تخلو نسخة حكومة الانقاذ المنتخبة إلى الآن من أي نكهة لحزب معارض يقول كلمته معها من داخل البرلمان والمجالس التشريعية حول أي قضية، ويسيطر المؤتمر الوطني والأحزاب الموالية له على تشكيلة فريق النظام كلها. ويخشى مراقبون أن تزداد خيانة الأمانة والتزوير والصرف دون وجه حق ويقولون إن الحكم والجلاد واحد ويتخوفون من كبر حجم غول التعدي على المال العام ويبدون اندهاشم من تقليل قيادات الحكومة لحجم الظاهرة وانعكاساتها ومقارنتها مع التعدي على المال العام بحسابات تحول الأمر إلى ظاهرة دولية. وآخر ما قاله وزير العدل مولانا عبد الباسط سبدرات إنه لا يوجد فساد يستدعي تشكيل لجنة برلمانية للمحاسبة وأن حجم المال المعتدى عليه لا يشكل ظاهرة تقتضي ذلك. وقبله قال وزير المالية د. عوض الجاز في سؤال وجهته له «نحن لسنا ملائكة وظاهرة التعدي على المال أصبحت عالمية» وقلل هو الآخر من حجم التعدي على المال العام بالسودان مقارنة مع دول أخرى. واعتبر وزير الصناعة بروفيسور جلال يوسف الدقير الأمر تجاوزاً للإجراءات فقط وقال إن ال «3» مليارات التي ظهرت كزيادة في آخر تقرير للمراجع العام مقارنة مع تقريره السابق هي في الأصل «3» ملايين من مجمل إيرادات الدولة التي كانت «23» مليار في العام السابق. وأردف أنه وبالمقارنة فإن التجاوزات لا تساوي واحداً في المائة ألف. واستطرد.. وفي كل دول العالم لن تجد نسبة أقل من ذلك. وأرقام المراجعة العامة تنبئنا بين الحين والآخر بزيادات مما يستوجب على الحكومة الجديدة معالجة كل مواطن الخلل ومعاقبة كل يد تمتد للمال العام. وآخر شواهد الزيادات كشفه تقرير المراجع العام القومي للأداء المالى والحسابات الختامية لولاية الخرطوم والذي قدمه مدير جهاز المراقبة القومي عبد المنعم عبد السيد الحسين في جلسة تشريعي الخرطوم يوم الاثنين الثامن من فبراير الماضي وجاء فيه أن حجم الاعتداء على المال العام من سبتمبر 2008م وحتى أغسطس 2009م بالولاية بلغ 3.947.212 مليون جنيه حيث قفز عن التقرير السابق له ب 3.467.409 جنيه وكان 138.649 جنيه خيانة أمانة بنسبة 4% و 3.808.563 جنيه تزوير بنسبة 96% وتم استرداد 254.127 جنيهاً بنسبة 6% فقط وتم الفصل في حالة واحدة من جملة «16» حالة وفيه أيضاً كانت «3» قضايا أمام المحكمة و«12» أمام النيابة. وكشف التقرير ذاته تسجيل القطاع الصحي لأعلى نسبة اعتداء وصلت إلى 60%. داء يحتاج لدواء وابان مدير جهاز المراقبة القومي الأسباب وحصرها في عدم تقديم معظم الجهات الحكومية لحساباتها ووجود قوائم وهمية وتكرار بعض الاسماء في كشوفات المرتبات لعدم وجود نظام حوسبة للأجور والمرتبات وتعيين بعض العاملين بصفة شخصية دون أي سند قانوني. بدل وجبة مرفوض ويوم الأربعاء28 أكتوبر الماضي قدم المراجع العام أبو بكر عبد الله مارن تقريره للبرلمان القومي المنحل. وانتقد مارن وزارة المالية الاتحادية لتجاوزها للضوابط والقرارات والمنشورات واهدارها للعدالة والمساواة في أجور ومخصصات العاملين في أجهزة الحكومة من خلال صرفها لبدل وجبة للعاملين وطالبها أن تتوقف عن ذلك. مخالفات متكررة سنوياً واشتكى المراجع العام في جلسة