على نحو كان متوقعاً ، كانت للحكومة والمؤتمر الوطني على وجه أخص ردة فعل قوية على تقدم أعضاء من الكونغرس الأمريكي بمشروع قانون لمحاسبة السودان، حيث كشف د. الحاج آدم يوسف نائب رئيس الجمهورية، رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني، عن وجود خبراء بدولة جنوب السودان يخططون ويدعمون المتمردين ضد السودان ، وأضاف : (من فوقهم تقف أمريكا وإسرائيل وبعض العواصمالغربية)، وشن هجوماً لاذعاً على أمريكا، واعتبر تقدم ثلاثة أعضاء من الكونغرس الأمريكي بمشروع قانون لمحاسبة السودان ، مشروعاً ظالماً يستهدف السودان ويعبر عن عدم مسؤولية من مقدميه ومن الجهة التي تنظر فيه. وأعلن آدم عقب إجتماع طارئ للقطاع السياسي بالوطني أمس الأول عن خطة تعبوية ضد الاستهداف الامريكي للسودان داخلياً وخارجياً، وقال إن السودان ليس ولاية أمريكية وإنما دولة ذات سيادة مشهود له بالاستقلالية واحترام علاقاته مع الدول ، وقال إن من أسماهم بالعصابات غير المسؤولة بأنها تتهم السودان بالإبادة الجماعية، وأنهم يشرعون للإبادة الجماعية للشعب السوداني عبر مؤسساتهم ومشروع القانون الذي يتحدث عن حجب المساعدات من الأفراد والدول المقدمة للسودان ، إضافة لحظر حركة قيادات السودان والتضييق عليهم في العالم. جرت مياهٌ كثيرة تحت الجسور السودانية - الأمريكية، منذ أن وقع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في أكتوبر من العام 2002م على قانون سلام السودان، ولكن القانون ظل سيفاً مسلطاً في وجه الحكومة السودانية، ويجري سنوياً التمديد له، ولكنه هذا العام تطور وأصبح مشروع قانون السودان للسلام والأمن والمحاسبة للعام 2012م، وهو محل خلاف كبير بين الخرطوم وواشنطن. ويرى مراقبون أنّ تداعيات مشروع القانون الذي قَدّمه النائبان الأمريكيان ماك جفرن كابوانو وفرانك وولف، ويهدف لفرض عقوبات جديدة على السودان، ستكون خطيرة على مستوى العلاقات المتأرجح بين البلدين، فالخرطوم التي احتجت رسمياً على دخول السيناتور فرانك وولف إلى جنوب كردفان دون الحصول على تأشيرة من الخارجية السودانية لإعداد تقريره حول الأوضاع الإنسانية وأوضاع حقوق الإنسان التي اعتمدها في مشروع القانون الجديد، ترفض مشروع القانون ليس فقط رفضاً مبدئياً للقانون منذ صدوره الأول، ولكن كون التعديلات التي أدخلت عليه حديثاً تقوم على معلومات مغلوطة عن طبيعة الأوضاع في جنوب كردفان نقلها السيناتور فرانك الذي دخل البلاد خِلسةً في خرق صريح للمواثيق والأعراف الدبلوماسية وبالتالي ما بني على باطلٍ فهو باطلٌ. كان الهدف المعلن من قانون سلام السودان 2002م تسهيل جهود الإغاثة وإيجاد حل للحرب في الجنوب، ولكن مشروع قانون 2012م يهدف إلى إيجاد إستراتيجية شاملة حقيقية تضع حداً لما سُمي بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتعزيز الإصلاح الديمقراطي وتؤسس لسلام مستدام في السودان، وينص مشروع القانون على فرض عقوبات على الحكومات والأفراد الذين يدعمون حكومة السودان بمبالغ تصل الى خمسمائة مليون دولار تستخدمها الحكومة في (أعمال من شأنها تنتهك حقوق الإنسان) حسبما ورد في نص مشروع القانون وستطال العقوبات أفراداً بالحكومة بما في ذلك منعهم وأسرهم من دخول الولاياتالمتحدة، بل حتى إبعاد الموجودين منهم بالولاياتالمتحدة، ويبدو مشروع القانون الجديد أكثر تشدداً من القانون السابق فرغم مرور عشر سنوات على القانون الأول وتوقيع الحكومة السودانية على اتفاقيات سلام مع الجنوب واعترافها بانفصال دولة الجنوب وجهودها لإحلال السلام والاستقرار في دارفور، ولكن العصا الأمريكية الغليظة لا تزال مرفوعة، والمراقب لتطور القانونيْن يلحظ أنّ الأول رغم السوء كان يبدو كمحاولة ضغط على الحكومة السودانية للانخراط في مفاوضات سلام مع الحركة الشعبية وكان ينص على تهديد بالعقوبات، ولكن القانون الجديد يتضمن نصوصاً صريحةً بالعقوبات بل ينص على نقاط مفخخة مثل الإصلاح الديمقراطي، التي قد تفضي في إحدى مآلاتها الى تغيير النظام. مشروع القانون الجديد يبدو أكثر تشدداً من قانون العام 2002 رغم اختلاف الأجواء التي صدر فيها القانونان، فإدارة الرئيس بوش لم يكن مستغرباً منها ذلك القانون كونها كانت تنتهج أسلوباً عدائياً في علاقاتها مع دول المنطقة، ولكن إدارة الرئيس أوباما مع التزامها بروح قانون سلام السودان إلا أنها انتهجت أسلوباً أكثر مرونةً مع السودان خلال بداية ولايته، والتوتر الراهن في العلاقات الذي يتجلى في حدثين مهمين هما مشروع قانون السودان وإفشال مؤتمر إسطنبول حول السودان، عرضان لحمى الانتخابات الأمريكية الباكرة، حيث يشكل الموضوع الاقتصادي جوهر الحملات الانتخابية في الولاياتالمتحدة والتقدم الوحيد للرئيس أوباما سيكون في مجال العلاقات الخارجية وتندرج التحركات الراهنة في هذا الإطار. الحكومة السودانية أبلغت الإدارة الأمريكية احتجاجها رسمياً على مشروع القرار، وقال سفير السودان بواشنطن عماد الدين التهامي يوم الاثنين، إنه التقى المبعوث الأمريكي لدارفور دان سميث، موضحاً له أن مشروع القانون يرتكز على معلومات خاطئة وغير سليمة ستؤدي إلى قرارات غير سليمة خاصة بالوضع في جنوب كردفان، وأكد التهامي أن الهدف من هذا القانون المزيد من الضغوط للتدخل في شؤون السودان باستغلال النواحي الإنسانية، وقال إنّ سميث أكد أنه لم يطلع على القانون بعد، ووعد بالإطلاع عليه وإفادة السفارة السودانية. يتزامن تقديم النائبين الأمريكيين ماكجفرن كابوانو وفرانك وولف لمشروع القانون المثير للجدل مع انهيار مؤتمر دولي للاستثمار في السودان كان مزمعاً انعقاده في إسطنبول يومي 23 و24 مارس الحالي بمبادرة نرويجية - تركية والسبب إلغاء الولاياتالمتحدة ودول أخرى مشاركتها في المؤتمر فيما يبدو كاحتجاج على تطورات الأوضاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولم تكتف أمريكا بمقاطعة المؤتمر، بل هددت بالسعي لدى دول أخرى تسير في ركابها أو لديها أوراق ضغط تجاهها لإثنائها عن حضور المؤتمر، وبالتالي يفتح الحدثان مشروع القانون وعرقلة المؤتمر، الباب واسعاً لتصعيد في العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن.