تبدو عروض شركات الاتصالات في إعلاناتها السمحة أنها كريمة وتليق بالخدمات العظيمة التي توفرها لنا في التواصل مع جميع الجهات والأفراد، بل وبتوفيرها قيمة تذاكر المواصلات لأقاصي الأقارب.. والمناسبات والدعوات. وفي كل جديد تفاجئنا الشركات بعرض أكثر سخاءً من ذي قبله وتغرينا للدخول في متاهات سلطانها الكبير بالضغط على النجمة والمربع وإرسال رسائل الموافقة على العرض وإبداء كافة الرغبات المسالمة بقبول كل السخاء الاتصالي والرخاء المجاني لتلك العروض.. والمبالغة التي فيه! والمبالغة تختلف باختلاف الشركات طبعا، لكن يبقى قاسمها المشترك المضاعف هو المواطن الذي يتوقع في صباح كل إعلان أن يحمل له بشرى أسرّ من اليوم السابق كي يلاحق أرقام الرسائل ويغتنم أولوية البدء في الخدمة.. ومن أكثر الخدمات التي تحظى بقبول ودخول الجمهور المتصل هي خدمة المكالمات اللّيلية المجانية.! التي أسعدت أغلب الناس وإن لم يصرحوا بذلك بشكله المباشر، لدواعٍ أمنية وأمانية لالتباس البعض في المحادثات الليلية هذه باعتبار أن كلام الليل ممنوع ! ويطاله مما لا شك الظنّ السيئ بأنه لغراميات هاتفية أو ونسات رومانسية! مع أن الحقيقة الملموسة أن المكالمات اللّيلية أتاحت لكثير من المهاجرين في بلدان تبعد جغرافيتها وتختلف توقيتاتها المحلية من توقيتنا .. أن يتحدثوا بأقلّ تعرفة وبأسرع شبكة ولأكثر من صوت في ذات الوقت، وقرّبت تلك المحادثات مسافات الشوق بين الأهل وأبنائهم وبناتهم وأضافت خطوط جديدة تبدأ بعد الثانية عشرة ليلا ولا تنتهي إلا بانقطاع مجانية الخدمة ودخول الوقت المحتسب من مال المتصل..! ومجانية المحادثات اللّيلية التي يتمرغ في نعيمها الكثيرون.. يكتوي بنارها الأكثر ابتداءً من الأهل الذين يفقدون بالنعاس الرقابة الهاتفية لأبنائهم - أولاداً وبنات - ويفقدون معها كذلك بضع جنيهات تضاف للمصروف اليومي تحت بند المذكرات والمذاكرات..! هذا لأن السن القانونية لتلك المحادثات تحتم على مستخدميها صرف مصروفهم من أولياء الأمر.. فالنضج العمري يجعلك إن لم تكن مضطرا غير باغ أن تنام ساعة مجانية الأثير.. واللّيل بطوله العريض وعروضه المسيلة للّعاب يجعل الشركات – جميعها - تطمع في أن تستأثر بنوم الخلائق فيه بالاستيقاظ المنتبه لدقات الساعة الثانية عشرة لبدء العدّ التنازلي للمجان.. ويقلّ عند الصباح الانتباه النشط لذاك المتصل عند ساعات العمل الرسمية.. ويقل الإنتاج والمنتج ويرتفع برج آخر من نجاحات شركات الاتصالات.. فمسألة المجانية هذه بالكاد تكون حقيقة، فسعر التعرفة يحسب لا شك لكن ربما بالقيمة الأصلية ودون زيادات الذروة التي يحتاج فيها العملاء لمثل خدمة (بالمجان) لما يتعلق بمنصرفات الدفع المقدم أو الآجل الذي يسحب من رصيدهم جراء الاستخدام الهستيري للهواتف المحمولة.. وفي كافة المجالات العملية والدراسية والحكومية.. وفي ذلك تتنافس الشركات أيما تنافس بعروضها وعرضها وطول دقائقها وحسابات ثوانيها وسعاتها الخ.. لكن يبقى في صالح عملهم أن الفائدة التي تجنيها نوافذ بيعهم ومكاتب خدمات مشتركيهم لا تساوي على الإطلاق وبكامل أصفارها المليونية المربحة، فرحة المجان التي تنشرها في نفوس مشتركيها الآملين. ان كانت حقا تريد الشركات الخير لنا وتفتح لذلك طاقة قدرتها الاشتراكية بتخفيض المكالمات والرسائل والانترنت، فيجب أن تطرح مجانية المكالمات نهاراً جهاراً حيث يكثر الكلام وتكثر المهاتفات وتمتلئ السماء بسطور المحادثات العامة والخاصة الرسمية والشعبية على السواء وليس في ذلك إدخال لريح الخسارة من باب حسن نية التعامل مع الجمهور المستفيد من الخدمة إنما هي محاولة لتحسين الصورة غير الواضحة لخدمات المشتركين في كافة الشركات التي تدّعي أنها تسعى لتقديم الأفضل لهم لنكتشف بضغطنا – الشكاك - على أزرار حساب الرصيد أنه قد تمّ سحب ما يعادل نصف أو أقلّ من قيمة تلك المحادثة أو ربما ستضاف لمكالمة أخرى لم تقم بأجرائها بعد.! في كل الأحوال والأوقات نحن نتحدث ولا نتوقع من خلال هواتفنا أن تأتينا رسالة شكر كمشترك متميز في الاستخدام الجيد والمثابر للشركة.. أو حتى رصيد حقيقي مجاني أو خدمة حصرية في محمولنا الأمين.. لكننا ندعو في (تلت ليل الكلام) أن تستجيب أبراج الاتصالات بمختلف شركاتها وتزيدنا من كلام النهار (البيدورو الناس)..