ترتبط عواطف الطفل بعواطف والديه تجاهه وتجاه بعضهما البعض. من هنا، على الأبوين إدراك أن صيغة التعامل بينهما تنعكس على سلوكيات الأبناء وتشكل طباعهم مستقبلاً، فالحوار المتبادل والتوافق الثقافي والاجتماعي بين الزوجين ينتج أطفالا أسوياء، فيما ينتج عدم التوافق أطفالاً انتهازيين. في لقاء مع «الجريدة» تعطي د. سوسن الغزالي، أستاذة الصحة العامة والطبّ السلوكي ورئيس قسم طب المجتمع في جامعة عين شمس، نصائح حول التربية الصحيحة للأطفال. ما أبرز العوامل المؤثرة في سلوكيات الطفل؟ برهنت مؤتمرات وندوات وأبحاث حول قضايا الطفل أن للبيئة تأثيراً رئيساً على سلوكياته. كيف تحددين إذاً تأثير البيئة اليوم عليه؟ يحيط العنف بالطفل من كل جهة، وتركّز الأفلام والألعاب الموجهة إليه على الضرب والقتل وأمور أخرى من شأنها إعلاء قيمة البطل الذي يسرق ويقتل... النتيجة، يتربى الطفل على الدماء وتُغتال براءته، وتنمو النزعة العنفية في شخصيّته، ما يؤثر سلباً على سلوكياته. إلى أي مدى يعزز التوتر في العلاقة بين الوالدين السلوك العنفي عند الطفل؟ يكتسب الطفل كثيراً من سماته من أبويه، فمثلاً إذا كان الأب يميل إلى العصبية ويمارس سلوكاً عنيفاً مع زوجته تنتقل هذه الطباع إلى الأبناء، وقد ثبت علميّاً أن الأم العصبية تنجب أبناء عصبيين والأم التي تميل إلى الهدوء تنجب أبناءً يمتازون بالهدوء. كذلك يقلّد الطفل الأشخاص من حوله سواء كانوا ودودين أم عنيفين أم صبورين... لذا لا بد من أن تقوم التربية على الحوار والإقناع، لأن استخدام العنف بين الأهل أو ضد الطفل ينعكس سلباً على سلوكياته عندما يكبر. كيف نضمن تنشئة سلوكية صحيحة للطفل؟ لا بد من التواصل الاجتماعي معه، ألا يكون الأب مجرد ممول لأبنائه، عدم ترك الطفل طوال الوقت أمام الألعاب وأجهزة الكمبيوتر لأن ذلك ينمي فيه النزعة إلى التوحد، على الأم أن تؤدي دورها في التواصل وإقامة حوار دائم معه، استغلال الوقت الذي يمضيه الآباء مع الأبناء بطريقة ودية ومفيدة سواء في المنزل أم خارجه. إلى أي مدى يؤثر عدم التوافق بين الزوجين على سلوكيات الطفل؟ يُحدث عدم التوافق بين الزوجين حالة من الصراع بينهما للاستحواذ على الطفل، فيسعى كل طرف إلى تربيته وفق رؤيته وثقافته، النتيجة طفل انتهازي يستغلّ رغبة كل من الوالدين في كسب ودّه وضمه إلى صفه عبر إغرائه بوعود وهدايا، وكأن كلا منهما في صراع للانتصار على الآخر، وتستمر هذه الطباع الانتهازية معه في الكبر. هل يتأثر الطفل بالتوترات والضغوط النفسية من حوله؟ بالتأكيد. عموماً، الطفل الذي يفتقد إلى الحنان يصبح عصبياً ويميل إلى سلوكيات عدوانية، خصوصاً في حالة إهماله وتركيز اهتمام الأبوين على المولود الجديد مثلاً، وقد تتحول عدوانية الطفل إلى شقيقه الأصغر انتقاماً من الأبوين اللذين يهملانه. كيف يترجم هذا السلوك؟ في شكل تخريب وتحطيم الأشياء المحيطة به، وقد يصل الأمر إلى حدّ محاولة الطفل إيذاء نفسه جسدياً أو الاعتداء على من حوله، لذا يجب تفادي هذه الأخطاء في تنشئته، لأن الطفل الذي يتعرّض للإهمال يكون عرضة للتأخر الدراسي. ما تأثير استخدام القسوة والعنف ضد الطفل على نفسيته؟ ثمة نظرية تسمى «نظرية التعلم الاجتماعي» مفادها أن الشخص الذي يتربى أو يسلك سلوكاً معيناً يمارس هذا السلوك على أبنائه، فمن يتربى على القسوة والعنف يمارس ذلك على أبنائه، وتؤدي هذه السلبيات إلى تربية أبناء ضعفاء الشخصية وجبناء وغير قادرين على مواجهة الحياة وكارهين لأهلهم. في مجتمعاتنا العربية نتحدث عن بر الوالدين، مع ذلك نجد كثيراً من الأبناء يكرهون أباءهم ولا يقدرون على مواجهتهم بهذا الشعور لأنهم لا يعرفون سبب معاملة الآباء لهم بطريقة غير مناسبة أو تنطوي على عنف أو إهانة... ما نصيحتك في هذا المجال؟ أنصح الآباء والأمهات بضرورة تقويم الطفل بأسلوب هادئ من دون تعنيف فيستوعب أخطاءه ويتعلم منها ولا يكررها، ويدرك أن له حقوقاً وعليه واجبات يجب أن يؤديها. كيف يكتشف الآباء اضطرابات سلوكية لدى أطفالهم؟ تظهر تحولات على سلوكيات الأطفال وطبيعة اندماجهم مع أفراد الأسرة أو مع أقرانهم في المدرسة أو النادي، لذا يجب مراجعة معلميهم ومتابعة أخبارهم في المدرسة وما إذا كانوا يعانون مشاكل في التحصيل أو أخرى تفاعلية مع زملائهم. من الضروري ملاحظة أمور في المنزل قد تتكرر مثل اختفاء نقود يحتفظ بها الأب أو الأم في مكان معين، فقد يكون ذلك مؤشراً سيئاً إلى سلوكيات الطفل، كذلك قد يُصاب الطفل المُعَنف بالتبول اللاإرادي... عند ملاحظة أي من هذه التغيرات، يفضّل عرض الطفل على طبيب مختص. الجريدة