المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    "بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    نبيل عبد الله: قواتنا بالفرقة 14 مشاة صدّت هجومًا من متمردي الحركة الشعبية بمحطة الدشول    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من هو الدكتور جون قرنق؟ .. وكيف هو السودان الجديد؟ (11)
نشر في الأهرام اليوم يوم 03 - 03 - 2010


حوار مع الدكتور منصور خالد
(النخبة السودانية وإدمان الفشل .. خافوا الله فينا)
وعدناكم في المقال السابق أن نتناول الوحدة الجاذبة (درة حديث القوم وحسناء المجالس) وهي بلا شك درة حديث د. منصور خالد وحسنائه. فليكن الحوار معه هو (ضربة البداية).
في مقالاته التي يداوم على نشرها بصحيفة (الرأي العام) تحت عنوان (السودان .. إلى أين المصير) أخذ د. منصور خالد بنموذج قرنق للحكم (النموذج العلماني الديمقراطي التعددي) كطريق لخروج السودان من (النفق المظلم) إلى (جنة الديمقراطية).
فما هي حقيقة (تجذُّر الديمقراطية) في أطروحات د. منصور خالد؟ وما هي حقيقة جنة السودان الجديد .. الموعودة.
في العام 1994م أجريت حواراً مع د. إسماعيل الحاج موسى نشرت حيثياته مجلة الملتقى .. وكان مضمون الحوار تقييم تجربة مايو ورموزها ومن أبرزهم د. منصور خالد. ودار الحوار مع د. إسماعيل الحاج موسى في إطار شامل هو أزمة النخبة السودانية في مجملها .. أي أزمة أحزابنا السودانية بكل ألوان الطيف (من هم في الحكم والمعارضون) والتي حشرتنا حشراً في (النفق المظلم).
النخبة وإدمان الفشل .. مع د. إسماعيل الحاج موسى:
قلت لدكتور إسماعيل الحاج موسى .. كتبتم كراسة عن مستقبل الصيغة السياسية في السودان تُثير في الخاطر أسئلة كثيرة فنحن من جيل وعى الأشياء في مايو وكنا نرجو أن يورثنا الجيل الذي سبقنا إجابات عن الكثير من الأسئلة وعلى رأسها إيجاد صيغة ملائمة لحكم السودان وهذا لم يحدث بل إن أحد أعلام هذا الجيل يعترف بالتقصير .. تقول يا دكتور إسماعيل في كراستك هذه (في مسألة الصيغة السياسة للحكم ظل اجتهادنا ضعيفاً لأن تقديرنا لأهميتها ظل هامشياً رغم أنها أُس عدم الاستقرار الذي ظل هو طابع الحياة السياسية في السودان منذ أن نال الإستقلال) .. لماذا كان اهتمامكم بإيجاد صيغة ملائمة لحكم السودان ضعيفاً يا دكتور إسماعيل؟ لماذا أورثتمونا الحيرة؟
وتداعت الأسئلة والحجة والأخرى، بيننا ود.إسماعيل الحاج موسى وصولاً إلى تجربة مايو .. ووصولاً للحقيقة عن د. منصور خالد.. إذ تُولد الحقيقة (من مختبر المتناقضات).. وما دفعنا إلى إيراد كل ما دار بيننا و د.إسماعيل الحاج موسى.. عن د. منصور خالد هو أن الحوار كان أيضاً تحليلياً.. ما يخدم هذه المقالات.
قلت: أنا لا أخاطب د. إسماعيل الحاج موسى كفرد وإنما أخاطب جيلاً كاملاً !! أريد أن أعود بك إلى أخطاء بعض الناس؟
يقاطعني د. إسماعيل قائلاً: دي حقو تسميها مواجهة.
قلت أنا بسميها محاكمة ما مواجهة؟
قال: جداً .. سميها محاكمة.
