ناقش الكونغرس الأمريكي (الخميس) الماضي مشروع قانون عقوبات جديدا يسمى (قانون السودان للسلام والأمن والمحاسبة لعام 2012م)، وقدَّم المشروع الأعضاء ماكجفرن، كابوانو، وفرانك وولف الذي احتجت الحكومة السودانية مؤخراً على دخوله جنوب كردفان دون الحصول على تأشيرة من الخارجية السودانية، ونادى الأعضاء الثلاثة بإجازة مشروع القانون من قبل الكونغرس وتنفيذه من قبل الإدارة الأمريكية. غير إن وكيل الخارجية السودانية السفير رحمة الله محمد عثمان قال ل(الأهرام اليوم) إن ردهم سيكون عقب إصدار المشروع كقرار من الكونغرس وإنهم حينها سيخضعون الأمر إلى دراسة. وينص مشروع القانون على فرض عقوبات جديدة تشمل أفرادا بعينهم، والعمل على مُلاحقة واعتقال الصادرة بحقهم مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، ومنع من تفرض عليه العقوبات وأفراد عائلاتهم من دخول الولاياتالمتحدة، وإبعاد الموجودين الآن داخل الولاياتالمتحدة. (1) مشروع القانون يدعو إلى وضع خُطة إستراتيجية شاملة لكل السودان، ويحظر التعامل مع الأشخاص المستهدفين في جميع الممتلكات، بما في ذلك السلع والتكنولوجيا. الحكومة السودانية تصدت لمشروع القانون في وقته، وطلبت الاثنين الماضي عقد لقاء مع مسؤولي الخارجية الأمريكية لمناقشة مشروع (قانون السودان للسلام والأمن والمُحاسبة لعام 2012م) الذي قدمه نائبان إلى الكونغرس الأمريكي. وكشف سفير السودان بواشنطون عماد الدين التهامي لفضائية (الشروق) – حينها - عن لقائه المبعوث الأمريكي إلى دارفور دان سميث، موضحا له أن مشروع القانون يرتكز على معلومات خاطئة وغير سليمة ستؤدي إلى قرارات غير سليمة خاصة بالوضع في جنوب كردفان، وأكد التهامي أن مشروع القانون ما زال في طور الدراسة والتباحث، ونوّه إلى أن سميث أكد أنه لم يطلع على القانون بعد، ووعد بالاطلاع عليه وإفادة السفارة السودانية، ونصح السفير المبعوث الأمريكي بأن تأخذ واشنطون بمعطيات المسح الميداني الأكثر حداثة حول الوضع الإنساني في ولاية جنوب كردفان الذي أعدَّته وزارة الرعاية الاجتماعية ومفوضية شؤون الإنسان في السودان بالاشتراك مع منظمات الأممالمتحدة، واعتبر أن الهدف من هذا القانون المزيد من الضغوط للتدخل في شؤون السودان باستغلال النواحي الإنسانية. (2) القوى السياسية المعارضة بدورها انتقدت مشروع العقوبات الأمريكيةالجديدة واعتبرته يستهدف السودان كدولة وشعب لا النظام القائم، ورأت أن نتائجه ستكون (كارثية)، وطالبت المؤتمر الوطني بضرورة العمل لتوحيد الجبهة الداخلية لمجابهته. وأبدى زعيم حزب الأمة (القومي) الصادق المهدي تخوفه من إجازة قانون العقوبات والمحاسبة الأمريكي الجديد على السودان، واعتبر إجازته إعلان حرب أمريكية مدنية وعسكرية على السودان، وتوقع أن تكون واشنطون أحد أطراف الحرب الجديدة على البلاد، ودعا المهدي في ندوة (الحريات) بدار حزبه الثلاثاء الماضي إلى كبح جماح (السيناريو) الأمريكي بعقد مؤتمر دستوري قومي يحول السودان من دولة الحزب إلى دولة الوطن. وفيما قال عضو التحالف المعارض المتحدث الرسمي باسم حزب البعث العربي محمد ضياء الدين ل(الأهرام اليوم) إن كثيرا من القرارات الأمريكية في حقيقة أمرها ليست عقوبات ضد مسؤولين بقدر ما إنها عقوبات نتائجها ضد السودان كدولة وشعب، حذَّر القيادى البارز بالحزب الاتحادي (الأصل) علي السيد من خطورة انتقال العقوبات إلى الأممالمتحدة، لافتاً إلى أنها الأخطر على السودان، وقال ل (الأهرام اليوم) إن خطورة هذه العقوبات أنها لأول مرة تحض المجتمع الدولي للتضافر ضد السودان. ونبه ضياء الدين إلى أن التجربة تؤكد أن الضغوطات الأمريكية كانت نتائجها على الشعب السوداني لا النظام القائم الذي شكَّك في صدق نوايا واشنطون في الإطاحة به، وقال إن واشنطون لو أرادت إسقاط النظام لكانت قد فعلت والتجارب من حولنا تكشف ذلك. وطالب علي السيد المؤتمر الوطني بضرورة العمل لتوحيد الجبهة الداخلية لمجابهة العقوبات الأمريكية وغيرها من أشكال الاستهداف الأجنبي، ورأى أن ما سمَّاه بالتناقض في موقف قيادات المؤتمر الوطني في الملف الأمريكي محفز لاستصدار مزيد من العقوبات ضد السودان وقال إن تلك العقوبات إذا تبنتها الأممالمتحدة ستكون هناك كارثة حقيقية على السودان. (3) الحكومة وصفت بنود مشروع قانون لفرض عقوبات جديدة على السودان بأنها معايير لإبادة جماعية