{ تستيقظ باكراً جداً أشعة الشمس الحارقة لتحجز كل الأمكنة المتاحة لتوزيع حرارتها بالتساوي وبدون فرز أول بين الناس. وتغطي كذلك كل احتمال لظل ذي نسيم يرأف على رؤوسهم بظله حيث لا ظل من سخونتها الحارقة إلا الأماكن المغلقة على هواء المكيفات الكهربائية التي يعلو ضغطها في محاولاتها لإخراج حار وجاف الخارجي من المكان وإدخال بارد وربما رطب الجو المفترض إليه وتبعاً لذلك تعلو فاتورة الدفع المقدم للكهرباء. { والإذاعات بموجات أثيرها المتأثر بالحرارة تهذي بين الناس بأن يرشوا (الحيشان) وكل مساحة مفتوحة للتقليل من خطر الإصابة بأمراض الحر المعروفة التي لا ينقصنا شيء من عدم معرفتها مادام (السحائي) حمانا منه الله معروف. { والناس تجمع المياه في براميل وأزيار الحفظ المؤقت؛ كي تأمن في هذا الحر المتصاعد القطوعات اليومية للكهرباء التي لا تأتي المياه من دونها، وسبحان رب هذى البلاد..! { وذات الناس يندهشون من أن الدولة التي يجب أن توفر الأمصال والمياه وفي أحلامنا توفر الهواء البارد أيضاً تدعونا بطريق غير مباشر أن نرش ما استطعنا الحار في الأرض ليخرج لنا ترابها برداً وعلاجاً شعبياً يكفينا بلا شك خطر الإصابة.. فدرهم الوقاية خير..! { والشر المتأبط أذرع الأشعة لا يفرق بين صغير أو كبير اللهم إلا من أسعف نفسه باكراً بالحصول على مصل الوقاية الذي لا يتوفر في كافة المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية لنقص في كمياته التي لا تغطي حاجة المواطنين في مختلف ولايات السودان.. فتبقى الأولوية للولايات التي تستطيع أن تغطي تكلفة الأمصال من جلب وشحن وتخزين وحقن، وبالتالي يحصل مواطنوها على حقهم الطبيعي من الوقاية بعد أن أدوا واجبهم الضريبي تجاه الولاية.. والخرطوم تبدو ليست من تلك الولايات..! { فمحليات ولاية الخرطوم التي تستبق الخريف بخطوات التنظيف المبكر يرفض عمالها ومقاولو أنفارها أن يرش المواطنون المياه على الطريق بحجة أنه سيتحول الى طين يصعب حفره أو ردمه وكذلك تصريف المياه عبر المجاري الداخلية للمنازل خروجاً للمصارف الخارجية الكبيرة.. أيضا بحجة التنظيف.. ومن يحاول تطبيق دعوة الرش سيكافأ ببلاغ مدني في محليته المباشرة..! { والتنظيف المتحدث عنه في هذا الحرّ الساخن يبدأ قبيل ساعة من موعد الفطور المتعارف عليه محلياً عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، ويكون في تمام الحفر والتنقيب وتكويم التراب على قارعة الطريق ليصبح أذىً يميل السيارات ويسقط المارين على الأرض الجافة وساخنة.. وينتهي الدوام بتمام الثانية عشرة ظهراً، وهكذا حتى أوان المطر. { وفي حين ذلك يقع ذات المواطن بين مطرقة ضربات الشمس وسندان المحلية بالتغريم عقوبةً للرش! ولا يبقى له إلا الدعاء سراً يا رب تجيب المطر لنرتاح من حملات المحليات وغياب الأمصال. { إنها إعادة تدوير لذات المشكلات كل عام، لا يختلف فيه حتى التوقيت الصيفي ولا التوقيت الخريفي ولا التوقيت العقلي للمسؤولين، بل ولا تتغير خططهم لمعالجة قضايا صغيرة في حجمها ضخمة في أضرارها ولا الأعذار! فإصابات الحر لا تعدو مجرد موت يخص أهل المريض أو قلق يصيبهم في انتظار شفائه إنما هي نقص في الأموال والأنفس للدولة وقلق يجب أن يصيبها قبل كل صيف للسعي الجاد في توفير الأمصال لكافة الفئات المستهدفة مباشرة بالإصابة لوجودها الدائم تحت أشعة الشمس كعمال النفايات والتنظيف أو الأطفال ضعاف المناعة.. حتى وإن تطلب ذاك التوفير إضافة قيمة المصل للفواتير الشهرية والتحصيل غير المبرر أحياناً من المحليات فقط لضمان وقاية الفرد والدولة من الصرف المنهك لفواتير العلاج! { وذات الحال يكون لتصريف شأن الخريف، الذي من كثر ما أعيد تدوير أخطائه حتى أصبح المادة المفضلة للكاركاتيرست في الصحف اليومية ونوادر المدينة والغريب أنه لا يؤثر أو يتأثر بما يقال ويشاع طوال مدة الاستعداد له، حتى أصبح أكثر ما يصدق في نوادره أنه تنظيف لخزينة الولاية بمحلياتها لصالح تصريف جيوب أفراد..! { أما المواطن، الفرد فمتروك له حرية الاختيار في وطن ديمقراطي أن يموت حاراً من ضربة (أبو فرار) أو جافاً من انقطاع تيار الكهرباء والماء ففي كل الأحوال بجي الخريف....!!