لو كانت الشعوب العربية تملك الآن الحد الأدنى من الإرادة السياسية، ولو كانت الطموحات العربية في هذا العقد الثاني من الألفية الثالثة شاسعة كما كانت في أوقات خلت ومنها خمسينيات القرن الماضي، لكان في مقدمة أولويات هذه الشعوب الرد أو الاستجابة للمواقف والسياسات التركية التي يعبِّر عنها هذه الأيام رئيس الوزراء التركي رجب طيِّب أردوغان. إنه وإن كان في إطار الدستور العلماني التقريبي نموذج مختلف جملة وتفصيلاً عن مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك الذي ألغى في العشرينيات الخلافة العثمانية والحروف العربية التي كانت تُكتب بها اللغة العربية ومنع الأتراك من الطربوش وفرض عليهم القبُّعة، وعمل كل ما من شأنه إبعاد تركيا من محيطها الإسلامي الشرقي وسعى لجعلها جزءاً من أوروبا. لكنها لم تحصل حتى الآن على عضوية الإتحاد الأوروبي. فالكثير من الأوروبيين لديهم رأي في (أوروبية) تركيا وهو رأي سالب.. وصحيح أن تركيا عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي ( ناتو) منذ عام 1952م، لكن هذه العضوية لا تعبِّر عن الاعتراف بأوروبية تركيا وإنما يعبِّر عنها الانضمام للإتحاد الأوروبي الذي لم يتحقق بعد، ونرجِّح أنه لن يتحقق. ثم جاء أردوغان ليقول الكثير الذي هو في صالح المسلمين والعرب ومنه (سوف تساعد تركيا في الدفاع عن المسلمين في سائر أرجاء العالم. ولن نكون غير مبالين بمشكلات العالم الإسلامي في القدس). وكان رئيس الوزراء التركي يتحدث في مناسبة الاحتفال بشركة إذاعية تلفزيونية أقامتها جامعة الدول العربية.. وهذا يعني أن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في الصورة، والحقيقة أنه من أحرص السياسيين والدبلوماسيين العرب على خلق علاقات وطيدة راسخة بين العرب وجيرانهم وفي مقدمتهم الأتراك والإيرانيين. لكن أردوغان يعرف أن الفكاك الكامل من الغرب ليس ممكناً في هذه المرحلة ولذلك قال: إننا نسعى للتكامل مع الغرب لكننا لن ندير ظهرنا للشرق. إن العرب والأتراك إخوة، ونحن وهم نشترك في نفس القيم. وقال أردوغان (إن الوضع في غزة غير إنساني ولا يمكن أن يكون موقفنا من قتل الأطفال في غزة هو عدم المبالاة). إنه زعيم مغاير لأتاتورك ولخليفته عصمت إينونو، وهو أفضل منهما كثيراً بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي، وهو واقعي يعرف حدود قوته ويعرف أوضاع القوة في العالم. وهو يعرف أنه الآن لا يستطيع أن يناطح الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا والإتحاد الأوروبي، ولذلك قال: إننا قلقون على أطفال غزة، وفي نفس الوقت فإن قلوبنا مع أطفال هاييتي وتشيلي!!