تقاس مكانة الدولة في الأسرة الدولية بما تعيشه من أمن واستقرار وما تحققه من رفاهية وتقدم لشعبها. هنالك عاملان أساسيان وضروريان لتحقيق ذلك وهما الاقتصاد القوي والقوة العسكرية الضاربة. السودان يملك الموارد والثروات الضخمة التي تؤهله لامتلاك عناصر القوة الاقتصادية والعسكرية حتى يحافظ على مكانته في الأسرة الدولية. السودان عندما بدأ في استغلال ثرواته وموارده الضخمة من خلال برامج ومشروعات الاستراتيجية القومية الشاملة وبعد أن انتهج التخطيط الاستراتيجي لبناء قدراته الذاتية حقق نهضة تنموية مقدرة تمكن من خلالها من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وقام بدعم جيرانه بفائض إنتاجه من القمح كمساعدات وقد أزعج هذا النجاح الذي تناقلته وكالات الأنباء العالمية والقنوات الفضائية الدولية والإقليمية، الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية، لأن من يملك قوته يملك قراره. هكذا نقلت الاستراتيجية القومية الشاملة السودان في زمن قياسي من رجل إفريقيا المريض إلى رقم لا تتخطاه السياسة الدولية. النقلة النوعية في مجال البنية التحتية وبناء القدرات الدفاعية للدولة ساعد كثيراً في إفشال عملية شدّ الأطراف المشهورة التي خططت لها الإدارة الأمريكية جيداً وحشدت لها مشاركة معظم دول الجوار الأفريقي. المارد الأفريقي الذي انطلق في قلب القارة الأفريقية أخاف الولاياتالمتحدةالأمريكية فوصفته بأنه يهدد أمنها القومي ولهذا سعت لمحاصرته إقليمياً ودولياً وجندت مجلس الأمن الدولي لتشويه صورته عن طريق إصدار قرارات سياسية مفبركة مبنية على تقارير منظمات دولية مشبوهة تخدم أجندة خاصة وعن طريق اتهامات باطلة من دولة الجنوب الوليدة التي تعتبر دولة معادية. المخطط الدولي يسعى الآن لإقامة حرب استنزاف جديدة يكون مسرحها شمال السودان تقودها الجبهة الثورية التي تعتبر معارضة مسلحة عميلة ينبغي حسمها سريعاً. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا لماذا هذا الاستهداف الأمريكي والغربي والصهيوني للسودان؟. يخطئ من يظن أن هذا الاستهداف موجه لنظام الحكم القائم أو موجه لأي حكومة وطنية سابقة. الاستهداف للسودان بدأ مبكراً قبل بداية الحكم الوطني، حيث بدأت حرب الاستنزاف في 18 أغسطس 1955م وما زال الاستهداف قائماً حتى يومنا هذا وهذا يؤكد أنه لا يستهدف نظاماً معيناً ولكنه يستهدف السودان الكيان. استنزاف السودان عبّر عنه صراحة وفي وضوح تام وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الذي أشار إلى أن إسرائيل بنت استراتيجيتها على أساس أن يكون السودان مشغولاً دائماً وأبداً بنفسه حتى لا يقف على رجليه ليدعم قضايا أمته العربية والإسلامية. كذلك عبّرت الإدارة الأمريكية عن هذا الاستهداف عندما أشار أحد متنفذيها بأن السودان قد أصبح يهدد أمننا القومي ولن نسمح له بالاحتفاظ بأراضيه الشاسعة واستغلال ثرواته وموارده الضخمة ومن هنا كانت اتفاقية نيفاشا «الكارثة» التي قادت لانفصال الجنوب. خلاصة القول إن السودان مستهدف في مساحته الواسعة وثرواته وموارده الضخمة وموقعه الجيوبولتيكي المتميز في قلب القارة الأفريقية ومنطقة القرن الأفريقي وإطلالته على التجارة الدولية بساحل بحري