كان الصحفي العالمي ساليز بيرجر يقول انتهى عصر العمالقة، والعمالقة بنظره هم زعماء الدول الكبرى أثناء الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945م، وهم رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت والزعيم السوفيتي جوزيف ستالين وقليل من حكام فترة الحرب الباردة التي بدأت عام 1945م وانتهت في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكان من هؤلاء العمالقة زعماء ومؤسسو حركة عدم الانحياز من أمثال رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، والزعيم اليوغسلافي جوزيب بروز تيتو والرئيس المصري جمال عبد الناصر. وأضاف ساليز بيرجر أن نهاية عصر العمالقة مفيد للبشرية لماذا؟ لأن العملاق يأتي حلاً لأزمة ثم يرحل تاركاً أزمات. ولقد مرت أكثر من ثلاثة عقود على هذا الكلام الذي قاله الصحفي العالمي الروسي الأصل الأمريكي الجنسية، وعلقت عليه في حينه في عام 1981 في نفس هذا العمود الذي كان ينشر في الصفحة الأخيرة بجريدة الصحافة في عهدها المايوي، وقلت إن كبير العمالقة عمر بن الخطاب تسلم الحكم بعد وفاة أبي بكر بترشيح أو اختيار منه وبرضا تام من الشعب والصفوة.. لم يثر عمر على العهد السابق ولا على فلسفة الحكم السائدة، ولم يأت في أعقاب أزمة ولم يرحل تاركاً أزمات وفي عهده فتحت مصر والشام والعراق. واستنتجنا من ذلك أن الحقيقة في كلام ساليز بيرجر ليست مطلقة لكنها مثل كل الحقائق البشرية أي التي يزعمها البشر نسبية. وفي نفس الوقت أو من جانب آخر فإن العصر الحالي يؤكد الشق الأول من كلام ساليز بيرجر.. أي انتهاء عصر العمالقة أو تقلص عددهم إلى مستوى في غاية الوضوح، وليس في السياسة وحدها وإنما في كافة المجالات. فساركوزي لا يقارن بديجول، وأوباما لا يقارن بروزفلت، وكاميرون لا يقارن بتشرشل، لكن حاجة الشعوب إلى الحاكم المنجز العادل أكبر من حاجتها إلى الحاكم العملاق، وليس هناك ضرر إذا ما اجتمعت العملقة مع الإنجاز والعدل. وفي مجال الغناء في السودان وفي العالم العربي نجد أن عصر العمالقة انتهى تقريباً أو أن عدد المطربين الكبار والمطربات الممتازات تقلص كثيراً. فليس هناك من يمكن أن تقارن بأم كلثوم وقد فقد السودان كثيراً من المطربين الكبار، لكنهم لم يختفوا جميعاً. وإذا كان الحاكم العملاق يأتي حلاً لأزمة كما قال ساليز بيرجر، فإننا لا نعرف متى يأتي المطرب العملاق ولا الأديب الموهوب ولا اللاعب الفلتة الذي هو في مقام بيليه أو مارادونا أو ميسي؟! فليست هناك قواعد عامة تحكم ظهورهم في أي زمان وأي مكان وتحتمه. وإذا ما صح أن عصر العمالقة في مجالات السياسة والأدب والغناء انتهى فإن عصر العمالقة في مجال العلوم التطبيقية في قمة ازدهاره، وهو المجال الوحيد الصاعد باستمرار نحو التفوق والكمال النسبي فالحاضر العلمي التطبيقي أفضل كثيراً من الماضي وأكثر تقدماً منه ورغم ذلك فإن نجومه أقل بريقاً من نجوم السياسة والفن وكرة القدم.