يقول أهل دارفور وهم يغنون (ما حقو نلزم الصبر يا ناس.. الريدة ما جَبُر)، والعبارة واضحة وضوح الشمس، فالحب لا يأتي بالقوة، والتوادد يتطلب (الحنية) والإيحاءات الحركية، وأحياناً كل مفردات لغة الإشارة الخاصة بالصم والبكم، حتى تستطيع إقناع جميلة الحي بأنك (ميِّت في حوش العمدة) قبل أن تأتي إليك أمك وبقية الخالات اللائي أرسلتهن (لجسّ نبض) أم السمحة ودفع (فتح الخشُم) بالموافقة التي تجعلك سلطان زمانك، لتبدأ في الإعداد للعرس الأسطوري الذي تتمناه. ولكن الحكومة السودانية (سامحها الله) لم تتعلم معاني الأغنية الجميلة، فبعد أن مدت حبال الود والحنيَّة لحركة العدل والمساواة وتوالت اللقاءات بالدوحة والسلام بالأحضان والحديث الرنان عاد الدكتور خليل إلى سيمفونية الرفض والممانعة التي يتقنها بجدارة، غير أن دبلوماسيي الحكومة، طارت منهم ملكة الصبر ولم يلزموه، فجاروا الرجل في التعنت، وأطلق وزير العدل تصريحاته النارية الملزمة للبوليس الدولي بالقبض الفوري على المجرم الهارب خليل إبراهيم، و(اندكت الكوتشينة) من جديد. والقارئ لمجريات الأصوات، فإن خليل إبراهيم لن يفاوض، ولن يقبل أي شيء، إلا عن طريق شيخه الترابي. هكذا يتحدث أهل السياسة في لياليهم، وهم يرتشفون الشاي والقهوة ليلاً، والدكتور العلامة خرج من الانتخابات بكامل حزبه رغم مشاركته فيها، ولكن مواطن السودان قال (لا للمؤتمر الشعبي) وخليل يحتاج لمرجعية تنير له الطريق من داخل الحكومة، لذلك فضل أن يهيم في الأحراش مسبباً صداعاً دائماً للحكومة. حتى عودة المطربة ندى القلعة الأخيرة من إنجمينا، بل من مطارها، دون أن تدخلها؛ جعلها المواطن البسيط (ونسة) مرتبطة بخليل إبراهيم، إذ يتحدث الناس بالصوت العالي أن عدداً من أفراد العدل والمساواة دخلوا إنجمينا متربصين بأي وفد سوداني لإحداث الخسائر في الأرواح من أجل تعكير صفو العلاقة الجديدة بين الخرطوم وإنجمينا حتى ترتاح حركة العدل والمساواة بعد أن تتأكد أن ظهرها مؤمن، وإلا والسؤال من عامة الناس لماذا ألغيت الرحلة التي صرفت عليها الأموال قبل أن تبدأ وتصدرت إعلاناتها الصفحات الأولى للصحف طوال الأسبوعين الماضيين بأنها قافلة ثقافية تحت رعاية زوجة الرئيس دبي؟ ولماذا عادت ندى القلعة من مطار إنجمينا دون أن تطأ قدمها أرض المدينة (المحرمة) عليها، وهي، ندى القلعة، قطعة الحنان والفن والرقة، وإذا وجدها خليل إبراهيم لجلس أمامها كل يومه يستمتع بغنائها العذب.. فلماذا أعيدت؟ ومثلما لم تفلح أبوجا ولا الدوحة فإن القاهرة أيضاً لن تفلح مع العدل والمساواة ولا مع غيرها من الفصائل لأن الحل هنا داخل السودان ومفتاحه الكبير لدى الشيخ الترابي.. ولعل دهاقنة السياسة في الحكومة يعلمون ذلك ولكنهم قطعوا «شعرة معاوية» مع الشيخ الترابي وهو بالطبع سعيد لانهيار المحادثات وسعيد لعودة المعارك بأرض دارفور لأنه يحمل (حنق) الإقصاء والتهميش والتحجيم من أناس كان شيخهم الأكبر. فلتردد الحكومة الأغنية الدارفورية السالفة ولتصنع المستحيل بكل حركات لغة الإشارة لكسب ود خليل إبراهيم وبقية زعماء الحركات الذين يهيمون في فيافي دارفور يقتلهم الجوع والعناد والكبرياء (المضروب) وبالطبع كسب ود الشيخ الترابي فالرجل ما زال يردد «لا إله إلا الله محمد رسول الله».