غنى المطرب مجذوب أونسة مساء الأربعاء الماضي بدار فلاح باقة من أغنيات الحقيبة ببراعة يحسد عليها ودمر المقولة الشائعة (أعطي الخبز لخبازه) فقد قدم أونسى سقفاً من التطريب والنطق الصحيح للمفردات والحضور المسرحي فاق به كل الذين قدموا هذا الضرب من الفن حتى أن أحد الشيوخ الذين كانوا يجلسون بالقرب من الزميلين عبد الباقي خالد عبيد وعثمان جقود صاح مطالباً أونسة بأن يتجه للغناء الشعبي وليس لأن ما يقدمه عبر الأوركسترا (ما جايب همو) بل لأنه أجاد هناك وأبدع هنا والشيخ يحب أغنيات الحقيبة فحسب أونسة قدم رائعة الحقيبة (الليلة الأسد جاي من جبال الكر) بكل قوتها وصداميتها وشحنتها العالية من الفحولة والإقدام والشجاعة المتفجرة فارتفعت كل أيادي الرجال بدار فلاح بعد أن سرى فيها هذا الاكسير العجيب بالصياح والهتاف و(الهز والتبشير). وبعد أن فرغ منها مازح الجمهور بعفويته المعهودة (والله ناس زمان ديل كانوا رجال خالص) وأردف: (وهسي يجيك واحد يقول أضربني بي مسدسك) والعبارة الأخيرة تجعلنا نشفق على حال شبابنا من أنفسهم بعد أن سلكوا طريق الغناء الرخيص على تلك الشاكلة. فما عاد حتى الحب يحمل قدراً من القدسية لدى الشعراء الشباب الذين «يمولون» مصانع «الألحان» بالشعر الغنائي لينداح في مواعين المجتمع العطشى لكل جديد. فالمرأة أصبحت لا تهمهم كثيراً وبعض شعرائنا يرددون للتي هجرته (ريدتك انتي شنو عشان علي تحرم.. انتي لا هيفاء لا نانسي بت عجرم) في تجني واضح على المرأة السودانية التي أودجته وزاملته والتي ستعيش معه زوجة في داره، علماً بأن المطربتين اللتين كانتا مقياساً للأنوثة يراهما بعض العرب وكل الاسلاميين فتاتين خارجتين عن النص تماماً. ولكن ثقافة الثأر سيطرت على قريحة الشاعر وأراد أن ينتقم من امرأة واحدة فإنتقم من كل نساء السودان في شخص محبوبته التي هجرته. فماذا بعد أن يصبح إرث وردي، محمد الأمين، حمد الريح، شرحيل أحمد، البلابل، الموصلي، عبد القادر سالم، محمد ميرغني، صلاح مصطفى، عثمان مصطفى، زيدان ابراهيم، كابلي، مجذوب أونسة، صلاح بن البادية، زكي عبد الكريم، اللحو، كمال ترباس وغيرهم من الرواد والذين أخذوا عنهم نسياً منسياً.. وتخيلوا معي الأغنية السودانية في عام 2050م ستكون إن شاء الله كصحن كوكتيل من جزر البهاما مليئاً (بعجة الموز مع شوربة الضفادع وأرجل أبو جلمبو مع موسيقى حبشية زائيرية هندية مزينة بصولات مستمدة من أصوات الحمير) ومفردات تحتوي على جميع الأواني المنزلية والملابس وآخر (ونسة) سمعها الشاعر من أصدقائه ليلة أمس. وحينها قطعاً ستصبح الأغنية السودانية عالمية الانحدار وكونية المدار ولا عزاء للشطّار.