عريض. السودان مستهدف في عروبته لأنه يمثل عمقاً استراتيجياً لجمهورية مصر العربية وبوابة جنوبية لحماية الأمن القومي العربي وهو مستهدف في عقيدته الإسلامية التي ترى فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية عدوها الجديد وهو مستهدف في استقلال قراره السياسية وفي وقوفه ضد سياسات النظام العالمي الجديد الذي تقوده الصهيونية العالمية مستغلة القدرات العسكرية للولايات المتحدةالأمريكية. السودان مستهدف في كيانه ووحدته وترابه وهو مستهدف كذلك في شعبه العظيم الذي خاض أطول حرب استنزاف عرفها التاريخ ولم ينهار أو يستسلم أو يلجأ لدول الجوار بل ظل صامداً وصابراً وداعماً لقواته المسلحة، حيث أصبح الدفاع عن الوطن هماً شعبياً. لقد برهن الشعب السوداني للقوى الخارجية بأنها لا يمكن لها أن تهزم أمة مجاهدة تسعى للحفاظ على عزتها وكرامتها وعقيدتها وترابها المقدس. السودان مستهدف لأنه من دول الرفض والتحدي التي وقفت ضد سياسات القوى الاستعمارية في الوطن العربي. المراقب السياسي الحصيف يدرك العقاب الذي نالته دول الرفض والتحدي وما حدث لدولة العراق التي قادت هذه الدول يؤكد الاستهداف الأمريكي والصهيوني لها. الإنقاذ بذلت كل ما في وسعها لإرضاء الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى ترفع اسم السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب حتى وصف البعض سياساتها في هذا المجال ب«الانبطاح» ولم يرض كل ذلك غرور الولاياتالمتحدةالأمريكية لأنها تريد أن تبقي السودان دائماً وأبداً داخل أروقة مجلس الأمن الدولي حتى تتمكن من تقطيعه ورسم خريطته الجديدة تنفيذاً لاستراتيجيتها في عدم السماح له بالاحتفاظ بأراضيه الشاسعة واستغلال ثرواته وموارده الضخمة. أمريكا ترى أنه لا مثيل لها في العالم إلا السودان من حيث الموارد والإمكانات والمساحة وإذا ما تُرك السودان لحاله واستغل ثرواته وموارده الضخمة فإنه سوف يحكم العالم كما تحكم هي العالم اليوم. باختصار شديد السودان مستهدف ككيان ووجود وهذا يشكل تحدياً كبيراً للحكومة والمعارضة معاً والمصلحة الوطنية العليا للبلاد تحتم عليهما تجاوز خلافاتهما وتغليب المصلحة العليا للبلاد على المصالح الحزبية الضيقة. أما التحدي الأكبر فإنه يقع على الشعب السوداني لأنه هو صاحب المصلحة والسلطة الحقيقية وهو الذي يفرض إرادته على الحكومة والمعارضة من أجل توحيد الصف الوطني للحفاظ على ما تبقى من السودان. الشعوب تمر بمنعطفات خطيرة في مسيرتها التاريخية وهنا تتجلى عظمتها وقدرتها في معالجة قضاياها المصيرية. الشعب السوداني يمرّ حالياً بهذا المنعطف التاريخي وعلينا أن نتذكر بأن التاريخ لا يرحم. ختاماً، حجم الاستهداف الدولي للسودان تتضح معالمه مع كل صباح جديد والحكومة التي تُمسك بزمام الأمور يقع على عاتقها مسؤولية الخروج من هذا المأزق الخطير الذي تتطلب مواجهته قيام جبهة وطنية عريضة تتكسر عليها كل مخططات ومؤامرات الأعداء والعملاء ووصولاً لتلك الغاية ينبغي أن تقودنا المشاورات الحزبية الجارية حالياً إلى تحقيق الوحدة الوطنية صمام الأمان للحفاظ على ما تبقى من السودان وبالله التوفيق. فريق أول ركن/ زمالة كلية الدفاع الوطني - أكاديمية نميري العسكرية العليا