هناك فئة من المصريين تنظر للسودان والسودانيين نظرة استعلائية، وهناك فئة ترى أن انتماء مصر الحقيقي إلى المشرق العربي وليس إلى وادي النيل. وأن مصر كلما كانت قوية مزدهرة طامحة؛ اتجهت شرقاً. وكلما كانت ضعيفة اتجهت جنوباً، ومن أبرز ممثلي هذه الفئة؛ الجغرافي الكبير الدكتور الراحل جمال حمدان، مؤلف «شخصية مصر». والأستاذ هيكل حالة خاصة في تعامله مع السودان وحكوماته، وهو حالة خاصة جداً في تعامله مع الرئيس نميري، وقال صاحبي إنه «لم يصدق الرواية التي ذكرها مؤسس جريدة الصحافة المرحوم عبد الرحمن مختار في كتابه - خريف الغضب - وفحواها أن جعفر نميري ضرب الأستاذ هيكل في وجود عبد الناصر، الذي قال له: موش كده يا قعفر؟! وأضاف صاحبي أنه تمنى لو أن ذلك كان صحيحاً». ولو أن الأستاذ هيكل كان يقدم بلده مصر على كل ما عداها؛ لحمل للرئيس نميري تقديراً خاصاً، فهو الحاكم العربي الوحيد الذي وقف معها في كل الظروف، ووقف معها وهي ناصرية، ثم وهي ساداتية، ثم وهي مباركية، وهو الذي رفض أن يقطع علاقاته معها بعد أن اعترفت بإسرائيل في مارس 1979م. ولم يفتح الله على الأستاذ هيكل بكلمة واحدة عندما سحب العقيد القذافي طائراته من مصر في عز حرب أكتوبر 1973، وما أكثر ما يمكن أن يكتب عن المودة والمحبة اللتين يكنهما الأستاذ هيكل للرئيس الليبي. وهو لا يعترف بأن 25 مايو ثورة، لا لشيء إلا لأن قائدها هو نميري، ولأنها سودانية «أما الفاتح من سبتمبر فثورة قد الدنيا، و23 يوليو ثورة الثورات»، وهي جميعها انقلابات عسكرية أحدثت تغييرات جذرية، في السودان وليبيا ومصر، وكانت لها أخطاءها. وعبد الناصر، معبود الأستاذ هيكل، زعيم كبير، ما في ذلك شك، لكن الرئيس نميري يتفوق عليه في مسألة ذات أهمية عليا، ولا يستطيع الأستاذ هيكل أن يعترف بها، وهو لا يستطيع بسبب حبه الأعمى لجمال عبد الناصر وكراهيته العمياء لجعفر محمد نميري، وهذه المسألة هي أن الرئيس نميري عندما أبعد من الحكم في أبريل؛ كانت مساحة السودان مليون ميل مربع، أي أنه لم يفرط في شبر واحد من التراب الوطني. وعندما مات عبد الناصر في سبتمبر 1970 كانت سيناء محتلة، ومساحتها تعادل ثلث مساحة مصر. لقد سلم نميري الأمانة كاملة، وسلم عبد الناصر الأمانة ناقصة، وكان النقص كبيراً، أليس هذا فرقاً يستحق الذكر بدلاً من الكذب إلى درجة أن الإمام الهادي قتل (بالمنقة المفخخة)؟ لقد ضحك السودانيون وقتها، وهم يشاهدون الأستاذ هيكل على قناة الجزيرة، كما لم يضحكوا من قبل، ولقد كنا في الماضي نقرأ ونسمع الأستاذ هيكل لنتعلم، وإذا ما سمعناه مرة أخرى فسيكون الهدف الأساسي هو أن نضحك عليه، وما أبشع النهايات.