قلت: دا طبعاً لو كان عندنا القدرة نحاكم رجلاً مثل د. إسماعيل الحاج موسى؟
قال: لا ياخي العفو المثقفون بشوفوا أنهم أعلا من المحاكمة لكنهم أجرموا في حق السودان ومفروض يخضعوا لمحاكمة زي دي.
قلت: مواصلاً ما انقطع من حديث: أريد أن أتحدث عن أخطاء منصور خالد .. د. منصور خالد في كتابه الأخير عن أزمة النخبة السودانية يتحدث عن أخطاء الآخرين بينما هو كبير الخطّائين؟
قال: شوف منصور واحد من الذين أسهموا في التنظير للإتحاد الإشتراكي .. فمنصور جاء للسودان أواخر 69 أوائل 1970 وأسهم في كل الحوارات التي أرست دعائم الإتحاد الإشتراكي فقبلها كان هنالك ملتقى دُعي له نايف حواتمه وجورج حبش وما تراكم من هذه الحوارات انبنت عليه صيغة الإتحاد الإشتراكي والآن في كتاباته الأخيرة يتحدث منصور خالد عن صيغة التعددية .. وأنا ما عايز ألومه على دا.
السؤال المُغيّب عند منصور خالد:
يشير د.إسماعيل الحاج موسى هنا إلى أن د. منصور خالد، في كتاباته الأخيرة يتحدث عن صيغة الديمقراطية التعددية، فما هو توصيف توجُّه د.منصور خالد (الجديد الديمقراطي التعددي)؟.
تاريخ الحوار الذي أجريته مع د.إسماعيل الحاج موسى يعود إلى العام 1994 وهو ذات العام الذي كشف فيه جون قرنق عن نماذجه، الموضوعة لحكم السودان (كما جاء في كتاب الواثق كمير) ومن ضمنها نموذجه الأول والمطلوب عنده (السودان الجديد العلماني الديمقراطي التعددي) .. وهو ذات النموذج الذي ساقه منصور خالد في مقالاته التي ينشرها (الآن) بصحيفة (الرأي العام) كنموذج مرغوب.. وهو أيضاً النموذج الذي تناولناه بالتحليل في المقالات السابقة كخدعة يختبئ وراءها السودان العلماني الأسود الإفريقي المخدوم من الحركة الشعبية وأمريكا وسنذهب به أبعد في حوارنا هنا مع د. منصور خالد إذ نتوجّه إليه بالسؤال انطلاقاً من قناعاته عن (منهجية الديمقراطية التعددية - النموذج- في واقع السودان) .. وهو السؤال المُغيب فيما يطرحه د. منصور خالد الآن عن (السودان الجديد الديمقراطي التعددي).. نحن لا نرفض الديمقراطية التعددية ولكن كيف هو شكلها (مقولبة بالتركيبة المجتمعية والسياسية في السودان مع مراعاة واقعه التعددي الإثني والثقافي) وهو السؤال الذي عجزت عن الإجابة عنه (نخبتنا السودانية) بما فيهم (بالطبع) الدكتور منصور خالد ذاته، لننتهي إلى إجابة (قسرية) تحت ضغوط أمريكا .. إجابة هدفها النهائي هو سيطرة الحركة الشعبية على السلطة وسيطرة الجنوب على الشمال بما تناولناه بالتحليل في المقالات السابقة وسنذهب به هنا أبعد.
