صلة اليهود بإفريقيا قديمة ولم تنقطع عبر التاريخ ولاتقل في عمرها الطويل عن عمر المشروع الصهيوني في أوروبا وأمريكا. لقد أنصب تفكير مؤسسو الصهيونية العالمية من أمثال (هرتزل) نحو إفريقيا على أساس إنها امتداد طبيعي لإسرائيل أكثر من كونها وطناً بديلاً لليهود، ويعزز ذلك الاعتقاد ما أشار إليه اليهود في كل مؤتمراتهم التي عقدوها لاستقرارهم في مناطق يستطعيون أن يفلحوها ويعيشون فيها بسلام وأمان بعد الضغوط التي تعرضوا لها في روسيا. اتفق اليهود في مؤتمراتهم تلك على أن حدود إسرائيل تمتد من الفرات إلى النيل تركز تفكير هرتزل في إقامة وطن قومي لليهود في يوغندا وشرق إفريقيا وجنوب السودان، وقام بمخاطبة اللورد كرومر في عام 1903م و 1907م من أجل إقامة وطن لليهود في جنوب السودان باعتبار إن السودان مستعمرة بريطانية. في عام 1917م كان وعد بلفور المشؤوم بالإعلان عن إقامة وطن لليهود. مثلما عرف اليهود إفريقيا كذلك عرفوا السودان القديم حيث كانت هجرة بعض الجاليات اليهودية للسودان ولقد استقرت تلك الجاليات في دولة مروي القديمة وهذا يؤكد صحة الدعاوى التي تحدثت عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو له جذور تاريخية بمنطقة مروي. الجاليات اليهودية الموجودة بإفريقيا حالياً أصبحت تملك وتسيطر على كل مفاتيح الثروة والسلطة بالدول الإفريقية وأصبحت تتحكم في الشؤون الداخلية لها بعد أن أصبح حكامها عبارة عن دمي يحركها اللوبي الصهيوني كما يشاء!! مواقف السودان القومية والوطنية المشرّفة التي وقفها كحارس أمين للبوابة الجنوبية للأمة العربية وكعمق إستراتيجي لها في كل الحروب العربية الإسرائيلية منذ حرب 1956م وحرب 1967م وحرب 1973م هذا بالإضافة إلى مؤتمر الخرطوم المشهور بلاءاته الثلاث كل ذلك أكسب السودان العداء الإسرئيلي التاريخي الذي عبّر عنه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي مؤخراً بقوله:«هدفنا إضعاف السودان لجعله مشغولاً بنفسه في كل الأوقات حتى لا يدعم قضايا أمته العربية». كما عبّر عنه كذلك أحد اليهود المتنفذين بالإدارة الأمريكية في عهد بوش بقوله: «السودان يهدد أمننا القومي ولن نسمح له بالإحتفاظ بأراضيه الواسعة واستغلال موارده وثرواته الضخمة». الاستهداف الإسرائيلي للسودان بدأ بمحاصرته عن طريق إقامة حزام أمني من الدول الإفريقية التي تقع في نطاق الأمن المباشر للسودان كما بدأ بدعم كل حركات التمرد منذ التمرد الأول في 18أغسطس 1955م ثم التمرد الثاني الذي قاده الفريق جوزيف لاقو حيث قامت إسرائيل بتدريب أكثر من مائتي ضابط من قوات الأنانيا الأولى هذا بالإضافة للدعم بالأسلحة والذخائر والخبراء العسكريين كما جنّدت لهم المرتزقة الأجانب من أمثال (إشتاينر) المرتزق الألماني الذي فرّ هارباً عند دخول قواتنا لمعسكر (مورتو) بغرب الإستوائية وقد تم إلقاء القبض عليه بيوغندا ومحاكمته. استمر الدعم الإسرائيلي لكل حركات التمرد بجنوب السودان حتى بلغ ذروته في الورقة الأولى بمركز الدراسات الإستراتيجية الأمريكي التي وضعها ثلاثة من اليهود العاملين بالمركز ورابعهم الدكتور فرانسيس دينق ابن السلطان دينق مجوك. لقد شكّلت هذه الورقة الأمريكية المرجعية الأساسية لإتفاقية نيفاشا (الكارثة) كما تضمنت هذه الورقة أيضاً مشروع كوهين الذي قدمه في بداية التسعينيات بجوبا ونادى فيه بإنسحاب القوات المسلحة السودانية من جنوب السودان إلى شمال حدود عام 1956م وكل هذا تضمنته إتفاقية نيفاشا ثم تم تنفيذه حرفياً. كوهين المشار له أعلاه يهودي يعمل بالإدارة الأمريكية ومسؤول عن الشؤون الإفريقية، المعروف تاريخياً إن بريطانيا كانت تسعى لفصل جنوب السودان وضمه إلى دول شرق إفريقيا وهذا ما كان يسعى له مؤسسو دولة إسرائيل كما أوضحنا سابقاً أزمة إتفاقيات مياه النيل التي كانت مسكوتاً عنها منذ توقيع إتفاقيات مياه النيل لعام 1929م و1959م وحركتها إسرائيل مؤخراً والقصد من ذلك هو بناء دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل بعد أن أحكمت سيطرتها على الدول الإفريقية المجاورة للسودان كما إنها تهدف من وراء ذلك إلى ضمان وصول مياه النيل إلى صحراء النقب الإسرائيلية ولمحاصرة مصر والدول العربية والإسلامية من الناحية الجنوبية ولوقف المد الإسلامي والثقافة العربية إلى الدول الإفريقية جنوب الصحراء. أرض الجنوب الآن خالية بعد هجرة سكانها إلى الشمال ولجوئهم لدول الجوار، وسيساعد هذا الوضع إسرائيل لتشجيع الجاليات اليهودية للاستيطان بجنوب السودان تحت ستار شركات الاستثمار والتجارة والمساعدة في تنمية دولة الجنوبالجديدة وبذا يكون أحفاد هرتزل قد حققوا أحلام أجدادهم في إقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل عن طريق إتفاقية نيفاشا (الكارثة). هكذا يصبح جنوب السودان وطناً بديلاً لليهود وسيصبح أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالمنطقة يهدد خطرها كل دول القارة الإفريقية والدول العربية. هل فكّر الإخوة الجنوبيون في هذا السيناريو المرعب؟! وهل يقبلون بأن يكون جنوب السودان وطناً بديلاً لليهود في مطلع القرن الحادي والعشرين؟! وهل يقبلون بعودة تجارة الرقيق التي كان يمارسها الرجل الأبيض عليهم من قبل؟! وهل يقبلون بأن يصبحوا عبيداً في وطنهم؟! هل فكّر الإخوة الجنوبيون في المصير المظلم الذي يقودهم له قادتهم ومثقفوهم؟! ختاماً أسال الله أن يحفظ الوطن الجريح بفعل نية الطامعين في السلطة بلا فكر وبلا وعي ورحم الله من قال إن الفكر المتخلف أكثر خطورة على الإستراتيجية من السلاح المتخلف! وبالله التوفيق. فريق أول ركن - زمالة كلية الدفاع الوطني أكاديمية نميري العسكرية العليا