غداً تمر سنة بالتمام والكمال على انتقال الرئيس نميري إلى رحاب ربه، وقد ودعه الشعب العظيم إلى مثواه الأخير بمقابر أحمد شرفي وداعاً مهيباً، إذ كان المواطنون يعرفون قدر الرجل وإنجازاته ووطنيته ونزاهته. وكانت العلاقة بين نميري والشعب منذ 25 مايو 69، تاريخ وصوله إلى الحكم؛ قائمة على الاحترام والحب وكان يشوبها أحياناً سوء تفاهم سرعان ما ينجلي. ولذلك استقبلته الجماهير عندما عاد من منفاه إلى الخرطوم في مايو 1999م، ولذلك أيضاً ودعوه بالحزن الذي من القلب وبالدموع الصادقة إلى مثواه الأخير في مايو 2009م. وبين المايوين، مايو 99 ومايو 2009م، عاش جعفر محمد نميري في وطنه رئيساً «سابقاً» مهيباً مهاباً معززاً مكرماً، وكان من النادر وربما من المستحيل أن يعيش الرئيس السابق في هذه المنطقة من العالم آمناً مطمئناً مثلما عاش جعفر نميري العقد الأخير من عمره، فالسودان في مثل هذه المسائل «حاجة ثانية». وكان الرئيس نميري محظوظاً وسعيداً بقيام انقلاب يونيو 1989م، فقبل يونيو كانت الحكومة السودانية تطالب بتسليم جعفر نميري من منفاه بالقاهرة لمحاكمته في الخرطوم بتهمة تدبير وتنفيذ انقلاب 25 مايو 69، وحاكمت بالفعل زملاءه اللواء خالد حسن عباس، والرواد أبو القاسم محمد إبراهيم وزين العابدين محمد أحمد عبد القادر ومأمون عوض أبو زيد. وبعد نجاح الانقلاب في يونيو 89 أفرج عنهم وبدأ الاتصال في وقت مبكر من عمر الإنقاذ بين الحكومة الجديدة والرئيس نميري. لكنه لم يعد إلى وطنه إلا في مايو 99م وما كان لهذه العودة أن تتم لولا حكومة الرئيس البشير التي عاملته طوال العقد الذي أمضاه هنا أفضل وأرقى وأعظم معاملة يمكن أن تعاملها حكومة لرئيس حكم الوطن بكل الإخلاص والاقتدار 16 سنة تقريباً. ومن الواضح أن الرئيس نميري كان يشعر بكثير من الامتنان للرئيس البشير ولحكومته، وربما لأجل ذلك خاض انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2000م، لا ليفوز ولكن ليعطي الانتخابات أهمية كانت محتاجة إليها في غياب زعماء الأحزاب الكبيرة. ويمكن أيضاً أن نفسر قرار الرئيس نميري بدمج تنظيم تحالف قوى الشعب العاملة الذي يرأسه في المؤتمر الوطني الذي يقوده الرئيس البشير من باب أن الرئيس نميري أراد أساساً أن يشكر الرئيس البشير وأن يدعمه بما يستطيع. وسوف يكتبون عن نميري ويتكلمون عنه وسوف يستمر البعض في مهاجمته والافتراء عليه وسوف يذهبون جميعاً ويبقى ما ينفع الناس ومنه تلك الإنجازات التي حققها، وما أكثرها.