ما بين ياسر عرمان وناتسيوس:
في سؤال طرحناه على د. اسماعيل الحاج موسى - سنورده لاحقاً - تناولنا ديمقراطية الغرب (النموذج) وفشل تطبيقاتها في الواقع السوداني.. وفي السابق كانت الديمقراطية في السودان تنتهي بانقلاب عسكري .. وذات عيوب تطبيقات ديمقراطية الغرب (النموذج) في السودان والتي أودت بالديمقراطيات السابقة تهدد ديمقراطية السودان الجديد (الموعودة) مما سيجعل من استبداد الرئيس من الجنوب - لو فاز - (أمراً حتمياً) ولو حكم قرنق أو غيره من زعماء الجنوب السودان (في ظروف طبيعية) لارتضيناه. أما ياسر عرمان (إن فاز) سيكتشف أنه (مجرد قنطرة) لعبور الحركة الشعبية إلى حكم الشمال وسيكتشف أنه يجلس (في القصر) على رمال متحركة سرعان ما (تبتلعه) وسيجلس على الأرض الصلبة زعيم جنوبي (ونردد على مسامع ياسر عرمان أقوال ناتسيوس عن مصير البوسنيين ومصير مماثل لشعب السودان القديم) ولا شك في أن شعب السودان القديم أكبر وأعظم مما يدبرون، فقط عليه باليقظة.
ونعود لقولنا بأن عيوب تطبيق نموذج ديمقراطية الغرب في السودان أودت بالديمقراطيات السابقة كواقع فرضته شروط التاريخ، وهذه العيوب ستجعل من استبداد (الرئيس .. من الجنوب) سيفاً مُسلّطاً على أعناقنا.
وفي الزمان الديمقراطي حاول الصادق المهدي تقنين الاستبداد بطرحه للتعديلات الدستورية وعلى ذات المنوال سيُعالج (الرئيس من الجنوب) عيوب الديمقراطية (الموعودة) بإجراءات استبدادية مع الفارق إذ نجد هنا سيطرة (زعيم جنوبي ودولة جنوبية) فازت (بدولة الشمال) فهل حقاً سينتهي نموذج قرنق (الموعود) .. الديمقراطي التعددي، إلى ديمقراطية حقيقية متعددة الإثنيات؟.
منصور خالد يشير إلى نموذج قرنق الرابع (العلماني الأسود الإفريقي) وأن تحقيقه سوف يؤدي إلى زعزعة الاستقرار لأنه سيكون مرفوضاً من قِبل شعب السودان القديم، فهل سيقمع (الرئيس من الجنوب) حركات شعب السودان القديم المُطالِبة باستعادة (هويتها المسروقة) بقوة السلاح؟ .. الهوية المسروقة أيضاً من أحزاب وزعماء الشمال أنفسهم بما فيهم (بالطبع) الدكتور منصور خالد فجميعهم أودوا بنا إلى (النفق المظلم) مع ملاحظة أن هذا النموذج العلماني الأسود الإفريقي هو المطلوب وما تسعى لتحقيقه الحركة الشعبية وأمريكا تحت غطاء النموذج الديمقراطي التعددي. إذ أن منصور خالد يعلم (بأن الأقلية العربية التي يصفها بتوهم النقاء العرقي أصبحت أكثر وعياً بالشق الإفريقي في تكوينها، وأيضاً الموصوفون بالأفرقه الفور والبجة والنوبيين) ..فهؤلاء بمختلف إثنياتهم يشكلون (السودان القديم بثقافته الإسلامية العربية، الجامعة).
