{ ويتكئ مزاجي على مرفقيه يستنشق عليل الهواء المعطون بالمطر، ويكون في أحسن حالاته. فالمطر يبلل أرضه الجافة من الكافيين المدسوس في رائحة وطعم ولون القهوة، كما يبلل أرض الأماكن كلها ويملأ نفس مزاجي بأريج رائحة الطين اللذيذة التي تتكفل بإرساء كل غضب أو زهج غير مستقر فيه فيهدأ.. وأهدأ. { والعاصفة التي سبغت على هدوء مساء الجمعة الماضية صفة الهياج وأعلنت بسابق إنذارها أن موسم المطر قد حان جداً، والخرطوم المغضوب عليها في كل خريف فإما عاقبها الله عبر حصة الأتربة والغبار ومنح رحمة المطر إلى الأطراف القريبة منها، أو سلّط عليها أهل المحليات التي بعد تحصيل قيمة مضاف صيانة مجاري الخريف وتكويم تلال التراب (المنكوت) من المصارف، تعيدها بشكل غير مباشر إليها لأنها ببساطة لا تجمعها ولا تتصرف فيها. { وفي أحسن الفروض يكون العقاب في شكل طين لازب من مزيج سحري تتكفل بتكوين عناصره المميزة إدارة الطرق والجسور في محاولاتهم الجادة لتسوية الطرقات وسفلتتها والمحليات والمواطنون. { ومع أول رشات أنيقة من المطر تتحول أرضية الأمكنة والشوارع إلى حالة من الفوضى والشكوى.. والغريب في الأمر أن الجميع المشاركين في ذلك يتحولون إلى هيئة اتِّهام وتحقيق شفاهي في من هو المسؤول المباشر عن هذا؟ { فالمواطن الكريم الذي ينثر النفايات على الطريق ومياه الاستحمام بدلقها بدون رش يسهل تجفيفها للشمس ناهيك عن الأوساخ الموسمية كرش الخروف وريش الحمام دون الدجاج الذي أضحى منتوف الريش بدعوى أن المحلية مادامت تأخذ ضريبة النفايات كل أول شهر فهي ملزمة بجمع بعثرة إهماله وعدم مسؤوليته تجاه نفاياته الشخصية. وهو أمر لا علاقة للمحلية به من قريب ربما من بعيد حيث يحمل عمال النفايات ما تبقى في قعر الأكياس ما لم تتكفل القطط الضالة بخربشة مؤخرة الأكياس فتسقط من بعيد بقية النفايات قبل وصولها للعربة المكشوفة! { والمحلية تتهم بشكل مباشر المواطنين بجمعهم بدون فرز نظافة الذين يسيلون المياه بدون مطر على المجاري المخصصة لها، ولا يهتمون بنظافتها الشخصية، ولا يباشرون فتح المصارف بشكل شعبي حتى لا ترهق المحلية بمصاريف العمال ومقاوليهم ولتخصيص تلك الميزانية لأشياء أخرى قد تبدو غير مهمة للمواطن لكنها ضرورية لموظفي المحلية كمكيفات الهواء وتبليط الأرضيات والحوائط والمشاركة في شركات البيع بالتقسيط لإكمال بيوت الموظفين المستضعفين أكثر من المواطنين الأشرار. { أما أسرار الهيئة القومية للطرق والجسور إن لم أكن مخطئة في عنونتها الصحيحة فهي بعيدة عن متناول الأيادي لأسباب تتعلق بنشاطها غير المتحدث عنه، وأنهم يحبون أن تتحدث أعمالهم بدلا عن أقوالهم. { وأعمالهم تكون بداية من وضع اللافتة الشهيرة بأن الطريق تحت التشييد أو التصليح، ثمّ الردميات حمراء الصبغة والحصى والأسلفت حتى يتكون الطريق ويصلح للسير فوقه لتعود اللافتة من جديد، فقد امتلأ وجه الطريق بالحفر والنتوءات جراء انفجار مواسير المياه تحته أو فوقه.. وتتهم الشركة المنفذة وهي واحدة دائماً يرسو عليها عطاء كل طريق المحلية التي يتبع لها الطريق والمواطنون وكل شخص يقود سيارة في ذاك الدرب! { ودروب الحلول التي يحاول الجميع في عهد الديمقراطية الجديد المشي فيها بنزاهة وخطوات جادة نحو توفير ما يلزم لحياة جيدة للمواطن بمختلف فئاته، تبدو متوقعة ومعروفة كما بشّرت بها زخات المطيرة الفائتة حيث أحالت معظم المصارف المنظفّة قبلاً إلى مكان تجمع لكل ما حملته الرياح السابقة واستبقى خفيف المطر فيها لتتحول بعد حين إلى صغار البعوض و.. يا إلهى أليس هي ذات الدائرة القديمة التي تبدأ بالخريف وتنتهي بالاتهامات! { حسناً، الآن انتهت تماماً رائحة المطر من خلايا مزاجي وعدت لدرب القهوة فقد تطيّنت أرضه من هذا الحديث المكرر الذي لا نهاية له حتى نهاية المطر غير المتوقع في كل عام! إذن كيف تتوقع أيها المزاج أن تستمر متكئاً بمزاج في موسم الأمطار والبيوت ستخر سقوفها والطرقات أيضاً!!