وصلتني بتاريخ الجمعة رسالة من شاب تعليقاً على موضوع الخميس الماضي بعنوان (تخمّس) في ما يتعلق بتعاطي المخدرات وتحديدا (البنقو) كأكثر الأنواع المتوفرة، والتعقيب والتعليق عليه من وجهة نظري التي طالبني بها الشاب الذي أتحفظ على اسمه من باب الأمن والسلامة له ولكم هذي الرسالة: ( سلام، هل تعلمي أن آخر إنسان في العالم يمكن أن يرتكب جريمة هو مدخن البنقو مهما تعرض لاستفزاز أو إساءة؟ البنقو يرخي الأعصاب بصورة غير طبيعية. الكلمة أمانة، عندما تكتبين عن موضوع يجب أن تكوني ملمة بكل تفاصيله، وراجعي كل محاضر الشرطة هل هناك مسطول ارتكب جريمة؟ أو سمعت بمسطول يترنح في الشارع؟ قمة العقل وأرجح الآراء تخرج من المساطيل، ليس دفاعا عن البنقو ولكنها حقيقة، أنا دخنت البنقو لفترات متباعدة وليس باستمرار، لا أبحث عنه لكن إن وجدته أتعاطاه، على الأقل يشعرني ببعض السعادة التي تفارقني منذ ميلادي في هذا البلد التعس، وأعلم أنه مضر ضرر التدخين الطبيعي وأخف من ذلك لأن البنقو يصعب إدمانه. وما تفضلتي بذكره في مقال (تخمّس) يحدث لشاربي الخمر (العرقي) والفرق شاسع بينهما. بدل ما قاعدين تنظروا في الفارغة وحريات الناس اكتبوا عن حال بلدنا الذي يفتقد لأبسط مقومات الحياة ولا يصلح لحياة بشر)! ( انتهى رد التخميس) وكان لي صديق في ذات مهنتي، لما كانت تفاجئني جملة غير مألوفة في العموم أو فكرة مادة عامود صحفي غير مطروقة كان يعلّق ( بس كلام مساطيل!) ويمضي التعليق والموضوع والصديق إلى عالم النسيان ويبقى عالم المساطيل حافلا بالغريب والمفارق للمنطق مما جعله ممتلئا بالسخرية والمضحك حد البكاء. ومحاضر الشرطة الممنوحة لصفحات الجرائد اليومية تضبط يوميا متعاطي المخدرات - المختصرة في البنقو كغالب على البقية - والمروجون لعمليات البيع والتعاطي، ومؤخرا دخلت الفتيات بكامل أنوثتهنّ في عالمه ومن كل مداخله كمسهلات أو متعاطيات وتاجرات ! وهو أيها الشاب المدافع عنه جريمة في حدّ ذاته دون الحاجة إلى إفضائه إلى أخرى أخطر منه. والخطر الذي تقلله إلى حد إنزاله إلى مرتبة السيجار العادي هو أيضا أذى في حد ذاته، هل سمعت عن قضية التعويض الشهيرة في أمريكا منذ أعوام لرجل أصيب بسرطان الرئة جراء تدخينه للسيجارة العادية ورفعها ضد شركة التبغ وكسبها بتعويضه ملايين الدولارات؟ والنرويج وهولندا - ودول أخرى - وافقتا مؤخرا على قانونية تعاطي (الماريغوانا) - زى البنقو - للمصابين بالسرطان فقط، لما تحتويه من مواد مخدّرة تهدئ الألم القاسي الذي تسببه الخلايا السرطانية بانتشارها.. ويكون التعاطي بنسبة محددة وبفترات يوصي بها الأطباء لأن الجرعات الزائدة تؤدي إلى خلل دماغي بعيد المدى! وما تفضلت أنت بذكره بأنه يرخي الأعصاب بصورة غير طبيعية! يبدو كذلك متناقضا مع معلومة أن أرجح الآراء وقمة العقل تأتي من المساطيل، فكيف يمكن لفرد مرتخي الأعصاب أن تتحفز في المخيخ لديه خلية وتنشط لإخراج حكم رشيد ورأي سديد . إن اعترافك بذنب تعاطيه غير المستمر وبالتالي عدم إدمانك له وعدم وجود ضرر ولا ضرار منه إنما هو كحال المخمور الذي يقسم أن الباب الذي أمامه يتحرك وليس هو! وكله في القانون الجنائي جريمة (فمن تعاطي الممنوع عمدا غير شك يتعاطى الحرام)! ولا تحسبنّ أيها الشاب أننا نجلس يضرب قفانا هواء التكييف البارد لنخرج نظريات كالمرايا بزوايا جمالية تقول إن هذا البلد نموذج أرضي لرضاء الله عن العباد. إن أول ما قمت به قبل كتابة مادة العامود هو الاتصال بلواء في الشرطة - بالغ الكرم والتعامل الأنيق - يحمل من الصفات والمناصب ما لا تسعه مساحتي لأسأله عن المخدرات في العموم والبنقو بالتحديد، فأضاف وأفاض من معلومات صادقة وحقيقية قد تصبح تحقيقا تراه في صحيفتنا هذي، وبحثت أيضا مع شباب مثلك تحدثوا بلا تسجيل عن غرامهم المحرّم (للسيجارة الخدرا) ولذات أسباب السعادة البيتمناها ليه ! لهذا هو ليس تنظيرا في الفارغة، فما تراه أنه حرية شخصية لك يراه أهلك بالضرورة حربة مغروسة في جيب أموالهم وقلوبهم وأنوفهم ويراه المجتمع أذى جسيما لتعطيلك أعصاب دماغك أوقاتا من زمان شبابك وزمان عطائك. أما عطاء هذا البلد التعيس وبقمّة عقلك المسطول ستراه واضحاً في انبهار العمالة الأجنبية على أرضه لتنهل من أخضر أرضه زرعا، ونفطا، وذهبا، وليس بنقو!