الحرامي يجري بكل طاقاته حاملاً (بقجة) الهدوم المسروقة، ولما تقترب الخطوات الملاحقة له يحاول أن يخف وزنه برمي بعض ما يحمل، لينتهي بالملاءة التي يصرّ فيها الهدوم.. لاحقاً تصبح هي نقالة تحمله للمركز الطبي جراء الضرب الذي تعرض له من أهل الحي الملاحقين. وتلحق بعض حالات الغضب من الحرامي، درجات من التطرف العقابي لدرجة موت الحرامي، فيصبح الجاني هو المسروق والسارق هو المجني عليه..! وفي ذاك تسعى الإدارات الجنائية والشرطية بإرسال رسائل التوعية للجمهور بألا ينفذوا العدالة بأيديهم كما يرونها، فاليد لا تأتي على طوع ضاربها، لكن مع ذلك تشتد حالات الأذى الجسيم للحرامي نظير الأذى الذي كاد يتسبب فيه للمسروقين لولا سرعة ريح أقدام ناس الحلة! وحلول ليل السرقات المنزلية كان قد شرقت شمسه في ذات أوان حيث استقر بالناس اطمئنان النوم ووسادات الأحلام وصمتت كلاب الحلة عن النباح لسؤال (بالليل ده ماشي وين؟)، وصارت بلاغات السرقات ترتبط بالنهار حيث فراغ البيوت من معظم أصحابها أو بسبب العاملات الأجنبيات المتروك لهنّ الحبل على الغارب، فينظفنّ المنازل مما خفّ وزنه وغلا ثمنه، ثم دخلت موضة الاحتيالات والسرقات الفنّانة التي تعتمد على واحدة من الخطايا البشرية السبعة من الجشع والشهوة والأنانية.. الخ، وتنتهي بإثبات حالة احتيال. وحيال عودة حرامي البيوت، يتحدث الواقع العادي مصرحاً أن سرقة المنازل عن طريق الدخول عنوة أو بخفة القط الليلي، إنما هي نتيجة دراسة لحالة المجتمع الذي تتم فيه السرقات، من ناحية اقتصادية بحتة أنه الفقر لا ريبة! ومن ناحية اجتماعية أنه الفراغ وعجز الحيلة والعطالة والبطالة، أبناء الفقر الشرعيين. ويضيف الواقع أن هذه العودة غير الحميدة تجعل وزارات الشؤون الإنسانية بمختلف مسمياتها ودواوين الزكاوات بمفترق توزيعاتها مجرد واجهات حكومية تغطي عورة من دفنوا من قدرة الرجال على البقاء والعطاء! و(عطية)، الاسم الحركي للفقر، يستقر الآن في جوف وجيب معظم الناس، إن كان بشكل مؤقت أو دائم، ومقدرة كل الإنسان على التعاطي معه بإيجاد حلول ومخارج نجاة ومراوح تهوية من ضيقه إنما هي مهارة فردية تختلف باختلاف التربية البيئية والإجتماعية والدينية.. الخ، ومسألة التنّدر به عبر نافذة الكاركتير المفتوحة على واقع الحياة بذكاء بليغ - ممكن أحي الأستاذ (فارس)؟ بقراءته المستمرة لحالنا الفقير عبر رسوماته - فهي واحدة من المهارات الفردية التي ترسل وتستقبل الفعل وردود الفعل، لكنها بالضرورة لا تمثل حلاً له ما لم يكن رسمياً على مستوى الجهات المعنية بالحلول المجتمعية للظواهر بالدراسة والتحليل واكتشاف الطرائق المناسبة للخروج منها بأفضل وسيلة. سير عودة الحرامي إلى المشهد الاجتماعي وارتفاع نباح (الكلاب) بعد أن صارت حيوانات أليفة نهارية تلاعب الأطفال، هي سيرٌ تقرأ كيف أن محاربة الفقر مجرد دعوة سياسية بحتة تهبط (تلّب) على أرض الواقع فيسمعها الناس ويجرون خلفها ليلحقونها، فتغطيهم بملاءة من الأحلام السعيدة بأن بكرة أحلى، ولمّا يستقيظ ناس الحلة صباحاً يجدون أن الحرامي سرق (بقجة) من الناس والأحلام والبلد ذات نفسها! فيرسمنا (فارس) فقاعتنا فوق رؤوسنا والتعليق (جينا نلاحق، حصلوني سرقوا بلدنا وحيروني)!