أحد خبراء العسكرية شبه عملية إعادة هيكلة الجيوش بالطلاق، وقال إذا كان الأخير من أبغض الأشياء عند الله في الحلال فإن الهيكلة هي أبغض الإجراءات في قوانين السياسة والعسكرية لدى القيادات. رغم غرابة التشبيه إلا أن تصريحات وزير الدفاع السوداني الفريق ركن مهندس عبدالرحيم محمد حسين حول هيكلة القوات المسلحة تدفعنا نحو بحث حيثيات الاتجاه ومعرفة دواعيه ومتطلباته وغايته البعيدة منها والغريبة . الخرطوم - ادم محمد احمد \ داخل ذات القاعة التي خرجت منها مطالبات بعض النواب الداعية إلى تغيير قيادة وزارة الدفاع تماشيا مع مرحلة مختلفة، قصد الوزير أمس الأول أن يطلق تصريحاته التي حملت مضامين تعني في جوهرها التغيير، حيث أعلن حسين وبصورة تبدو مفاجئة للكثيرين عن الانتهاء من إعادة هيكلة الجيش لتلبية متطلبات المرحلة، وقال إن واقع الانفصال فرض على القوات المسلحة إعادة الترتيب لحماية أكثر من ألفي كيلومتر من الحدود مع جنوب السودان. مفهوم إعادة الهيكلة بالنسبة للجيوش في العرف العسكري الإستراتيجي يعني التخطيط والتنظيم والتشكيل، وفقاً للمبادئ والمصطلحات والمسميات العسكرية ويحمل عدة مقاصد من بينها إعادة تمركز وتسليح وتنظيم الوحدات في مناطق معينة، وفقاً للتهديدات المستقبلية وطبيعة المهام، وهنا وفقا لخبراء عسكريين فإن هيكلة القوات المسلحة السودانية ضرورية لعدة اعتبارات إستراتيجية، على رأسها بروز دولة جديدة أثبت قصر فترة الجوار معها أنها دولة عدو من واقع معطيات مختلفة، فحالات العداء التي سجلت في دفاتر علاقة البلدين جاءت من توقيع دولة جنوب السودان التي كانت المبادرة في الاعتداء على القوات المسلحة. وهذا الأمر يحتّم على السودان وضع إستراتيجية قوية مدخلها هيكلة الجيش لمواجهة ما كشفه الوزير عن انفتاح (8) فرق من الجيش الشعبي وانتشارها بمعدات ثقيلة قرب الحدود السودانية. الخبير الإستراتيجي العسكري اللواء محمد العباس يقول حول المسألة إن الأحداث تتطلب إعادة ترتيبات القوات المسلحة بما يتلاءم مع المهام بصورة عملية وبما يخدم الأهداف القومية وزيادة الكفاءة القتالية، ويشير العباس إلى ما يجري في حدود السودان والجنوب، ويضع أمام القوات المسلحة تساؤلات وصفها بالكبيرة تحتاج إلى إدراجها في عملية الهيكلة من بينها لماذا هاجم الجيش الشعبي هجليج؟ ولماذا سحب الجنوب شرطته من أبيي؟ ولماذا تأخذ الحركة الشعبية زمام العداء على السودان؟ غير أن الخبير العسكري والأمني الفريق إبراهيم الرشيد يقطع بأن هيكلة القوات المسلحة ضرورية بما يحقق الأمن والدفاع عن الوطن، ويمكن من تنفيذ العزيمة القتالية بالنسبة للجيش، ومن أكبر المؤشرات التي تتطلب إعادة الهيكلة الآن هو العدو المتوقع دولة الجنوب الوليدة، التي تمثل المهدد الرئيسي على السودان في حدود واسعة طولها يزيد عن ألفي كيلومتر، ويشير الرشيد إلى أن هذه المستجدات تتطلب دراسة محور التهديد الأمني المتوقع وإعادة النظر في تنظيم وانفتاح البناء الإستراتيجي للقوات بما يحقق الأمن القومي على أعلى مستوى. وبما أن إعادة هيكلة الجيوش لا تأتي من فراغ فإن التاريخ السوداني يحكي عن محطات كثيرة تمت فيها إعادة هيكلة القوات المسلحة، فعلى الوقت القريب شهد العام 2006، ما يشبه إعادة الهيكلة داخل الجيش، وجاء ذلك عقب توقيع اتفاقية السلام الشامل التي خلقت وضعا جديدا داخل الدولة السودانية، وشملت تغييرات حينها حيث تم إنشاء هيئة أركان مشتركة