ونواجه منصور خالد هنا بذات الحجة التي قارعنا بها حجة قرنق في المقالات السابقة وهي أن علمانية الغرب خرجت من عباءة الدين (وأن مبادئ الحرية والإخاء والمساواه .. مبادئ الثورة الفرنسية علمانية الطابع) خرجت من المسيحية. وأن رأسمالية الغرب قامت على الأخلاق البروتستانتية، وفي أوروبا توجد أحزاباً مسيحية وأن الأصولية الدينية طاغية الآن في أمريكا .. فماذا سيفعل (الرئيس من الجنوب) في مواجهة شعب يريد استعادة (هويته المسروقة) في لحظة تاريخية (فارقة)؟.. ويريد التعبير عن هذه الهوية كما في علمانية الغرب .. سيلاقيهم (الرئيس من الجنوب) بنيران البونابرتية ومجازرها تماماً كما فعل نابليون الثالث .. إذ نأخذه كنموذج لظاهرة الاستبداد باسم الشعب (بتعميمه كقانون في الاجتماع السياسي) إذ يأتي الشعب بالزعيم في الحكم طواعية إنتخاباً أو استفتاءً فيستبد به الزعيم ويجدل الشعب حبل إعدامه بيده أي (يُشنق شعب السودان القديم بحبل استبداد الرئيس من الجنوب) قرباناً لطموحه في تحقيق التجانس القومي (أي إبقاء شعب السودان القديم خاضعاً للجنوب) ونستعيد هنا أقوال أندرو ناتسيوس مبعوث الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن للسودان عن (شعب السودان القديم المهدد بمصير البوسنيين وحاجتهم للحماية الدولية مع توضيحنا بأن الموصوفين بالأفرقة هم أيضاً مهددون إذ أنهم مع الأقلية العربية المزعومة المؤمنة بشقها الإفريقي يشكلون السودان القديم) كما أن أقوال ناتسيوس هذه تؤكد أن ما تعمل له الحركة الشعبية وأمريكا هو السودان العلماني الأسود الإفريقي.
فهل يضع د.منصور خالد الإطار النظري للرئيس المستبد (من الجنوب) .. فبالوقائع وضع منصور خالد الإطار النظري لاستبداد النميري بذريعة التجانس القومي والتنمية .. جاء ذلك في أسئلتنا وتداعياتها في حوارنا مع د.إسماعيل الحاج موسى عن عيوب تطبيقات الديمقراطية التعددية (النموذج الغربي) في السودان وصولاً إلى مآلاتها في أطروحات د.منصور وأفعاله بتقنينه لاستبداد النميري .. ونستعيد أيضاً قولنا أن الديمقراطية التعددية المقولبة بتركيبة السودان الإجتماعية والمراعية لتعدده الإثني والثقافي .. مطلوبة، ولكن ليس بدفع الحركة الشعبية الذي هو دفع أمريكي بشاهد أقوال ناتسيوس سالفة الذكر.
ونعود إلى إجابة د.إسماعيل الحاج موسى عن طرح د.منصور خالد الديمقراطي التعددي وواقع السودان كما وصفناه هنا .. وكانت مداخلتنا هي.
- قلت لدكتور إسماعيل الحاج موسى: لكن الديمقراطية التعددية (النموذج) أين .. في السودان.. ومنصور شيخ العارفين يعلم منصور خالد أن التعددية نشأت في الغرب عبر تاريخ طويل وهي لم تبلغ مرحلة النضج إلا في فترة قريبة جداً بعد الحرب العالمية الثانية .. فتجربة النازية والفاشية أكدت للطبقتين المتصارعتين الرأسمالية والعمال ، ألا مخرج أمامهما إلا تقديم التنازلات والتعايش (بالرضا) كانت الرأسمالية تخاف من الشيوعية وترى المخرج في النازية والفاشية فأيدتها أما طبقة العمال فقد رأت أن الفاشية والنازية ستوفران لها العمل والأجر المجزي وتتحكم في الأسعار، ولكن ما حدث هو الآتي: فيما يتعلق بالطبقة الرأسمالية سيطرت الفاشية والنازية على قدرات هذه الطبقة واستغلتها في خدمة آلة الحرب وفيما يتعلق بطبقة العمال اكتشفت هذه الطبقة أنها فقدت مكاسبها التاريخية وعلى رأسها حق تكوين النقابات وحق الإضراب، فضلاً عن دمار العالم .. إذن.. فتجربة النازية والفاشية أجبرت الرأسمالية على قبول مشروع تشرشل ومشروع روزفلت للرفاه والأمن الإجتماعي وبناءً على ذلك قدمت الرأسمالية مزيداً من التنازلات لصالح طبقة العمال لتتعايش الطبقتان (بالرضا) عوضاً عن (الصراع) وهذا هو الأساس التاريخي الذي قامت عليه التعددية في الغرب .. فأين واقع السودان من هذا الواقع لتطبّق فيه الديمقراطية التعددية(النموذج)؟ .. ويعلم ذلك د.منصور خالد يا دكتور إسماعيل؟ ..
