قال فنانو الريشة تغني الجسوم وتبقى الرسوم، نعم الفنان محمد وردي كجسم وري تحت الثرى ولكنه روحاً ورسماً لا يزال بيننا، وإن صعدت روحه إلى السموات العلا إلى بارئها حيث تحفظ الأرواح لدى حكيم خبير. يسألونك عن الروح قل إن الروح من أمر ربي تُنفخ في أجسادنا بأمر منه وبأمره تعود إلى حيث كانت في فضاءات رحمته التي وسعت كل شيء. الحمد لله الذي جعل الموت استراحة لنا من رهق الدنيا وعيوبها التي تلاحقنا في الآخرة، وبالطبع لكل إنسان عيوب أو ذنوب، فالكمال لله وحده، وإن كان للفنان الإنسان محمد وردي عيوباً أو ذنوباً فقد ترك العديد من المحاسن التي قد تجاوزه تلك العيوب. يقول بعض فقهاء المتصوفة إن حب الناس ورضاهم من حب الله عز وجل ورضاه، انظروا كم من الناس الذين تدافعوا لتشييع جثمان الفنان الإنسان محمد وردي، وكم هم الذين بكوه والذين نعوه والذين رثوه، فالمداد لا يزال يسطر ولو كان لغير محمد وردي لنضب معينه، ولأن عطاء وردي لا ولن ينضب أو يتوقف، كذلك مداد الثناء وطلب الرحمة بالحديث عن بحر مآثر محمد وردي لن ينضب. اللهم ارحم محمد وردي الإنسان، اللهم إن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، وإن كان محسناً فزد في إحسانه، اللهم أغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، يا أرحم الراحمين ارحم محمد وردي ووسع له في مرقده وسامحه واغفر له ولوالديه واجعل البركة في ذريته، واغفر لنا ولأمة محمد أجمعين وأحسن خاتمتنا وألحقنا به مع الصالحين وحسن أولئك رفيقاً يا أرحم الراحمين. محمد وردي حقيقة هو فنان السودان وأفريقيا والعروبة بل والعالم أجمع، حيثما تسافر في البلاد العربية والأفريقية تجد أغاني محمد وردي في الساحات والمكتبات والأماكن العامة، فالأستاذ الفنان الحبوب وردي الذي أثرى وجدان الشعب السوداني وساهم في إثراء الوحدة الوطنية وحب الوطن وأثرى التنوع في الوحدة بفنه الشامل وأدائه الجميل وصوته المحبوب المطبوع في قلب كل سوداني، لقد أثرى التراث وأعلى بفنه قيم التاريخ، تغنى وردي للثورة الوطنية وتغنى للشجاعة والأدب والحب والجمال، وتغنى للتاريخ بالموسيقى الرفيعة والألحان الشجية التي تسبح بالنفس في فضاءات الخيال وزهو النفس بكل ما هو جميل من الفكر والفلسفة. وردي الفنان والإنسان الخيّر الذي افتقدته أسر بعينها، فهو فقد للشعب السوداني كله كان قامة فنية زاخرة بكل الحب ويتمتع بملكات عديدة، فهو لم يتغن للغلابة والمساكين فحسب بل كان داعماً لهم ومسانداً بنفسه وماله وجهده وفكره. وردي قيمة سودانية فنية عطرت أجواء السودان بالجمال وقاربت بين أجياله، جيل بطولات التاريخ الماضي وجيل بطولات التاريخ الحاضر، ربطاً للحاضر بالماضي واستشرافاً، ذاكراً للمستقبل مستشهداً بالحاضر. وردي يا ابن السودان يا حبوب أنت رفعت السودان فوق وخليت الناس وكل البلد حبوب، أنت همة وأنت قمة وأنت كل الذوق، ألا رحمك الله رحمة واسعة وجعل الجنة مثواك، لقد بكاك السودان كله وباسم دارفور تبكيك هيئة دارفور الشعبية للحوار والوحدة والمصالحة، سائلين الله أن يجعل البركة في الذرية ويحسن إليك وإليهم إنه واسع الفضل والمغفرة، من