{ أورد فيما يلي (النص الأصلي) الذي ورد في عمود (قضايا ساخنة) بصحيفة (الأحداث السودانية) الذي يحرره الأستاذ يسن حسن بشير، وذلك في عددها بتاريخ الأحد 4 أبريل 2010م، ومن ثمّ أقوم بتسليط الضوء على بعض (الأفكار الخطيرة) التي استهدفتها فكرة المقال. إلى نص المقال: «حث الدكتور على بادحدح الداعية السعودي المعروف علماء السودان وإسلامييه على توجيه الشعب إلى المرشح الأقرب إلى الله الذي يضمن لهم الاستمرار في تطبيق الشريعة الإسلامية في ظل توجُّه معظم المرشحين في الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل المقبل إلى العمل بغيرها..الخ). ويضيف الخبر ما يلي: (وحث بادحدح المسلمين في كل أرجاء السودان على المشاركة في الانتخابات مشيراً إلى أن أي لامبالاة قد تؤدي إلى أن يثب إلى كرسي الحكم من لا يرجو لله وقاراً. ولم يشأ بادحدح أن يصرح باسم المرشح الذي يراه إلى الله أقرب مكتفياً بالقول إنه على المسلم أن يجتهد في التعرُّف على هذا القوي الأمين). وألخص تعليقي على حديث الدكتور علي بادحدح في النقاط التالية: أولاً: إن حديث د. بادحدح هو مشاركة فعلية في المعركة الانتخابية السودانية ولا أدري من أين أتى سعادته بحق المشاركة بالتحريض السياسي الواضح والبيِّن لتوجه سياسي بعباءة دينية.. فالدكتور يعلم أن السودان دولة متعددة الأديان وتقوم على حق المواطنة ومن حق أي مواطن مسلم أو مسيحي أو لا ديني أن يترشح للانتخابات ويتقلّد منصباً رئاسياً أو تشريعياً أو تنفيذياً.. وبالتالي يصبح مثل هذا الخطاب الديني السافر الذي يخاطب المسلمين دون غيرهم من المواطنين هو خطاب يشعل الفتنة ويميز بين المواطنين على أسس دينية أثناء معركة سياسية بحتة. ثانياً: من الذي يحدد المعايير السياسية ل(القرب لله) ومن يحدد المفهوم السياسي ل(القوي الأمين).. فهذه جميعها تعبيرات دينية ليس لها مدلول سياسي معين ولكن د. بادحدح مثله مثل أهل الإسلام السياسي في الدول العربية والإسلامية يطرح التعبيرات الدينية وكأنها جزء من القاموس السياسي.. فالمعركة الانتخابية في السودان معركة مدنية تهدف لاختيار قادة سياسيين للبلاد وليس لاختيار أئمة مساجد.. لذلك نحن كمواطنين نسعى لانتخاب من يضمن لنا إقامة نظام ديمقراطي تعددي حُر وانجاز التنمية الشاملة وإشاعة السلام وحماية وصيانة وحدة السودان بغض النظر عن دينه.. لذلك يجب أن يفهم د. بادحدح إن المواطن السوداني عندما يذهب إلى صناديق الاقتراع لن يكون هدفه إقامة دولة دينية كما يتصور.. فهذه الدولة الإنقاذية الحالية التي تعجبه والتي اعتقد أنها طبّقت الشريعة الإسلامية هي ذاتها الدولة التي دمّرت السودان وأفقرت شعبه ونشرت الفساد وأشعلت الفتن والنزاعات وقهرت الإنسان السوداني وكل ذلك تم تحت رايات الشريعة الإسلامية التي يريد لها د. بادحدح أن تظل مرفوعة فوق رؤوسنا تحقيقاً لمصلحة حركة الإسلام السياسي». { انتهى حديث الاستاذ بشير، ولأن الحديث لمؤسسة الملاذات الجناح الفكري، أولاً أتصور أن الأستاذ يسن حسن بشير (متخلف فكرياً) في هذه القضية بما يقارب الثلاثة عقود، بحيث أننا يمكن أن نؤرخ إلى استكمال (دخول السياسة السودانية في الدين)، بمعنى (أسلمة السياسة) منذ العام 1983م، العام الذي شكّل فيه الراحل جعفر نميري لجنة من الثلاثي (النيل أبو قرون وبدرية سليمان وعوض الجيد) لصناعة قوانين إسلامية، وهي التي أطلق عليها السيد المهدي مصطلح (قوانين سبتمبر)، وعلى فكرة أن السيد الإمام المهدي يفتأ يذكر أنه ضد (الدولة الدينية)، ولقد أطلق عليها آخرون مصطلح (مسمار جحا)، على افتراض أنه المسمار الذي دُقّ في نعش قبائل اليسار، بحيث لم تستطع أية قوة سياسة، من ذلك التاريخ، أن تُخرج مرة أخرى (السياسة من الدين)، بل اضطرت الأحزاب الطائفية أن تضيف إلى برامجها بعض الأطروحات الإسلامية، وذلك مثل (الصحوة الإسلامية) و(الشريعة السمحاء) وغيرها، وحتى الحزب الشيوعي السوداني اضطر إلى التصريح في كل منابر الانتخابات (بأنه ليس ضد الدين)، وكل ذلك يحدث لأن الناخب السوداني يذهب إلى صناديق الاقتراعات وفي ذهنه أنها (ممارسة أخلاقية ومسؤولية دينية)، بل أن بعضهم يتعبدون ويتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى، ولعمري أنه الفهم الكامل للعبودية الحقة «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين»، «ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام» الآيات الكريمات، إذ لا يعقل أن نتوجه بشعائرنا شطر المسجد الحرام، ثم عندما نمارس ضروب السياسة والاقتصاد نولي وجوهنا شطر (البيت الأبيض)، ولا أقول شطر (البيت الأحمر)، إله الشيوعيين الذي سقط في عقر داره، والحمد لله أن أصبح هذا شيئاً من الماضي من (جدل القرن المنصرم)، لقد تجاوز السودانيون جدلية الدين والسياسة التي يحاول عبثاً بعض عواجيز اليسار أن يعيدوا انتاجها وتسويقها، إنها لعمري بضاعة بائرة لن تصلح لها أسواقنا الفكرية، بل ربما تدرون لماذا لا ينجح الشيوعيون في كل التعدديات في حصد أكثر من مقعدين برلمانيين، ذلك لأن هذا الشعب المسلم يحاكم أطروحاتهم ويسقطها في كل مرة، وهي قد سقطت في عقر دارها. ثم يعترف الأستاذ يسن ضمنياً بأن (القوي الأمين) هي إشارة للمرشح عمر حسن البشير، وليس مرشحاً غير البشير. فشكراً للداعية السعودي وهو يقوم (بواجب أممي) وشرعي تجاه (أمة الجسد الواحد)، وشكراً لكل دعاتنا وهداتنا ومصابيحنا، وأعلم تماماً سيدي، أننا ذاهبون لصناديق الانتخابات، وفي ذهننا (ثقافة القوي الأمين)، وأن هذه الأمة لن تخون الله ورسوله، ولن تخون عهودها ومواثيقها وشرفها. وأقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.