في السودان؛ كل إنسان يتمنى أن يحقق الكثير من الأمنيات والأحلام في حياته، فهناك من يحلم بوظيفة مرموقة، وهناك من يطمح إلى أن يصبح معروفاً ومشهوراً بين أبناء وطنه في أي مجال من مجالات الحياة، وهناك من يسعى إلى توفير الأمان والسعادة له ولأسرته، وقد يرى البعض الآخر أمنيته فقط في الاستمتاع بالسفر والتجوال داخل الوطن الفسيح والممتد؛ لذا يعمل كثير من الناس على تحسين سمات معينة في شخصياتهم، وتطوير أفكارهم من أجل التقدم على المستويين المادي والمعنوي حتى يصلوا إلى النتائج المتميزة وتحقيق المتعة الذاتية والوصول إلى مقومات الجودة في الحياة. وهناك مبدآن يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بتحقيق التقدم والتحسن في الحياة، وهما النصر والرزق، فالنصر ماهو إلا الوصول إلى المراد والتفوق على المنافسين سواء أكان في العمل أم الدراسة، فالطالب مثلاً عندنا يسعد عندما يحصل على شهادة جامعية وبتقدير امتياز، وبالمثل فإن الرزق لا يقتصر على الحصول على المال؛ بل يشمل كل ميزة يسعد بها الإنسان، كالزواج والأبناء والسكن المريح والعربة وغير ذلك من معينات الحياة، فكل أمور الحياة ومشاغلها لا تخرج عن السعي وراء هذين الأمرين. على سبيل المثال؛ الفرد منا الذي يواجه مأزقاً «مالياً» في كل شهر؛ هو بحاجة فعلاً لتحسين وضعه المالي، فتدور في باله جملة من الأسئلة المختلفة، والمتباينة، هل يلجأ إلى الاقتراض ويحل المشكلة بمشكلة؟ أم يلجأ للإسراف في المطالب بدون تقدير موارد الدخل؟ وهل يستمر في اتباع نفس أسلوب المعيشة السابق؟ أم يقابل كل ذلك بالإهمال واللامبالاة؟ من جانب آخر إن كل إنسان في حياتنا واقع ولا يزال في جملة من الأخطاء والسلوكيات غير السليمة، مؤذياً بذلك نفسه وأهله ومجتمعه، وربما وطنه، والسلوك الخاطئ دائماً هو ضد الفطرة السليمة، وضد مفهوم الشخصية السليمة، والسوية، التي تهدف جميع الشرائع السماوية للوصول إليها، وهذا السلوك الخاطئ يكون ترجمة فعلية لحالة أو شعور يعتري الإنسان. مثلاً؛ خلق الخالق فينا شهوة الجنس، لكن ترجمة هذا الشعور أو الشهوة بطريقة وأسلوب خاطئ بعيداً عن رابطة الزواج؛ هو ما نسميه السلوك الخاطئ، لكن ليست المشكلة الكبرى في هذا السلوك الخاطئ في حد ذاته؛ لأن كل ابن آدم خطَّاء، بقدر استمرارية الإنسان في ارتكاب هذا السلوك الخاطئ والتكيف معه لمدة طويلة من عمره. إذ أن هذا الأمر يعتبر إصراراً وتمادياً في الهفوات دون إدراك هذا الفرد سلبيات وآثار ما يفعله على المدى البعيد. لذا فإن إصرار الفرد على ارتكاب الأخطاء له آثار ومساوئ مستقبلية على كافة الأصعدة، كما أن الخطأ يجتر معه أخطاء أخرى؛ ليكوِّن سلسة معقدة من الإشكاليات التي يصعب على الإنسان التخلص منها ليصبح أسيراً لتلك المشاكل إلى الأبد. وهناك أمثلة كثيرة للسلوكيات الخاطئة والأفعال غير السوية التي تتعدد مراتبها ومستوياتها وأشكالها، وقد تتباين من إنسان إلى آخر، وكل هذه السلوكيات قد تتعدد أسباب منشئها، فإما أن تكون بسبب غياب الوازع الديني أي كان الدين أو غياب التربية الاجتماعية والأسرية السليمة أو شعور الفرد بالفراغ الروحي والمعنوي، وبالتالي محاولة الهروب من الواقع الصعب بالتمرد عليه بأي شكل من الأشكال، كما أن ما يعيشه الفرد من صغره ويتعلمه من المحيط والبيئة له دور في تشكيل تفكيره وتوجيه اهتماماته الشخصية، وحقاً إن الانسان ابن بيئته - هنا في السودان على سبيل المثال تفشت ظاهرة الكذب بصورة أكثر وأكبر مما كنا نتوقعه- السياسي يكذب على مواطنيه . الطالب يكذب على والديه، وفي المدرسة، والصديق يكذب على صديقه والإداري يكذب على من هم دونه في الوظيفة والتاجر يكذب على زبائنه والموظف يكذب على مرؤوسيه، وقائمة من حالات الكذب. ولو أخذنا هذه الظاهرة باعتبارها ظاهرة خاطئة تدمر المجتمع وتهتك نسيجه الاجتماعي وماهية الأسباب الداخلية التي تدفع بعض الأفراد إليها؛ فهل السبب في الكذب تغطية خطأ معين يخشى الفرد من اكتشافه؟ أم هل تعوَّد على رؤية والديه يكذبان أمام الناس فسار على دربهما؟ أم هي الرغبة في الحصول على منفعة ما؟ أم القصد من الكذب هو الافتخار والتباهي؟ أم أصبحت عادة أن يكذب الفرد بلا سبب؟ إن آفة المجتمعات التي انهارت وزالت هي الكذب بكل ألوانه وتعدد مسمياته لذلك فإن الوقوف مع النفس والتأمل المستمر في الحال الذي وصلنا إليه في السودان واجب كل إنسان أي كان موقعه مربياً كان أم سياسياً أو إدارياً أو مسؤول مصلحة صغيرة أو حتى مواطناً عادياً؛ علينا أن نقف وقفة تفكير عميقة نسترجع فيها كل سلوكيات وتصرفات وأحداث ومراحل الماضي لإيجاد تقييم موضوعي للحالة التي نحن فيها الآن بفعل تلك السلوكيات الضارة التي من بينها «الكذب» كي نستفيد من الوقت أملاً في تحقيق مستقبل أفضل إن لم يكن من أجلنا نحن الكبار فمن أجل القادمين من الصغار.