الوحدة والانفصال، مصطلحان عبّرت عنهما اتفاقية السلام الشامل. الذين يدفعون باتجاه الوحدة يتحدثون عن واقع نعيشه الآن، والذين يتحدثون عن الانفصال يحاولون رسم ملمح للأفق البعيد لما يمكن أن يكون عليه الحال بقيام دولتين في السودان. وما بين هذا وذاك؛ لا بد من ذكر وقائع محددة، فالوحدة خيار جاذب، كانت اختيار الجنوبيين، بل الأكثريّة الجنوبيّة، أمام أقليّة شمالية في جوبا عام 1948م عندما أسّس الاستعمار للانفصال بما اختطه واستنّه من سياسات، بما في ذلك سياسة المناطق المقفولة، فما بين ذاك المؤتمر وواقع اليوم؛ انطوت أزمان. وبعد أن صار الاستفتاء خياراً منصوصاً عليه في اتفاقية السلام الشامل؛ يبقى السؤال قائماً في بحر هذا العام، بل ويطرق هذا السؤال باب الشريكين بشدة، وهو: من سيدفع باتجاه الفصل، ومن سيدفع باتجاه الوحدة؟ هذه قضية مهمة من جملة قضايا شكّلت عدداً من الأسئلة والاستفهامات حول جملة استحقاقات المرحلة ومطلوباتها، فكان مضمون ومحتوى حوارنا مع القيادي بالحركة الشعبية، د. محمد يوسف أحمد المصطفى، وزير الدولة بوزارة العدل، ننشره عبر حلقات ٭ الناس، أو المراقبون السياسيون، ينظرون إليكم بوصفكم طاقماً شمالياً أن وجودكم باهت وديكوري داخل الحركة الشعبية، ووجود استصحاب، وليس وجوداً أصيلاً، فهل ما زال القرار (جنوبي جنوبي) في الحركة؟ - في الحقيقة، المؤتمر العام الأخير للحركة الشعبية، الذي هو أعلى سلطة فيها، أكد على المنفستو الذي يحمل الأفكار الأساسية، والترتيبات والرؤى الأساسية للحركة الشعبية، وهذه لا يمكن أن تصفها بأنها جنوبية، بل سودانية، مقصود بها كل السودان. وقرار المكتب السياسي الأخير هو مع السودان الجديد، والوحدة الطوعية، القائمة على أسس جديدة، وضد الاستغلال، ومع المهمشين.
٭ ماذا إذا قلنا لكم إن الشعور العام يقول إنكم مهمشون داخل الحركة، ولستم أصحاب سلطة وقرار؟
- بدايةً أقول لك إن هذا غير صحيح، فأفكارنا ورؤانا غير مهمشة، وموجودة، أما إذا كنت تقصد بالتهميش أننا كان من المفترض أن نكون رؤساء للحركة الشعبية؛ فنحن نعود ونقول إن ما يهمنا هو الأفكار والرؤى، وليس المناصب.
٭ أنتم غير موجودين في روح القرار السياسي للحركة الشعبية، فما ردكم؟
- لا .. هذا هو روح القرار السياسي للحركة الشعبية، «القرارات».
٭ هل دخلتم الحركة من أجل الكراسي الوزارية؟
- في ما يتعلق بالكراسي الوزارية؛ أقول إن نصيبنا محدود، بموجب الاتفاقية، بوصفنا شماليين في الحركة الشعبية، من جملة نصيب قسمة السلطة الخاصة بالحركة، وبالتالي لم تكن هذه واحدة من الأهداف، وكل الناس تابعوا موقف الرفيق ياسر عرمان، والذي من أول يوم جئنا فيه، وقبل رحيل د. جون قرنق، كان موقفاً معلناً، بأن لن يتقلد أي منصب في الحكومة، واستمر في هذا الموقف بقوة وثبات، وكذلك د. الواثق كمير، الذي هو أيضاً أحد الشماليين في الحركة، وتم تعيينه في عدد من المواقع وقدم اعتذاره كتابة، فبالتالي إن القصة ليست قصة استوزار، بقدر ما هي أطروحات وأفكار.
٭ كيف سيكون شكلكم إذا انفصل الجنوب؟
- نحن دخلنا الحركة الشعبية لنؤكد أنها ليست حركة انفصالية، ولكي نسهم في هزيمة التيار الانفصالي، ونؤسس لوحدة السودان على المبادئ الطوعية، فلو حدث الانفصال؛ فسنتجرع ذلك بمرارة شديدة، وبإحباط عميق، ولكن هذا لن يثبط من هممنا، ولا عزيمتنا نحو العمل لوحدة السودان، وهذا يتأتى بالإصرار والتمسك بمبدأ الدعوة للسودان الجديد. وإذا حدث انفصال؛ وصارت هناك دولة؛ فنحن سنواصل هنا عملنا من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.
