرزها زيارة ليوم واحد قام بها نائبه الأول "علي عثمان محمد طه" أواخر سبتمبر الماضي على رأس وفد عالي المستوى، أجرى خلالها مباحثات مشتركة مع رئيس السلطة الإقليمية "مصطفى عبد الجليل" والقادة اليبيين. وصول البشير إلى العاصمة الليبية من واقع مجريات الأحداث وتسلسلها حمل عدة مضامين، أبرزها إضافة تحد جديد إلى تحدياته لقرار المحكمة الجنائية الدولية المطالبة باعتقاله، ويتضح ذلك لحجم الانتقادات التي وجهتها منظمة (هيومان رايتس ووتش) - المعروفة بعدائها لنظام عمر البشير - للترحيب الذي استقبل به الرئيس البشير في ليبيا، ونوهت المنظمة إلى أن الزيارة تثير أسئلة بشأن مدى التزام القيادة الليبية الجديدة بحقوق الإنسان وحكم القانون. وقال مسؤول رفيع ب (هيومان رايتس) "ريتشارد ديكر" في بيان: (إن الترحيب بالبشير يثير تساؤلات بشأن الالتزام المعلن من قبل المجلس الوطني الانتقالي بحقوق الإنسان وحكم القانون). ولم تستبعد مصادر (الأهرام اليوم) أن يكون للزيارة علاقة بملفات الحركات المتمردة على الخرطوم، خاصة حركة العدل والمساواة التي كانت تتخذ من ليبيا مقراً لها في عهد نظام القذفي الذي تربطه علاقة وثيقة بقائدها "خليل إبراهيم" الذي قتل في قارة جوية في الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي بولاية شمال كردفان، بجانب ملفات خاصة بعلاقة (طرابلس) مع جنوب السودان في الفترة الماضية من عمر النظام السابق، خاصة في ظل تصريحات لمسؤولين في المجلس الليبي الانتقالي بأن لديهم ملفات خاصة بدارفور وجنوب السودان. ويعضد من اتجاه أن تكون الملفات الأمنية والتعاون المشترك فيها بين البلدين مثار مناقشات بين الطرفين، وجود مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول محمد عطا ضمن الوفد المرافق لرئيس الجمهورية، مقروءاً ذلك مع امتنان عظيم حملته تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الليبي "مصطفي عبد الجليل" في عدد من المناسبات بالدور السوداني في دعم الثوار الليبيين ضد نظام القذافي. مصطفى عبد الجليل لدى حضوره ختام جلسات المؤتمر العام التنشيطي للمؤتمر الوطني - الحزب الحاكم - بالخرطوم 25 / 11 / 2011 قال إنه لولا المعونات السودانية العسكرية لما أمكن لمنطقة الكفرة أن تتحرر من جنود نظام القذافي، مؤكداً أن السودان قدم دعماً سياسياً وإنسانياً وعسكرياً للثورة الليبية، مبيناً أن الأسلحة والذخائر التي قدمها السودان وصلت حتى الجبل الأخضر عن طريق مصر. وقال عبد الجليل: (إن الشعب السوداني بأكمله قد ذاق الأمرين من نظام القذافي)، موضحاً أن الليبيين يقدرون الدور الذي ناصر ثورتهم، وقال (لن تندموا علي ما قدمتموه من أفعال لليبيا)، وكشف أن دور السودان الداعم للثورة الليبية امتد لتسهيل تواصل الثوار مع بعض دول الجوار التي كانت لها علاقة مع نظام القذافي، وقال (لولا جهود البشير لما أمكن لوفدنا أن يزور دولة النيجر)، وأضاف: (الدور السوداني كان فاعلاً وشريكاً حقيقياً في ثورتنا). تعهدات مصطفى عبد الجليل في ذات الفعالية التي شارك فيها تلبية لدعوة عمر البشير، بتطوير العلاقات مع السودان، لما يربط الشعبين الليبي والسوداني من حدود ممتدة ونسيج اجتماعي واحد، وتأكيداته بأنه سيكون هناك تعاون دقيق واستثمارات ليبية، فيها إجابة لدواعي مرافقة مدير بنك السودان "محمد خير الزبير" لوفد رئيس الجمهورية، ما يشير إلى أن مناقشة الوضع الاقتصادي في السودان وسبل دعمه حاضرة بين ثنايا لقاء مسؤولي الدولتين، لا سيما والوضع الاقتصادي المتميز للدولة الليبية بحكم أنها دولة نفطية في المقام الأول. المراقبون يرون أن من أهداف الزيارة توسيع دائرة التعاون بين البلدين في شتى المجالات على نحو يخدم شعبي البلدين والاستفادة من العلاقات الجيدة وتوظيفها في تنسيق المواقف المشتركة في المحافل الدولية والاقليمية، وفتح أبواب العمل أمام السودانيين في ليبيا وتوفيق أوضاعهم على نحو جيد بما ينعكس إيجاباً في دعم الاقتصاد السوداني. من جانبه وصف المحلّل السياسي والدبلوماسي السابق "الرشيد أبوشامة" زيارة رئيس الجمهورية، بالطبيعية، واعتبرها رداً على زيارة سابقة لرئيس المجلس الانتقالي الليبي "مصطفي عبد الجليل" للخرطوم، لافتاً إلى أن أهمية الزيارة من حيث توثيق العلاقة بين الدولتين والنظام الليبي الجديد، مشيراً إلى أن ملف العلاقات الأمنية والاقتصادية من أبرز الملفات التي ستتم مناقشتها، بجانب وضعية السودانيين في ليبيا. ورأى أبوشامة ضرورة وقوف الخرطوم مع الثوار، خاصة في المرحلة الآنية التي إشار فيها إلى وجود خلافات وانقسامات بين الثوار، وقال ل (الأهرام اليوم ) إن الأمر يستدعي الوقوف مع الثورة الليبية، وأنه لا بد من انتهاز الفرصة لإحداث اختراق في العلاقة بين الشعبين وتوطيدها، وأضاف: لا بد من إرساء قواعد للإخاء والمودة. أبوشامة أشار إلى أن الملف الأمني سيجد مساحة مقدرة في الزيارة، وبرر ذلك بوجود حدود مفتوحة ومشتركة بين البلدين قال إنه يصعب السيطرة عليها، مشيراً إلى ضرورة ضبط الحدود أمام الحركات المتمردة والتهريب بمختلف أشكاله، لافتاً إلى أن السودان الآن بمقدوره تقديم بعض الدعم والمساعدات للحكومة الليبية، خاصة في مجال التأهيل والتدريب العسكري، وقال: يمكن أن يتم استيعاب كوادر ليبية للتأهيل والتدريب في مؤسساتنا، وشدد على ضرورة المحافظة على علاقات طيبة ومتينة مع الشعب الليبي. إفادات الدبلوماسي السابق تتسق وإستراتيجية الحكومة نحو بناء علاقات حسن جوار مع الدول التي تمتلك معها حدوداً مشتركة، بما فيها تشاد وأفريقيا الوسطى بوصفها الحل الناجع في تأمين الحدود وما يتبعه من حفظ للاستقرار وتحجيم العمل المسلح من جهة وتبادل المنافع مع دول الجوار من جهة أخرى، ما يجعل من زيارة رئيس الجمهورية خطوة واسعة في تحقيق ذلك بدليل الترحيب الكبير الذي حظيت به زيارته على نحو حرك انتقادات منظمة (هيومان رايتس ووتش)..!!