د. إسماعيل بحماس(: exactly دا بالضبط الأنا كنت عاوز أقولو ليك وتفضلت أنت بذكره) فالتعددية والليبرالية نسق متكامل جاء عبر عقود من الزمان عبر إصلاحات مارتن لوثر الدينية وفكر آدم سميث ومونتسكيو وروسو فأنت تريد أن تأخذ جزءاً من كل وتطبقه في واقع مختلف دون أي جهد زماني أو مكاني أو (حتى فكري).
ومشكلة منصور ربما تكون فشل تجارب التنظيم السياسي الواحد في العالم الثالث في الستينيات.
{ منصور خالد وعالم الموضة.. السياسي
قلت: ردة فعل يعني:
قال: exactly ردة فعل أولاً ومماشاة للموضة ثانياً فبعد تجربة الميدان السماوي في الصين وفشل الإشتراكية في الشرق أصبح الكلام عن الديمقراطية التعددية موضة العصر والتحدث ضد التعددية من المحرمات.
ردة فعل من أجل الذات:
قلت: ذكرت في معرض حديثك عن مبررات إتجاه منصور خالد للفكر الليبرالي والتعددية أن موقف د.منصور كان ردة فعل، إذا سلمنا جدلاً بأنه ردة فعل هل من المنطقي أن يتعامل رجل في وزن وحجم منصور خالد بردود الأفعال؟.
قال: يعني منصور بقدراته ممكن يعقلنا فمنصور صاحب قدرات هائلة قدرات مؤسسة وليس شخص ومنصور في كتابه الأخير (النخبة السودانية وإدمان الفشل) رد على مقال هاجمته فيه بعنوان (مصائر الرجال وأقدار الشعوب) وقتها كنت رئيساً لتحرير صحيفة الأيام وبعد أبعاد نميري لمنصور جاءني منصور بمقالات تنتقد النظام فقمت بنشرها مما عرضني للكثير من الهجوم حتى أن وزير شؤون رئاسة الجمهورية اتصل علي وقال لي كيف تنشر مقالات زي دي؟ قلت له: لأن منصور كان في السلطة وأيضاً من الأفضل أن تنشر مقالاته هنا وليس في الخارج وأنا سأرد على منصور المهم أن المقالات نشرت بأكملها ولم يسألني نميري عنها وبعدها جمع منصور خالد هذه المقالات في مؤلفه (السودان والنفق المظلم).
وكل مقالات منصور تتناول علاقة المثقف بالسلطة، فالمثقف داخل السلطة يبرر وخارجها ينتقد. وقد قلت ذلك لمنصور في وقته وإحدى مشاكل منصور أن منطلقاته ذاتية فهو موالي للسلطة وهو داخلها وعندما يبعد عن السلطة وتُسحب منه الأضواء ينتقد، ففي عهد الليبرالية هاجم منصور خالد المثقفين في (حوار مع الصفوة) وعندما شارك في النظام الشمولي في عهد نميري هاجم منصور خالد التعددية وبعد خروجه من النظام هاجم الشمولية. فمنصور خالد منطلقاته ذاتية.
قلت: بعد صدور كتاب (النخبة السودانية وإدمان الفشل) هل اتصل بك د.منصور خالد هاتفياً؟
قال: منصور أرسل لي الكتاب عن طريق صديق وتعود معرفتي بمنصور إلى لقائنا في فرنسا وكان منصور قد رجع إلى السودان قبل رجوعي وقد التقت وجهات نظرنا حول عدم ملاءمة التعددية لواقع السودان ولا توجد بيننا مراسلات وعموماً فإن منصور خالد ذو منطلقات ذاتية.