الرجال الجميلين من قضى نحبه وأنت منهم، ومنهم من ينتظر كل بأجله ولا نقول إلا ما يرضي الله، نسأل الله لكل الجميلين الذين قدموا للسودان كل في مجاله أن يطيل في أعمارهم وينفع الناس بهم، فتلك سنة الحياة والناس يتحدثون عن فضائل بعضهم لهذا كتب الكثيرون عنك وأنك تستحق، وكان واجباً على كل صاحب يراع أن يُعمل يراعه في وصفك متأملاً في مآثرك الكثيرة، فمنهم من نظم شعراً ومنهم من نثر الكلم درراً ومنهم من دعا لك بالخير والغفران، وها أنا كغيري أقول ما بنفسي تعبيراً عنها وآخرين لا يملكون إيصال مشاعرهم تجاه الفنان الكبير محمد عثمان وردي، الذي قدم للسودان ما يستحق المكافأة من كل أهل السودان بحسب الحال والقدرة على التعبير. والسلام عليك يا وردي بين الفكر والفن في سيرة حياتك، تعتمر النفس بأحاسيس جميلة تجاهكم ويفيض الوجدان معبراً عن عظم الفقد ويتقرر في السطور عمق الفقد بأحسيس تتجلى في مختلف تعابير الذين افتقدوك في رائعة فكرية أو عند سماع مقطوعة موسيقية مستشعرين بكل ماهو جميل في فنك الرائع، ويسترسل الفكر في ذلك الإنشاد يوم عرس الفن عظمة الرحيل وتلوح في الأفق معانٍ لصور جميلة ازدهرت في النفوس وتعاظمت في الفكر إلى الفنان الملهم والإنسان المبدع وردي الذي عبر عن قضايا الناس والحياة، آمالهم وطموحاتهم التي لونها بأجمل معاني الحياة في مضمون الفن في نسيج فني لإشباع الروح بالمعاني السامية من جماليات روحية وفكرية عبر الكلمة الرصينة للعزف على وجدان الناس لاستنطاق همومهم في حضرة الفن الراقي الجميل، ويتردد السؤال المألوف هل يكفي أن نعيش بالخبز لنحيا أم أن هناك مشاعر روحية تختلج في نفس الإنسان تحتاج لبعض الفن لحياة ساعة فساعة، لهذا قال بعض الفلاسفة «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، فالإيمان نفسه قيمة فنية عليا لأنك تحب الله بقدر قوة اعتقادك في الله، والإعجاب ايضاً قيمة فنية دنيا لأنك تحب الفن بقدر فهمك وإحساسك به، وحب الله فن يجيده المتصوفة والعارفون بالله، والفن الراقي يرقي المشاعر والأحاسيس المؤمنة بالله، هناك شعرة طفيفة تربط الفن بالإيمان قوامها علو النفس عن كل ما هو دنيوي عند الإحساس بالفن، فالفن يمثل نشاط الإنسان في معترك الحياة والإيمان يمثل رباط النفس في طموحاتها وتطلعاتها في الحياة، أن تكون فيما يرضي الله وينفع الناس. أما الحياة فهي العطاء والتضحية من أجل قضية، فهي التعبير عن حركة حسية نستمد منها القوة ونستلهم منها المعاني الفاضلة والنبيلة، وهكذا عاش الفنان محمد وردي بالحب والعطاء لأجل قضية الفن إسعاداً للناس بجماليات الحياة وربطهم بحب الوطن والناس، وقد تجلى كل ذلك في الأناشيد والأغاني والتوزيعات الموسيقية الرائعة التي تسمو بالنفس إلى الذات العليا حباً لله والوطن والإنسان، استنطاقاً لهمومه وقضاياه في صور فنية رائعة يتجاوب معها المعجبون ويسمو بها العارفون بالفن والموسيقى إلى فضاءات الحب والجمال في رحاب خيال تختلج فيه الأحاسيس والمشاعر، وتختلف من شخص لآخر، وهكذا فليحيا الفن ومحبو الفن، وللأستاذ الفنان محمد وردي كل الحب والتقدير، نسأل الله له الرحمة والمغفرة