كان العقيد أركانحرب جعفر محمد نميري الذي نفّذ وقاد مع معاونوه ورفاقه انقلاباً عسكرياً ناجحاً فجر الخامس والعشرين من مايو 1969م، يعرف أهمية تأييد الحزب الشيوعي السوداني للنظام الجديد الذي بدأ يسارياً تقدمياً وكان الحزب هو أكبر قوة في الشارع السوداني التقدمي اليساري. وكانوا يعرفون أهمية تأييد الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان الأكثر جماهيرية في الشارع العربي لكنهم أي نميري ورفاقه كانوا ضد سيطرة الشيوعيين على الحكم، ولذلك فإنهم كانوا أقلية داخل مجلس قيادة الثورة، ولما تفاقم الصراع بينهم أو لما تأكد لنميري ورفاقه أن ولاء أعضاء مجلس الثورة الشيوعيين للحزب أكبر من ولائهم لمجلس الثورة، فأقالوهم منه بقرار صدر يوم 16 نوفمبر 1970م. ولم تندلع مظاهرة واحدة احتجاجاً على ذلك القرار وكان الرئيس نميري وزملاؤه على درجة عالية من الوعي بالخصوصية السودانية ولذلك فإنهم بعد ميثاق طرابلس الذي وقعه في ديسمبر 1969م الرؤساء جمال عبد الناصر، وجعفر نميري، ومعمر القذافي، قضوا الانضمام لاتحاد الجمهوريات العربية.. فالسودان ليس كله عربياً ثم أن وحدته الوطنية لم تكن في ذلك الوقت من نهاية الستينيات قد تحققت بعد وكانت الحرب الأهلية لا تزال تحصد الأخضر واليابس. ولقد أدى ذلك الإحجام السوداني عن الانضمام إلى اتحاد الجمهوريات العربية إلى فتور العلاقة السودانية الليبية، بل إنه جاء وقت أصبحت فيه الكراهية المتبادلة بين الرئيسين نميري والقذافي واضحة ومعروفة للجميع. ومرت الأيام، فمات عبد الناصر وتولى السادات حكم مصر ثم اندلعت حرب أكتوبر 73 ثم زار السادات القدس ثم كانت كامب ديفيد ثم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979م، ثم أغتيل السادات يوم 16 أكتوبر 81، ثم دخلت مصر في عهد الرئيس مبارك. وباستثناء فترة قصيرة جداً خلال عهد السادات فإن العلاقات السودانية المصرية كانت طوال العهد المايوي الممتد من عام 69 إلى أبريل 1985م كانت أكثر من ممتازة. وتحقق التكامل واتفاقية الدفاع المشترك وفتحت الجامعات المصرية أبوابها على مصارعها أمام الطلبة السودانيين. وكانت تلك مكتسبات ضخمة للشعبين وربما كانت مكاسبنا نحن السودانيين هي الأكثر. ولما سقط النظام المايوي في أبريل 85 فإن النظام الجديد بدلاً من أن يبقي على تلك المكتسبات ويضيف إليها، فإنه راح يُلغيها الواحدة تلو الأخرى! وكان ذلك منتهى قصر النظر، إن ما قدمه النظام المايوي بالأعمال المحسوسة وليس بالكلام للعلاقات السودانية المصرية هو الأفضل، وكان أركان ذلك النظام يدركون أن مصر ليست أي جار، وأنه إذا كانت هناك خصوصية سودانية منعتهم من الانضمام لاتحاد الجمهوريات العربية أول السبعينيات، فإن نفس هذه الخصوصية حتّمت عليهم أن يقيموا علاقة خاصة مع مصر سواءً كان رئيسها هو عبد الناصر أو السادات أو مبارك. وفعلاً ظلت هذه العلاقة في طليعة ثوابت النظام المايوي منذ تأسيسه عام 69 وحتى انهياره في 6 أبريل 1985م.