رغم أن الظروف لم تسمح لي بمتابعة مؤتمر (تيدكس) حتى النهاية إلا أنني اكتفيت جداً بالقدر الذي شاهدته من النماذج الواعدة لاستكين لاعتقادي الجازم بأن (بكرة أحلى)، كيف لا وضربة البداية كانت لأحمد الجيلي وهو الشّاب الذي رفع رأسنا مؤخراً في فعاليات مسابقة مواهب العرب بإمعانه في التمسك بأصالته وروحه الوطنية وبكل ثقة، ويكفيه فخراً ويكفينا أنه مقيم بالداخل وقام بالتقديم محلياً وبأبسط الامكانيات ولكنه الآن داخل المنافسة وكل أمنياتنا أن يفعلها للمرة الأولى لأجلنا. أما (وفاء الأمين) فهي حكاية لا يمكن إيجازها في هذه المساحة وأرجو أن تجتهدوا في البحث عن تفاصيلها عبر الشبكة العنكبوتية وحتماً سوف تبهركم مثلما فعلت بالأمم المتحدة وجعلتهم يسعون إليها صاغرين لتتسيد شباب أفريقيا والشرق الأوسط بسعيها لجعل أسلوب التعامل مدخلاً للتغيير الإيجابي مروراً بالوطنية ومواجهة الواقع. أما (طارق هلال) - وما أدراكم ما طارق هلال -فهو ذلك الساحر البليغ الأنيق خبير العلوم السياسية والديمقراطية الذي يشغل العديد من المناصب العالمية بجنسيته السودانية وإنجليزيته الرائعة التي تحدث بها سارداً رحلة حياته وحياتنا بتشويق جميل وعبارات صادقة مزجت الماضي بالحاضر لتكون المحصلة الأخيرة ضرورة خروجنا من قمقم الماضي الجميل وتغيير قناعاتنا القديمة بأنه دائماً أفضل من الحاضر والمستقبل لأننا نملك فعلياً من الامكانيات والفرص ما يؤهلنا لخلق مستقبل خلاب. (علياء الجمري) طالبة جامعية في مقتبل العمر تروج لفكرة إيجابية حول التكافل الاجتماعي بصورة بسيطة ونبيلة تحمل عنوان (كأني أكلت) وتطلب منا فقط ببساطة أن نستغني عن رفاهيتنا المكلفة لأجل آخرين لا يجدون حتى أساسيات الحياة. وكلما راودتك نفسك عن طعام مكلف أو أشياء أنت لست بحاجة فعلية لها ويمكنك الاستغناء عنها، عليك أن تقاومها وتأخذ المبلغ الذي كانت ستكلفك إياه وتضعه في صندوق وتواسي نفسك بأن كأني فعلت كذا، مثال.. كأني أكلت، كأني اشتريت، كأني شحنت رصيد وغيرها من الكماليات. وبعدها يمكنك أن تأخذ ما جمعته وتسهم به في أي عمل طوعي من الأعمال الكثيرة والجليلة التي اتسعت دائرتها مؤخراً بأيدي الشباب في كل المجالات لا سيما إفطار الطلاب المحتاجين وصيانة المدارس. ولكم أن تعلموا أن نسبة التبرع بالدم وحدها قد ارتفعت من 5 بالمائة إلى 30 بالمائة والحمد لله. أما حديث بروفيسور (الشيخ محمد الشيخ) عالم الفيزياء الذي لم نقدره حق قدره، فقد فتح أمامنا آفاقاً من المعرفة المدهشة وهو يقذف في أذهاننا الحيرة وهو يحدثنا عن الوعي البشري، تحديداً وعي الفاعلية القائم على التفكير الإيجابي والمبادرة من أجل العطاء والإيثار الشامل والإبداع. وكان فخامته قد اكتشف نظرية فيزيائية حديثة رفضت 18 مرة قبل أن تقبل وتقفز به إلى العالمية ونحن لا ندري! كل ذلك بفضل إصراره على التميز الذي جعله ينفق 40 سنة من عمره في البحث العلمي ولا يزال يتمتع بكامل هدوئه وبساطته ونبله الذي جعله يسهم بعرض تجاربه علينا لتعم الفائدة ويبدأ التغيير. تبقى فقط أن أحدثكم عن (أمجد النور) المخرج السينمائي العالمي الحزين لما عليه الصورة الذهنية لدى العرب عن السودان والمجتهد في سبيل تغييرها مستخدماً موهبته السينمائية الفطرية وروحه المرحة الخلاقة، وهو يرى أن المتعة الحقيقية في أن تفعل شيئاً راهن الجميع على عجزك عن القيام به يوماً. وأخيراً ارفع القبعة وانحني احتراماً لكل الشباب المتطوعين الذين أسهموا في إخراج ذلك اليوم بكل هذا القدر من الأناقة والرقي والنظام مدفوعين بروح الحماس الوثابة والرغبة الصادقة في إحداث حراك اجتماعي شاب بأفكار إيجابية بناءة تستحق الاحترام.