بديلة لهيئة القيادة السابقة، وهيئات أركان لأسلحة الجيش الرئيسية البرية والجوية والبحرية، إضافة إلى تعديلات أخرى على هيكل بعض فروع القوات المسلحة، ومن أبرز التعديلات كان تعيين الفريق أول حاج أحمد الجيلي رئيساً لهيئة الأركان المشتركة، وتعيين الفريق أول محمد إسماعيل نائباً لرئيس هيئة الأركان المشتركة، وتعيين الفريق عوض أبنعوف نائباً لرئيس الهيئة للاستخبارات، والفريق عصمت مصطفى نائباً لرئيس الهيئة للعمليات. بيد أن في التاريخ البعيد شهدت القوات المسلحة عمليات إعادة هيكلة كبيرة في حقب مختلفة، ووفقا للخبير العسكري اللواء محمد الأمين فإن الهيكلة في الجيش حدثت في عدة مرحل أولاها بعد أن خرج المستعمر البريطاني من السودان حدثت هيكلة في قوة دفاع السودان التي تكونت حينها حتى تتماشى العقيدة العسكرية مع الروح الوطنية، كما حدثت هيكلة أخرى بحسب الأمين في أوائل السبعينيات فترة الرئيس جعفر النميري، وذلك عندما مال العمل السياسي تجاه الشرق ونحت سياسة الدولة نحو الدول الاشتراكية التي تختلف هيكلة جيوشها عن الدول الغربية، وبناء على ذلك تمت الهيكلة تماشيا مع التوجه الجديد، وأشار الأمين في حديثه ل(الأهرام اليوم) إلى أن هيكلة أخرى حدثت للجيش عندما حدث ما يسمى بالحروبات الخاصة، حرب الصحراء في الشرق وحرب الغابات في الجنوب باعتبار أن تلك المناطق تهدد الأمن القومي السوداني بما يتطلب نوعا من هيكلة القوات حتى تستطيع درء المخاطر التي تقع عليها، ويوضح الأمين أن الهيكلة بناء على مساحة السودان الشاسعة تتطلب تقوية العنصر الجوي على عنصر المشاة ودعم البحرية على عنصر المظلات، ويقطع الأمين بأن السودان إذا كان مهددا من دول الجوار فلابد من تقوية منظومة الدفاع الجوي. وعلى الرغم من المعطيات الواضحة بين السودان وجنوب السودان منذ الانفصال، وما أسفرت عنه حالة العداء والتوتر بين البلدين إلا أن مراقبين يرون أن السودان تعامل مع الحالة بنفس بارد لا يتناسب وحجم التهديد من قبل الدولة الوليدة، لكن يبدو أن وزير الدفاع استصحب كل تلك الحيثيات في إستراتيجية الهيكلة الجديدة، عندما قطع بأن التوسع في الحدود سيكون بالقوات المسلحة، وكشف عن أنشاء فرق جديدة بالجيش (20 و21 و22) في بابنوسة وشرق دارفور ووسط دارفور. بعض المراقبين للأوضاع يرجحون اتجاه القوات المسلحة لإعادة هيكلتها، إلى عوامل أخرى من بينها التغيرات التي حدثت في المكون السوداني، يضاف إلى ذلك وفقا لمراقبين أن الهيكلة ربما قصد منها زيادة العزيمة القتالية للجيش من خلال زيادة مرتبات الجنود التي وفقا للواقع لا تمثل شيئا يذكر، غير أن آراء أخرى تذهب في اتجاه أن إعادة الهيكلة في القوات المسلحة لا تأتي بالضرورة لمواجهة الوضع الداخلي، لجهة أن الحروبات الأهلية الداخلية هي في الأساس من مهمة قوات الشرطة التي تمثل القوة المدنية لمقاومة الشغب والنزاعات الأهلية، ويقول اللواء محمد الأمين إن هيكلة الجيش مهمتها حماية الثغور، ويضيف: ينبغي أن تتماشى الخطة القومية والإستراتيجية العسكرية للهيكلة مع المهددات الأمنية بالنسبة للسودان ككل وليس كحرب داخلية محلية، حتى لا تكون القوات المسلحة هي الأداة التي تكف الناس داخل القطر الواحد، وذات الرأي يقف عنده الفريق الرشيد الذي يقول إن جبهات النزاع الموجودة الآن هي من مهمة الأمن الداخلي، لكنه يقطع بوجود المعطيات في تلك الحركات ويشير إلى وجود تهديد للأمن القومي من دولة الجنوب.