* جنوب القلب تقع المعدة والأمعاء الغليظة وكافة (المصارين)، وفوق القلب يعلو العقل والعيون واللسان - هل تستوي الرئة؟ - والوطن بعضهم يختار أن يضعه جنوب القلب، حيث يملأ منه معدته وجيوبه ورغباته، والبعض يرفعه فوق مستوى قلبه وأنانيته فيكون الوطن له عقلاً وعيناً ولساناً ينطق مبيناً (نحن جند الله جند الوطن.. إن دعا داعي الجهاد لن نخن). * ونحن - عامة الناس - كانت حناجرنا في أبواق السيارات وفي أيادينا التكبير والتهليل والحمد لله رب العالمين، وفي مكان الزغاريد و(الكوراك) تعبّر بشكل رسمي عن فرح المنتصرين بعودة (هجليج) إلى مجاريها سالمة إلا من بعض الخسارات الصغيرة، يردد الناس بعضاً من عبارات (الجياشة) شديدة الثقة (كل القوة.. جوبا جوه) والقنوات الفضائية نقلت (نبض الشارع) أو الشارع نقل للفضائيات عقب صلاة الجمعة بقليل كيف يتمازج الجيش والشعب لفرحة الوطن، وكيف تغيّرت نبرة السيد الرئيس (عمر البشير) في لقائه الجامع بباحة القيادة العامة - نهار أمس - من اللقاء الذي قبله بولاية شمال كردفان، وحوّل الفرح درجة حدّة الصوت ليكون أكثر شكراً لله ومن بعده الجيش والشعب. * التشعبات الأميبية التي انشطرت من احتلال (هجليج) مذكورة في تمام منتصف نهار الاستقلال، لأزمة (السكر) وبعض المواد الاستهلاكية التي لا علاقة لها بأسعار الدولار والمحروقات النفطية، هذه التشعبات هي التي بحاجة لجيش حرّ اقتصادي لمحاربتها وإعادتها إلى حظيرة المعقول والممكن للمواطن. فتجار الحرب الذين استخدموا انتباه البلاد بأكملها لحساسية الوضع في (هجليج) وبعض من دارفور وجنوب كردفان لرفع مستوى أرباحهم هنا في المركز، أكدوا أنهم فئة الذين يضعون الوطن جنوب القلب! * وفوق القلب بقليل يجلس العقل، وبلا ميل عاطفي يراجع كيف يمكن أن تستمر الحرب بين دولتي جمهورية السودان وجنوب السودان؟ ما هي المسببات التي تجعل العلاقة بهذا المستوى من الغبن والعداء المستفحل والأصيل في النفوس؟ لماذا ومراكز الدراسات الأفريقية والإسلامية والأمنية والتدريبية... الخ.. تفتح أبوابها وتؤدي بحوثها وتدير منابرها وسمناراتها وورشها وتطالب بميزانياتها ومخصصاتها ورؤسائها، لا تصنع إجابة منطقية لأسباب هذه الحرب ذات المزاج النباتي والحيواني والإنساني على السواء! * واستواء الفرح حين معاهدة السلام الشامل الشهيرة ب(نيفاشا) حينما كانت الأهازيج والأغنيات واللوحات اللونية والبشرية تعبّر، ليس تفريغاً نفسياً للمكبوت فيها، أو ميلاً للجينات الأفريقانية التي تحب الرقص في كل حال! إنما تعبيراً لنجاح الغاية الإنسانية الأسمى (السلام)، وفرحاً صافياً لإطاعة الأمر الجميل (أرضاً سلاح)، وفي تمام انفصال أو استقلال الجنوب كان الفرح يرسل إشاراته بأن غاية قد تحققت، بغض النظر عن الوسيلة. * لكن سيل الفرح ذاك كان في توقيت مدن إقليمية حدودية ومتاخمة ومتنازع عليها أخرى يصنع التزاماً على مواطنيها بمراعاة فروق السلام والانفصال، ومزاولة الحرب والخوف والهزيمة لحين رفع النداء. * رُفع التمام، والجيش التزم - شكراً - و(هجليج) عادت - بحمد الله - فما هي الفكرة بعد هذا كيف ستلتزم الحكومة تجاه الشعب؟ كيف ستراجع حساباتها السياسية والإنسانية والمدنية والعسكرية؟ قبل أن ندخل (جوه الهوة