ضد شعب السودان، وجددت تأكيداتها بعدم السماح لأي من المنظمات الأجنبية (المُغرضة) – على حد وصفها - بالدخول إلى المناطق التي تسيطر عليها الحركات المتمردة بجنوب كردفان والنيل الأزرق، وفي الأثناء أطلق المؤتمر الوطني حملة تعبوية سياسية لمجابهة مشروع القانون، ودعا القوى السياسية الوطنية إلى الانخراط في الحملة. ونبَّه نائب رئيس الجمهورية، رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني الحاج آدم يوسف، إلى أن الغرض من الحملة التعبوية مجابهة مشروع القرار الأمريكي ودحض افتراءاته وتمليك المواطنين والرأي العام العالمي الحقائق، وقال إن الحملة لتنوير الشعب السوداني بما يُحاك ضده ولكي يعلم الأصدقاء بما يفعله القراصنة في سياستهم الخارجية للتضييق على الشعب السوداني الذي اعتبره استهدافاً للسودان وشعبه، مشيراً إلى أن العقوبات الجديدة استهداف للسودان، وأنها تعبر عن عدم مسؤولية من تقدموا بها وعدم مسؤولية الجهة التي ستنظر فيها، لافتاً إلى أن السودان ليس ولاية أمريكية، وقال: نريد أن نوضح من الحملة أننا لسنا كالدول (الرعناء) التي تحركها بعض (العصابات) غير المسؤولة التي تتهمنا بارتكاب الإبادة الجماعية وهم يشرعون للإبادة الجماعية للشعب السوداني عبر مؤسساتهم. واتهم نائب الرئيس واشنطون، بتأجيج الصراع في دارفور، وتعطيل مؤتمر إسطنبول بحجة أن الأوضاع الإنسانية في الولايتين غير مرضية بالنسبة لهم، وعلق: (ونحن نقول إذا ما طوينا ملف الولايتين هم حريصون على تأجيج ملف جديد حتى لا ينتفع السودان من الدعم)، ورأى الحاج آدم في بنود مشروع قانون العقوبات الأمريكية حجباً لمساعدات الدول عن السودان والتضييق عليه، وقال إن هذه معايير الإبادة الجماعية التي يتحدث عنها القانون الدولي، وأشار إلى أن واشنطون اعترفت بأن ما حدث بجنوب كردفان والنيل الأزرق تمرد، وأنها بدلاً من أن تطالبهم بوضع السلاح دعت إلى السماح بإيصال الغذاء إلى المناطق التي يسيطرون عليها، واتهم أمريكا وإسرائيل بمحاولة تغيير النظام القائم عبر ثورات الربيع العربي، وأشار إلى أنهم حينما عجزوا سعوا لتغييره عن طريق العنف بدعم الحركات المتمردة بالتنسيق وتحريض حكومة جنوب السودان. (4) الولاياتالمتحدةالأمريكية كشفت أيضا عن تحركات تنوي القيام بها في الأسابيع المقبلة لتضييق الخناق على الحكومة السودانية وإرغامها على الموافقة على السماح بإيصال المعونات الإنسانية إلى المدنيين الموجودين في المناطق التي يسيطر عليها منسوبو الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقال مبعوث الولاياتالمتحدة إلى السودان برينستون ليمان مُخاطباً لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي قبل يومين إنه ينبغي إقناع حلفاء السودان متمثلين في الصين والدول العربية للضغط على الخرطوم بشأن هذه القضية الإنسانية في مقابل الحصول على مساعدات مالية. وقال إن مبعوثاً أمريكياً سوف يقوم بزيارة الشرق الأوسط في وقت لاحق من هذا الشهر لإجراء محادثات مع المسؤولين هناك تتعلق بهذا الأمر. وأوضح ليمان أن الولاياتالمتحدة سوف تعمل مع هذه الدول العربية على تحديد طبيعة الدعم الذي تقدمه إلى الخرطوم وأن يكون الهدف من المُساعدات المقدمة للخرطوم هو تشجيع الخرطوم على السماح بوصول العون الإنساني إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق. وقال المبعوث الأمريكي: (لا يمكنك أن تكون صاحب استثمار كبير وبرنامج مساعدات في وسط ذلك الوضع ولكن أيضاً عليك تشجيعهم إنهم إذا فعلوا الشيء الصحيح ووقعوا على الاتفاق الصحيح فإن الدعم سيكون هناك لتمكينهم من معالجة المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي يواجهونها هذا ما أعتقد أن علينا أن نعمل على تحقيقه). وقال ليمان إن الإعلان عن زيارة الرئيس عمر البشير إلى الجنوب في الأسابيع القادمة قد يكون إشارة إلى مرحلة جديدة بين جارين ينظر إلى علاقاتهما المتوترة كتهديد بإعادة إشعال الحروب، وأضاف: (قررت الدولتان التراجع عن حافة الهاوية. نظرت كل منهما إلى الأخرى وقالتا إننا نسير في الاتجاه الخاطئ). ولفت ليمان خلال جلسة الاستماع إلى أن بلاده ومنذ بداية الأزمة أوضحت أنه "لا مجال للتدخل العسكري لأزمة السودان وهذه القضية من القضايا السياسية التي لم تصل إلى الآن للمراحل النهائية من اتفاق السلام الشامل ولن يتم تسويتها عسكرياً".