٭ د. محمد يوسف تجمعه علاقة رحم وقربى بالرئيس البشير، فإذا ذهب لصناديق الاقتراع لمن سيصوت؟
- أنت تعلم لمن سأصوت.
٭ في حوار سبق هذا، قلت إن الحركة الشعبية طارحة عدداً من الأسئلة على السيد الصادق المهدي للإجابة عليها، حتى تعود العلاقة السياسية، ولكن في تحالف جوبا رأينا كيف ضمت الحركة الشعبية إلى صدرها الصادق المهدي، وضم الصادق إلى صدره الحركة الشعبية، فهل تمت الإجابة على الأسئلة؟ أم المسألة كلها عبارة عن تكتيك مرحلي؟
- ليس تكتيكاً مرحلياً، فنحن ليست لنا أي تكتيكات مرحلية في الحركة الشعبية، والأسئلة المطروحة كانت على الصادق المهدي وعلى غيره من السياسيين، وبناءً على الإجابة نحن نقترب أو نبتعد منهم.
فإعلان تحالف القوى السياسية الذي حدث في جوبا، نحن نعتقد أنه أجاب على كثير من الأسئلة الجوهرية الأساسية التي نهتم بها، وهو كغيره وقَّع على إعلان قوى تحالف جوبا.
٭ هل يمكننا القول إذن إن تحالف جوبا قد جب ما قبله من خلافات؟
- السياسة ليست فيها خلافات، لأن ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم.
٭ هل يعني هذا الحديث أن الحركة الشعبية ليست لها تحفظات على الصادق المهدي؟
- نحن لا نتحفظ على أي أحد، وحتى أهل المؤتمر الوطني أنفسهم ليس لدينا عليهم تحفظات، فنحن أهل بلد واحد وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا طالما كان هدفنا هو الموقف الصحيح وطالما التقى معنا الآخرون هنا، ولكن لن نجامل أحداً في سبيل إسعاد شعبنا واستقراره وسلامه وحريته، فهناك أشياء كثيرة تربطنا بإخواننا في الأحزاب الأخرى، في المؤتمر الوطني أو الشعبي أو الأمة أو الاتحادي الديمقراطي علي سبيل المثال. وهذه الأشياء هي خارج إرادتنا، وإرادتهم بالتالي، مثلها في ذلك مثل علاقتي وقرابتي الاجتماعية مع الرئيس البشير، فهو لا يستطيع قطعها، ولا أنا أستطيع قطعها أيضاً، فهي خارجة عن إرادتنا.
٭ هل يمكننا القول إنكم بتحالف جوبا قد تكاملتم مع الطائفية؟
- نحن لم نتكامل مع أي طائفية، ولكن أي موقف أو شكل من أشكال هيمنة جهة على جهة أو شخص على شخص؛ نحن ضده.
٭ ألا يمكننا القول إن هناك انتهازية سياسية من الحركة الشعبية كونها تلتقي بالترابي والصادق وغيرهما؟
- أبداً، وبالعكس، فهم لهم وجهات نظر وآراء، ونحن لم نطلب من أي أحد أن يتنازل من رأيه أو برنامجه، بل دعونا للتنسيق في بعض الموضوعات والقضايا لتنفيذها مع بعضنا. وكل هدفنا ببساطة شديدة هو الوصول لنظام ديمقراطي نتنافس فيه سلمياً على السلطة.
٭ ماذا إذن عن الذين يقولون، في الجانب الآخر، إن تحالف جوبا هو تحالف تآمري.. كيف تردون على ذلك؟
- لا.. هو ليس تحالفاً تآمرياً، فقط كما قلت، نحن نريد الديمقراطية والتنافس السلمي على السلطة، وأصلاً جاء وقام لأننا كنا نرى الأوضاع السياسية تسير نحو الكارثة.
٭ الآن تفصلنا عن صناديق الاقتراع أيام معدودات، فأين نجد تحالف جوبا في هذه الأثناء؟ هل سيتبلور لنا في جسم سياسي جديد، أم سيكون مظلة معلقة في الهواء؟
- هو ببساطة عبارة عن قوى سياسية موجودة في الواقع السوداني، والآن التنسيق جار بين هذه القوى، وهناك برنامج، والمهم هنا هو منع الكارثة التي يمكن أن تحدث.