قلت: هذه حقيقة.
تبرق عينا د.إسماعيل الحاج موسى وتتسع حدقتاها وتتوتر عضلات وجهه في معاناة من يريد أن ينطق بكلمة صدق من أعماقه ويضغط على مخارج الحروف لتولد الكلمة من بين شفتيه لها فرقعة: جداً.
{ منصور خالد وتقنين استبداد النميري:
خاطبت د. إسماعيل قائلاً: ذكرت بأن اهتمامكم بإيجاد صيغة ملائمة لحكم السودان كان ضعيفاً ولكن هنالك من كتب وبقدرات فائقة لتركيز السلطات في يد نميري أقصد بذلك الرجال الذين شاركوا في وضع دستور 73 د. منصور خالد، د.بهاء الدين محمد إدريس، د. جعفر محمد علي بخيت، د. بدر الدين سليمان، موسى المبارك الحسن ود. أبو ساق. فالدستور الذي ساهم في صياغته هؤلاء الرجال يتضمن المادة 106 والتي تقنن لطغيان السلطة التنفيذية على مجلس الشعب ويتضمن المادة 111 والتي استغلها نميري لمصادرة حقوق الأفراد إذ تعطي المادة 111 رئيس الجمهورية حق تعليق الحريات يقول نص المادة (إذا اقتنع رئيس الجمهورية بحدوث خطر داهم يهدد استقلال الوطن أو وحدة أو سلامة أراضيه وكيانه الإقتصادي أو أنظمة الجمهورية ومؤسساتها الدستورية أو تنفيذ التزاماته الدولية أو مكاسب الشعب، يُعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ ويتخذ أي إجراء يراه مناسباً لدرء الخطر بما في ذلك تعليق كل أو بعض الحريات والحقوق التي كفلها هذا الدستور).
قال: سأحاول حسب معرفتي بهؤلاء الرجال والوثائق الموجودة تحليل دوافعهم لوضع دستور 73 عند وضع الدستور كان يسيطر على هؤلاء الرجال هاجسين هما كانا السبب وليس المبرر: الهاجس الأول إدراكهم أن السودان أمة ليست موحدة متجانسة وهي في طور التكوين وعشان تصهرها أنت محتاج لقيادة مركزية. الهاجس الثاني هو أن السودان بلد متخلف يحتاج إلى التنمية والتنمية تحتاج إلى الاستقرار والشاهد هو أن كل التجارب الليبرالية لم تنجز شيئاً وكل انجاز مصنع أو شارع أو كبري أنجز في عهد الحكم الشمولي، هذان الهاجسان أديا إلى صيغة تمركز السلطة في يد مؤسسة الرئاسة وهم قد يكونوا أفرطوا في هواجسهم وأنا قد لا أتفق معهم في ذلك.
هل يُقنِّن د. منصور خالد .. لمستبد من الجنوب:
إذا كان التجانس القومي والتنمية هما دافع هيكلة (الإطار النظري) لتقنين استبداد النميري في دستور 73 الذي وضعه منصور خالد وآخرون .. فهل يضع د. منصور خالد هذه المرة أيضاً (الإطار النظري لاستبداد رئيس من الجنوب غير ياسر عرمان بحيثيات ما سلف .. وكان د. منصور يأمله في د. قرنق).
فمبررات الحاكم المستبد ما زالت ماثلة (التجانس القومي والتنمية) أي (هذه المرة) فرض تجانس السودان القديم مع الجنوب (تحت راية الجنوب والسودان الجديد). ولهذا المحور بقية في المقال القادم.
الأربعاء القادم
{ من هو الدكتور جون قرنق؟ .. وكيف هو السودان الجديد
{ غياب البُعد الخارجي في التحليل السياسي .. عند د. منصور خالد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.