تقاطعت الآراء بشأن ما يكن أن تفضي إليه نتيجة الانتخابات الحالية والتى حصد ثمارها المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب ، وجاءت رؤية المشاركين في ندوة مركز الدراسات الأفريقية بقاعة الشهيد الزبير ، بذات العنوان مثار النقاش « ثم ماذا بعد؟ « وفتحت القراءة الأولى للمشهد السياسي بعد إعلان الرئيس المنتخب وولاة الولايات والنواب البرلمانيين نافذ للأسئلة الملحة حول مستقبل السودان والتحديات الكبرى المتمثلة في تقرير مصير الجنوب وتشكيلة الحكومة القادمة والتحديات الخارجية والمطلوبات الداخلية التى تنتظر تلك الحكومة ، وفي نفس الندوة كانت رؤية الدكتور حسن مكي أكثر تشاؤما بخصوص المستقبل السياسي وتناولت بعض القضايا المسكوت عنها وصادمت آراء بقية المشاركين. القيادي بالمؤتمر الوطني دكتور ربيع عبد العاطي طرح ورقة تناولت العديد من المحاور وتلخصت في أن الانتخابات التى جرت كانت موضوعا مهما في الإعلام الخارجي ومراكز الدراسات العالمية. وقال ربيع ان هناك جدلا يثور حول هذه النتيجة فبينما ينظر لها حزب الأمة بأنها ربما تفضي إلى احتقان سياسي وثورة عارمة تقول الحركة الشعبية أنها لن تشارك في الحكومة الشمالية، مشيرا إلى أنه لم تشهد المحاكم أي طعون بخصوص النتيجة والتي وصفها بالجيدة ، وقال ان التحديات تتبين في أنه كيف يتسنى للحكومة المنتخبة الحفاظ على الأمن والاستقرار وإكمال مسيرة السلام؟ وكيف تلملم شمل الأطراف المتفرقة وتواجه التحدي الدولي؟. وأضاف أن موضوع الاستفتاء وما يمكن أن ينتهي إليه هو أكبر عقبة ، و أكد ربيع أن نتائج الانتخابات كشفت عن حقيقة خطيرة فالأصوات التى نالها البشير في الجنوب هى مؤشر واضح لحدوث الانفصال ، كما أن الحركة الشعبية غلب فيها التيار الانفصالي ومسألة سحب عرمان من السباق الرئاسي دليل على ذلك وكل ما يثار من قادة الحركة الشعبية مدعاة للانفصال ، وأضاف ربيع أن جنوب السودان يتجه جنوبا بنسبة عالية وكل قيادات الحركة الشعبية أصبحت جنوبية الهوى ، والمؤتمر الوطني أمام تحدى تغيير ذهنية قادة الحركة في الشهور المتبقية .. الدكتور حسن مكي والذي برز كعادته في رؤية متشائمة للمستقبل السياسي وصف واقع الحال الذي أفرزته نتيجة الانتخابات بأنه سوف يؤدي لصراع بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ولكل لاعبوه وجنوده. واعتبر أن التشكيلة القادمة في الشمال ستواجه بظروف صعبة لأنها تمثل نخبة لأقلية مبدعة وحكمها يحتاج إلى مقاييس ووصفات ، والجنوب تحكمه نخبة متماسكة ومسنودة خارجيا ولها رؤية تتمثل في السودان الجديد. وأعتقد والحديث لمكي أنها استطاعت أن تكسب الكثير من خلال حكم المؤتمر الوطني ، وقد سجلت إصابة بفوزها في النيل الأزرق وانتزعتها من المؤتمر الوطني وكسبت نصف نقطة عندما جعلت جبال النوبة منطقة معلقة، وفي كاودا مرشح الحركة الشعبية نال أكثر من مرشح الوطني أو النتيجة كانت متقاربة ، وسجلت الحركة الشعبية نقطة ثالثة في أبيي بحيث جعلت الاتفاقية المسيرية مواطنين درجة ثانية ، ورغم زواج المصالح بين الوطني والحركة إلا أن هناك صراعا حول هوية السودان ومصيره ، وبالنسبة للحكومة وما تنطوي عليه من مفاجآت فهذه مجرد أوهام، لقد تحددت المناصب بدقة وتم انتخاب الرئيس، فالحكومة المركزية تحددت بشكلها النهائي. وتساءل حسن مكي ماذا تبقى للقوى السياسية الأخرى أن تنال؟ ومن ينتظر مفاجأة فهو كأنما ينتظر رجالا من القمر ليحكموه ، الرئيس ووالي الخرطوم ووالي بورتسودان هى التركيبة السياسية التى أمامنا ، ولو جاء اسم جديد سيكون مجرد (زينة) ، فما هي التحديات التي تواجه هذه التركيبة في الشمال والجنوب؟ ، وزواج المصالح هذا مواجه بضغط الحركة الشعبية المتواصل سيما وأن الحركة فهمت مواطن ضعف المؤتمر الوطني وكيف أنه محاصر بأزمات متراكمة. وأشار حسن مكي إلى أن الانتخابات في الجنوب كان فيها قهر شديد وضحايا وبالرغم من ذلك غضت المفوضية الطرف وسكت المؤتمر الوطني على ذلك في سبيل زواج المصالح، وتنازل الوطني عن النيل الأزرق على أهميتها وهذا مهر أيضا لذلك الزواج ، والآن أمام المؤتمر الوطني تحدي أن يقبل برموز من الحركة الشعبية مرفوضة بالنسبة له ومفروضة ، إما هؤلاء أو التهديد بالانفصال ، فإذا كان هناك جديد سيأتي من طرف الحركة الشعبية ، وتساءل الدكتور حسن مكي هل «الوطني» سيمارس نفس المرونة أم أنه سيبرز في ثوب أقوى بخصوص تلك المسألة؟ ، ومضى إلى أن السودان يحتاج إلى استقرار وأمن والحركة تعمل لتقرير المصير وما بين هذين سيدور دهاء وصراع كبير لضبط العملية السياسية وضبط مصالح كل فريق، فالموضوع ليس هو القصر الجمهوري وإذا تنازل «الوطني» ستكون هنالك كماشة الصراع حول مستقبل السودان وهنالك استثمارات وقوى خارجية ، كما أن المرحلة المقبلة صعبة وفيها ضغوط خارجية وورقة السياسة الخارجية الأمريكية على خطورتها ستظل تلوح للمؤتمر الوطني ، وبما أن الشماليين صوتوا للمؤتمر الوطني فإنه مواجه بحركات مطلبية سوف تتصاعد بشكل كبير..... أساتذة الجامعات والطيران المدني ، والتحدي الآخر هو نتائج ما بعد الاستفتاء فإن حدث الانفصال فسيواجه بديون وعجز في الميزانية يصعب تغطيتها من قبل الدول الغربية والحكومة القادمة تحتاج إلى رؤية متقشفة وصارمة ، وطالما أن هناك قوى سياسية في دارفور تحمل السلاح سيظل المشروع السياسي مهددا ، وأهل دارفور أنفسهم في النهاية سيبرزون مطالبهم وسوف ينظرون للميزانية ، والمرحلة القادمة على الغالب هي حبلى بالمفاجآت والمتغيرات ، وقد يكسب المؤتمر الوطني المرحلة الراهنة ويخسر المستقبل .. في نفس الاتجاه مضت رؤية الدكتور (أبندكو) من جامعة جوبا والذي أشار في مداخلة قصيرة إلى أن الديمقراطية طبقت بصورة لا بأس بها إن لم تكن جيدة. وأضاف أن الاقتراع يعني أن هنالك مرونة سياسية، فالشعب قال كلمته وهو بذلك مشارك في الحكومة المقبلة ، وسيطرة المؤتمر الوطني على البرلمان تعني أن هنالك استقرارا سيحدث. وفيما يخص الحكومة القادمة فالوجوه هي نفس الوجوه ولكن عليها أن تغير أفكارها على الأقل طالما أتت مرة أخرى، بالرغم من أنه يصعب التكهن بمستقبل السودان ما لم تكن هنالك حكومة قومية ، وبخصوص الجنوب والذي فازت به الحركة الشعبية ليس هنالك مفر سوى أن يتوحدوا لإجراء الاستفتاء ، وخلص الدكتور (أبندكو) إلى أن أخطر مهدد يواجهنا هو كيف نحمي وحدة السودان؟.