٭ يحسب عليكم أن القوى السياسية التي وضعت يدها معكم في تحالف جوبا أنتم لم تسمحوا لها بالدخول في اتفاقية نيفاشا بداية، فلماذا رفضتم وجودها في السابق في الاتفاقية وأقبلتم عليها الآن؟
- حقيقةً، في أيام نيفاشا، الذي كان معترضاً ليس نحن الحركة الشعبية بل الاعتراض جاء من الشريك الآخر، وكانت وجهة نظره الأساسية أن الحركة الشعبية ليس لها حق إلا أن تتكلم باسم الجنوب، ولما كانت نظرتنا هي إشراك الكل لمواجهة التحديات؛ جاءت دعوتنا لقيام هذا التحالف، وهي دعوة مخلصة ولم تكن تكتيكاً.
٭ في قراءتك للانتخابات، هل ستكونون أكثر ميلاً للتحالفات، وهل ستضعون اعتبارات لتحالفكم مع القوى السياسية في جوبا؟ ما هي الخريطة التي تتوقعها؟
- الأساس هو تحالف جوبا، وسنسير بهذا الفهم إلى نهاية الانتخابات.
٭ كيف توقعاتك للبرلمان القادم، هل سيكون إجماعياً سكوتياً أم برلماناً صاخباً؟ وهل ستأتي شخصيات تحقق طموحات التحول الديمقراطي؟
- مؤكد أن الساحة السياسية ستتغير، كما أن التركيبة السياسية ستتغير أيضاً، وكثير من القوى السياسية التي لم يكن لها تمثيل أو التي تمثيلها قليل؛ ستصبح قوى معتبرة، لتمارس دورها في التأثير على مجريات الأمور في البلاد، فأنا متفائل جداً بتغيير الواقع، والخارطة السياسية بعد الانتخابات؛ لأن الناس لديهم رغبة عارمة في التغيير، ولا أعتقد أن المؤتمر الوطني لديه ما يقدمه للناس، فالشعب السوداني شعب ملول، ودائماً ما يسأم، والشعب يستخدم الانتخابات كمناسبة لمحاسبة المؤتمر الوطني، والناس لا يحاسبون الأنظمة على الإيجابيات، بل التركيز سيكون على الأخطاء، ففي الانتخابات الناس لا ينظرون لشعار نميري السابق «جبتَ الموية للعطشان والكسرة للجيعان» بل ينظرون للسلبيات.
٭ وأنت وزير للدولة بوزارة العمل لأكثر من عامين؛ هل أنت راض عما قدمته؟ لا سيما أنك دخلت الوزارة وأنت مشحون بلغة التغيير العارمة، فهل تحقق هذا؟
- أعود بك أيضاً للإجابة التي بدأنا بها في الحوار ذاك، عندما قلت لك لم أشعر بالرضا بل بالإحباط من أننا في الأشياء الأساسية التي جئنا من أجلها في اتفاقية السلام الشامل؛ لم نستطع عمل شيء فيها، وأنا قلتها وأقولها إننا موجودون في الوزارة بدون سلطات، وبالتالي يجب أن لا نضحك على أنفسنا، ولكن بالرغم من كل العراقيل، أسهمنا إسهاماً فعالاً حتى على المستوى الشخصي في صياغة مشروع الإصلاح الخاص بالخدمة المدنية، وهذا أخذ وقتاً، وجهداً كبيراً، فنحن كما قلت لك لأسباب عدة فشلنا إما في إقناع أو في حمل المؤتمر الوطني على أن يتعاون معنا لينفذ الأشياء التي فيها إيجابيات، لذلك نتحمل قسطنا من المسؤولية، لأنه قد قصرت بنا الوسائل والأسباب التي تجعلنا نقنع أو نمنع، ولكن هذا لا يبرئ ساحة المؤتمر الوطني من المسؤولية.
٭ كيف هي قراءتك لترشح السيد الصادق المهدي لرئاسة الجمهورية، ما هي فرص النجاح؟
- السيد الصادق المهدي سياسي قديم في هذه البلاد، وله رصيده وسنده، كما أن له أفكاره الخاصة به ورؤيته، وأنا ليست لي ذرة من التوهم في أنه يجب أن يغادر الساحة السياسية ، فهذا حق من حقوقه وجانب يختص بمؤسسات حزبه، ولكن في تقديري الخاص هناك من هو أفضل منه من المرشحين، ولكن الترشيح هو حق من حقوقه كما قلت لك.