{ إنها من المرات المقلقة التي يستثقل فيها الكاتب عظم ومسؤولية هذا القلم، ومن المرات الباهظة التي تضطر أن ترتدي فيها (روب السلطة الرابعة) وتصعد إلى منصة القضاة، وأنت تتحسس الآية الكريمة حول عنقك «نون والقلم وما يسطرون»، فالولاء هنا يصبح للحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة. { إقامتي الطوعية بمنطقة شرق النيل جعلتني أتعرّف عن قرب على تاريخ وإرث وقبائل هذا الشرق، وأن أتصدى في كثير من الأحيان لآمال وآلام هذه المضارب والقلاع والمدن، لدرجة أن مديراً لمقسم سوداتل قد ترك يوماً مذكرة لخلفه يقول فيها (أرجو أن تهتم أكثر بشخصين اثنين.. أبشر الماحي ومحافظ شرق النيل)، فبقرار حكومي يُقال المحافظون والمعتمدون ويبقى الصحافي صحفياً من المهد إلى اللحد. { إذن.. وبطبيعة الحال أن يكون هذا القلم واحداً من أدوات الاستشعار المبكر لأية أزمة تنشأ في هذا الحي من الأنصار، والقضية التي نحن بصددها الآن لا تسعها (حكمة الأزمة)، ولكنها ترقى إلى (مصطلح المصيبة)، أي والله! إنها مصيبة إن لم تكن طامّة كُبرى، وكل أزماتنا السودانية التي نعالج ملفاتها الآن في الدوحة، ونلاحق تداعياتها في طرابلس وباريس بدأت صغيرة، والنار من مستصغر الشرر، والإعلام في كل مرة يقوم بواجبه بالتبصير ولكن لا أحداً يعيره اهتماماً. وأمتلك كل الجرأة لأقول إن المصيبة التي نحن بصددها الآن قد صنعها (حزب المؤتمر الوطني)، بل هو الذي يزيد من تفاعلها ويعمِّق من جراحاتها، تارة بتجاهلها، ومرات أخرى بالمعالجات غير الحصيفة. { وأعنى هنا الأزمة التي خلفتها (المعركة الانتخابية) في قبيلة البطاحين، وهذا هو مقالي الثالث في هذه الأزمة، ولقد آليت على نفسي ألا أترك هذا الملف إلى أن يقيِّض الله له أهل حكمة ومروءة وشجاعة، ومن ثمّ تعود الأمور إلى طبيعتها، ولا تستطيع جهة أن تتهمني بأني أعمل لحساب طرف، ويكفينا ما عندنا من أزمات ولا نحتاج لأزمة جديدة. { وأنشِّط ذاكرة السادة القراء أن قبيلة البطاحين قد انقسمت على نفسها ونظارتها قبيل الانتخابات، والقوم يومئذ كلهم (مؤتمر وطني)، فريق من القبيلة ناصر الناظر التاريخي خالد طلحة، وفريق آخر ناصر عمه الشهير بأبي الخليفة، وعباقرة المؤتمر الوطني، كما يقول الأخ الهندي عز الدين، قاموا بفصل (أربعة عشر ألف) ناخب مؤتمر وطني يقودهم أبو الخليفة، هذا هو (الرقم الرسمي) الذي أحرزه أبو الخليفة، وهو غير معترف به وكلّف محامياً لتقديم مجموعة شواهد وخروقات إلى المحاكم، ولم يكتف المؤتمر الوطني بفصل هذا الرقم الهائل من عضويته، ولكنه لم يذهب الآن لتضميد هذه الجراح، فلقد جلست عشية أمس الأول لمدة ساعات أستمع فيها مباشرة (لمرافعات أبو الخليفة)، المفصول من المؤتمر مع أربعة عشر ألف ويزيدون من أنصاره، وأنه لو خاض البحر بهذه العضوية لخاضوا معه وما تخلّف منهم أحد، والجراحات بعد الانتخابات زادت اتساعاً، وفي كل يوم يمر تصعب فيه عمليات الرتق والالتئام، ويا له من (أبو الخليفة)، فما يزال على عهده مع المؤتمر الوطني، ووقف هو وأنصاره إلى جانب (ست شجرات) وخالفوه في شجرتين، شجرة البرلمانين القومي والتشريعي، سألت الرجل.. هل أرسل إليك الحزب رسلاً ومن أي مستوى؟، قال لقد وصلني وفد من بعض المعتمدين من بينهم ياسر الفادني والجعفري وبريمة وأبو شامة، وقالوا إن السيد الوالي في الطريق إليهم، لكن السيد الوالي لم يأت! { لقد اكتفى حزب المؤتمر الوطني بفوز الناظر خالد محمد صديق طلحة، ولكنه في المقابل لم يكترث لفقدان أربعة عشر ألف عضو، وتعامل مع الأمر على طريقة (نجاح مرشح وسقوط قبيلة)، فعملياً أن هذا الكم الجماهيري المفقود لقد خرج عن إمارة النظارة، ثم ما قيمة أن يفوز نائب وتنشطر قبيلة؟، لكن المصيبة الأعظم من ذلك هي أن هنالك بوادر أزمة تعتمل في صدور الفريقين، ولو أن سيفاً -الله لا قدر- خرج من غمده، لقتلت هذه القبيلة نفسها في هذه البادية.. وإني أرى تحت الرماد... وميض نار أخشى أن يكون لها ضرام وإن النار بالعودين تزكى... وإن الحرب أولها كلام سألت ضيفي (أبو الخليفة).. أين دكتور نافع من هذه الأزمة، وذلك لعدة مقومات، فالرجل هو نائب رئيس المؤتمر، فضلاً عن انتمائه إلى هذه البطون، وهو يومئذ أعرف بتعقيداتها ومخرجاتها، قال الرجل أبو الخليفة: (صمت دكتور نافع مريب)!، وكما قال صديقنا حسين خوجلي إبان أزمة الإسلاميين (يخيفني صمت علي عثمان)، فلا أملك في المقابل إلا أن أقول (يقلقني صمت دكتور نافع)!. ولهذا الحديث بقية.