.. أحسب أن كثير من الإعلاميين الذين توافدوا إلى السودان خلال الفترة الماضية، قد تفاجأوا باختلاف كامل للصورة المرسومة في أذهانهم عن الأوضاع في السودان، فبعضهم ربما أنه وحتى لحظة أن لامست إطارات طائرته مدرج مطار الخرطوم، كان يتخيّل أن يكون أول من يستقبله على سُلّم الطائرة سِرب من الزراف أو الفيل (أبو زلّومة) وعائلته (وليه لا) طالما أن الصورة الحقيقية مغيّبة عنه بالكامل وبطن هذا البلد مجرد غابة كبيرة، وربما أن بعضهم كذلك ولجهل منهم وليس منا كان يظننا من البلاد غير الناطقة بالعربية، وربما أنه جاء مستعيناً بصديق ليترجم له لغة هؤلاء القوم (اللي هم نحن) ولعل هناك من جاء إلى الخرطوم وهو يتخيل أنها مجرد ثكنة عسكرية غارقة في الظلام! وله العذر في ذلك طالما أن الإعلام (الأجير) ظلّ ينقل صورة مغايرة عن الحال في السودان. وإن كنتُ ورغم مآخذي الكثيرة جداً على الفضائيات السودانية، إلا أنني أحمد لها أنها قد غيّرت الكثير من الصورة القاتمة المرسومة للأوضاع في بلادنا، وإن كنت آمل أن تشهد الفترة القادمة تحوُّلاً كبيراً في شكل الخطاب الإعلامي ليخدم توجهات الأمة بكاملها وليس لفئة على حساب أخرى أو جماعة على حساب جماعة، لأنه وبمنتهى البساطة، أعتقد أننا قد أرسينا الدعائم لكثير من لبنات الدولة السودانية الحديثة. وطالما أن بلادنا قد تعدت مراحل ألقت بظلالها على المردود الإعلامي خاصة الفضائية السودانية التي أذكر أنه وأيام حرب الجنوب -الله لا عادها- لعبت دوراً معنوياً وتعبوياً خطيراً. لأن المرحلة يومها كانت تتطلب ذلك، وأظن أن الشخصية السودانية على قدر كبير جداً من الوعي والفهم بالدرجة التي كان فيها برنامج (ساحات الفداء) مثلاً هو البرنامج رقم واحد رغم قسوة ما كان يقدمه من مشاهد وأحداث، لكن المشاهد السوداني كان مُقبلاً عليه بدرجة لا توصف. (صغيره قبال كبيره) لم يتبرّم أحد أويقول (زول نحن مالنا) بل على العكس لعبت يومها الفضائية السودانية دوراً مهماً في نشر الاحساس الوطني وتمكين القضية، ووُحِّدت المشاعر نحو هدف واحد واتجاه واحد. ولن أبالغ إن قلت إنها أي الفضائية السودانية يومها قد أعادت إلى الأذهان ورسّخت في القلوب مبادئ مهمة كالجهاد والاستشهاد، إذ أن بعض الشباب للأسف كان يتخيّل أن الجهاد انتهى مع عهد الصحابة وأن الاستشهاد هو قيمة ومعنى يُذكر فقط إن ذكرنا بدر وأُحُد وحُنين. لذلك وبهذا الفهم للمرحلة القادمة أتمنى أن تساهم الفضائيات السودانية في ترسيخ معانٍ كثيرة نحتاج أن نُعلِّمها لهذه الأجيال أهمها معنى التسامح وتقبُّل الرأي الآخر والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، حتى لا يكون الحل لكل قضايانا إما (العكاز أو الطبنجة)!. المرحلة القادمة بالنسبة لنا مرحلة بناء وإعادة تأهيل للمكونات الثقافية والفنية، وهو دور لا تلعبه ببراعة إلا الفضائيات لأنها المنفذ الحقيقي الذي ما عاد كثير من الشباب يستمع لسواه، وربما أن هذا الجيل المفتون بمشاهدة الفضائيات لا تستطيع أن تلفت نظره إلا أن (تنُط) له من خلال الشاشة وعندها (حيقول ليك إنت بتقول في شنو)!. .. في كل الأحوال يبقى ما قلته آنفاً هو مجرد (تنظير) يحتاج إلى من يُنفِّذه على أرض الواقع، وهذا المُنفِّذ لابد أن يكون من أهل قبيلة الثقافة والابداع، أو لنقل لتكون جموع المنفذين هم من أهل الثقافة والفنون والابداع. أما الإخوة المجاهدين (سابقاً) فعليهم أن يفسحوا المجال لمجاهدين جُدد يخوضون جهاداً صعباً لتمكين الهُوية السودانية ولنفض الغبار الذي غطى أو لعله (طشّش) فضاءات الابداع فهل من مجيب؟ { كلمة عزيزة .. من خلال متابعتي اللصيقة جداً لما ظلت تقدمه الوسائط الإعلامية العربية التي غطت المراحل الانتخابية طوال الأسبوع الماضي وما قبله، لاحظت أن فضائية العربية تحديداً تحاول دائماً التبخيس من نجاح التجربة الديمقراطية وهي تورد أخباراً عن تواضع العملية الانتخابية وضآلة أرقام المقترعين وهو ما يجافي الحقيقة تماماً التي عكستها الكثير من الفضائيات الأخرى بمنتهى الأمانة والمصداقية. { كلمة أعز .. قناة زول منعت إسراء محمد عثمان عن الدخول إلى دولة الإمارات بشرط جزائي لا أدري كيف ارتضت المذيعة قبوله أصلاً؟! لكن السؤال من الذي يمنع قناة زول من الدخول إلى بيوتنا!! بالمناسبة أول مرة أسمع عن فضائية تمنع مذيعة أو مذيع من دخول البلد الذي تُبث منه اللهم إلا إن كان الإخوة في (زول) ومن كثرة تعاملهم مع الأحباش يظنون أن هؤلاء المذيعين عمالة منزلية يمكن ترحيلها في أي وقت!