* إذا أردت أن تخدم فكرة بعينها وترسخ لها بين ردهات الرأي العام، فعليك أن تدير حولها حواراً هائلاً متبايناً، ثم تختم بالجملة التي تلخص وجهة نظرك، لينفض المشاهدون من هذه (الوليمة الإعلامية) وفي أذهانهم الخلاصة الأخيرة، وغالباً الخلاصة يجعلها مقدم البرنامج خالصة له، وهذا ما لم يفعله مقدم حلقة الأمس. * بالأمس انتهت آخر نسخة من برنامج (حتى تكتمل الصورة) الذي يعده ويقدمه الأخ الأستاذ الطاهر حسن التوم، انتهت إلى الفكرة المركزة التي عالجها باحترافية متقنة الزميل الأستاذ طه النعمان. * قال الأستاذ طه النعمان، إن سياسات النظام وسوء إدارته لملفات أزمات البلاد، وآخرها ملف العلاقات مع دولة الجنوب، موضوع الحلقة التي حاولت أن تقرأ تعاطي الحكومة مع قرارات مجلس الأمن الأخيرة. قال الأستاذ طه إن سوء المعالجات الحكومية الإنقاذية هو الذي أوردنا المهالك، انقسام الدولة السودانية، وحرب في أكثر من جهة، والحالة الاقتصادية التي تكابدها الجماهير الآن. هكذا تمكن الكاتب الصحافي طه النعمان أن ينهي المباراة لصالحه بجملة من (الأهداف المخدومة) التي أحرزها في مرمى (فريق الأرض والجمهور) الذي يديره (رجل النيل الأزرق) الأشهر الطاهر حسن التوم. * وبدا لي أن مقدم البرنامج قد أدرك منذ (منتصف اللعب) أن المباراة لا تسير لصالح فريقه، وأنه قد دخل هذه المباراة بتشكيلة مغايرة وأن المجموعة التي تسورت طاولة البرنامج كلها (تشوت في مرمى الحكومة)، فإلى جانب الأخ الزميل طه النعمان، جلس دبلوماسيان أحدهما الأستاذ خضر هرون، وبدا أن الرجلين(متقاعدان) لأن الكثير من كوادرنا الفئوية تظهر عبقرياتهم بعد مغادرتهم الوظيفة، بدا ذلك من خلال (إمطارهم) مرمى دبلوماسية الأستاذ كرتي بمجموعة من الهجمات المرتدة، ولك في هذه الحالة (عزيزي المشاهد) أن تتساءل..(طيب لو عندكم إنجليزي مثل دا...) أعني وأنتما بهذه البراعة، لماذا ظلت دولة السودان محاصرة طيلة تلك الفترات؟، أم أن (في البر عوام) كما يقول مثلنا السوداني الحصيف! * المهم في الأمر أن الأخ الطاهر، تحت تجانس تيمه المستضاف، بحيث يضع كل واحد منهم (كرة مقشرة) ثم يدفعها إلى صاحبه، كما برع الأستاذ طه النعمان في تسديد الكرات السهلة التي وجدها أمام (المرمى الخالي).. * أقول أدرك الأخ الطاهر خطورة (الهجوم الكاسح) فطفق ينادي رجاله خلف الكواليس (إن كان الدكتور محمد جاهزاً)، تكررت النداءات، وأخيراً أطل الرجل عبر الهاتف مجتهداً في أن يفك الحصار من حول صديقه، قال الدكتور محمد الجزولي في خلاصة حديثه، وهذا بيت القصيد، إن أكثر من مائة قرار أممي قد صدرت في حق الإنقاذ وكلها جائرة وكلها مرت دون أن تقوم قيامة السودان!. * لكن تكمن أزمة البرنامج في أن مداخلة الجزولي لم تكن خاتمة، والبرامج على خواتيمها، بحيث أهدى الأخ الطاهر في لحظة كرم حاتمي (خلاصة الحلقة) إلى رجل محترف لم يضع الفرصة التي جاءته تجرجر أذيالها. * فلقد خرجنا من البرنامج على أن مجمل مكتسبات الإنقاذ هي (تقسيم السودان) وجعل أطرافه كلها تحترق، وأن مدنه وقراه تحترق هي الأخرى بنار الأسعار، وأن الأسوأ ينتظر السودانيين، بمعنى أن الحكومة الحالية هي أسوأ حكومة تمر على السودان.. وتصبحون على خير. * وكل هذه المصاعب التي قال بها الأخ الزميل العزيز الأستاذ طه النعمان، هي ما نكابده الآن ! لكن ما لم يقله الأخ طه، ولم يقله، هو أن هذا هو (ثمن الكرامة) وأن الشعوب التي غايتها في هذه الحياة الدنيا (الأكل والشراب) كما تفعل الأنعام، هي الآن تعيش في رغد من الحياة. * فبإمكان الرئيس عمر البشير أن يرمي سيفه وأن ينزل غداً على تل أبيب متبادلاً معها (المشاعر والسفارات).. وأن يبصم على كل قرارات الأممالمتحدة، وأن يتنازل للحركة الشعبية لتحرير السودان شمالاً وجنوباً. * لو فعل ذلك لنجا من (الجنائية الدولية) ولرفع عنا الحصار وتدفقت علينا (الدولارات الحرام)، .. غير أن القصة ليست (أكل وشراب وكوم تراب) .. القصة ما قصة رغيف .. وحسب .. * مخرج : من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر من غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدة والسير من غيرنا لصياغة الدنيا وتركيب الحياة القادمة جيلي أنا .. جيل العطاء المستجيش ضراوة ومصادمة.