البرلمان سالفة الذكر من تكرار مخالفات في تقارير المراجعة السابقة واجملها في تجنيب جزء من الايرادات وتعلية حساب الامانات وايداعه في بنوك خاصة دون موافقة وزارة المالية الاتحادية وعدم الالتزام بالكثير من قواعد شراء السلع والخدمات واجراءات التعاقد وتعديل وفرض رسوم دون موافقة وزارة المالية والتوسع في صرف الحوافز والمكافآت والصرف على الهواتف السيارة دون الحصول على الموافقة الأصولية وتجاوز السقف المحدد. واعتبر مارن شهادات شهامة عبئاً مالياً إضافياً على وزارة المالية من واقع تمديد معظمها دون ضخ فعلي للسيولة تستفيد منه المالية، مشيرا ابتداء في التقرير إلى ارتفاع حسابات شهادات المشاركة الحكومية «شهامة» لمبلغ «3.2» مليارات جنيه بنهاية عام 2008م باستثناء المصارف تلجم الكثيرين الدهشة حين يحمل أي تقرير للمراجع العام ارتفاع حجم الاعتداء باستثناء المصارف. ويرجع مراقبون الخطوة إلى ارتفاع حجم الاعتداء فيها. ويتساءلون عن التستر على ما بداخل ملفاتها من تعد وتجاوز لا يمكن الوصول إليه. وقبلها يتساءلون عن أسباب تأخير إعلانه. عدم رغبة وتأخير وفي تقريره الأخير أمام البرلمان يوم الأربعاء28 أكتوبر من العام الماضي كشف مارن عن إحجام «34» وحدة عن تقديم حساباتها من بينها «30» بسبب التأخير في قفل الحسابات أما ال «4» فلم تبد رغبة أصلاً في تقديم حساباتها!! وحتى تاريخ التقرير كانت «70» وحدة تحت المراجعة وتمت مراجعة «181» وحدة من جملة «237» من الشركات والهيئات الخاضعة للمراجعة. وصايا قديمة متجددة يقول المراقبون وأهل الشأن إن مطالبات المراجعة العامة بقفل الحسابات والقوائم المالية ورفعها للديوان في مدة لا تتجاوز ال «6» أشهر من نهاية كل سنة مالية وارسال الأجهزة الاتحادية لقرارات التعيين والترقي والعلاوات والمخصصات إلى الديوان خلال «3» ايام من تاريخ صدورها بغرض الفحص والمطابقة لم تجد طريقها للتنفيذ في كثير من المؤسسات والهيئات. ملامح للتعدي في جلسة البرلمان الأربعاء 19 ابريل 2006م حين قدم المراجع العام تقرير 2006م سجل حجم الاعتداء على المال العام 542.5 مليون دينار باستثناء المصارف حيث زاد عن سابقه 146.5 مليون دينار وبلغ عجز الميزانية وقتها «102.7 مليون دينار بنسبة 9% ولم تقدم «63» وحدة حساباتها الختامية وكانت نسبة خيانة الأمانة 84% والتزوير 10% والصرف بدون وجه حق 1.8% والسرقة والنهب .02%. وسجل الاعتداء على المال للعام 2007م 1.426.897 منها 370.871 صرف دون وجه حق و«700» ألف تزوير وازداد الحجم في تقرير سبتمبر 2008م وحتى أغسطس 2009م إلى «3» ملايين جنيه عن سابقه استردت منها فقط نسبة 6% كانت النسبة الأكبر فيه لخيانة الأمانة ويليها التزوير ثم الصرف دون وجه حق. وفي إطار المناصحة للحكومة المنتخبة شدد المراقبون على ضرورة بتر الداء ويأمل بعضهم في أن تكون نسخة الحكومة الجديدة فأل خير بينما يرى معارضون كثر أن الأمر سيكون نقيض ذلك وأن نسب خيانة الأمانة والتزوير والصرف دون وجه حق وإحجام المؤسسات عن تقديم حساباتها ستكون في ازدياد مضطرد، والأيام وحدها ستثبت أي تكهنات الفريقين يمضي بها تيار النظام الحاكم!.