رجل طوَّع الظروف الصعبة رغم إعاقته لكنه بدل هذه الصفة إلى صفة إيجابية، فتراه صابراً وصامداً على ما ابتلاه الله به، وراضياً بهذه القسمة، كما أنه متفاعل مع عالمه الذي أحبه وأعطاه جهده فصار ناجحاً. «الأهرام اليوم» كانت في ضيافته ووقفت على تجربته مع الحياة، فجاءت إفاداته مدهشة، فماذا قال لنا؟ صابر الحارث عبد الرحمن، وهذا اسمه، ولد وتربى بدنقلا، ومن ثم انتقلت الأسرة إلى أم درمان وهو صغير السن، وتعلم القراءة والكتابة من خلال مجموعة من الأقارب والأصدقاء، إذ قال: كانوا يحضرون لي مجلة الصبيان، وكنت أقرأها باستمرار، وتواصل هذا الحال إلى أن توفي والدي وترك لي إخوة «بنات» فأصبحت أنا عائلهم، فبدأت بعمل الطعمية بالقرب من الشارع، وهكذا كنت أصرف على عائلتي، والإعاقة لم تمنعني من العمل. ومضى قائلاً: في عام 1961م تمت مصادرة جميع أدوات عملي من قبل الجهات المسؤولة في ذلك الوقت لعدم امتلاكي ترخيصاً، فذهبت إلى البلدية من أجل إرجاعها، فلم يتم إرجاعها لي، ولكنني لم أيأس وبدأت أفكر ماذا أفعل، فطرح علي أحد أصدقائي فكرة «كشك جرايد» وفي نفس اليوم بالمساء طلب مني أن أعمل «كشك مرطبات» فقمت بكتابة الطلب وتم التصديق عليه، وعملت على بناء «الكشك» من الخشب، وباشرت العمل ونجحت نجاحاً باهراً. وفي ذلك الوقت لم تكن لديّ عجلة، وكنت أزحف من المنزل حتى «الكشك»، وكان يساعدني في العمل أربعة من العمال الذين يقومون بعملية تحضير عصير الكركدي، وكنا «بنخلص» جوال سكر في اليوم، فأصبحت معروفاً في بانت وكذلك خارجها، ولدي زبائني، وأصبحت علاقتي مع الأصدقاء قوية جداً، وشاركت في مجالس آباء من أجل تقديم الخدمات للناس. وفي سنة - لا أذكر تاريخها - عندما كان مهدي مصطفى الهادي محافظاً للخرطوم، في تلك الفترة تم إصدار قرار بإزالة جميع الأكشاك الموجودة بالقرب من سوق أم درمان، فقمت بكتابة طلب للجنة الشعبية، وحكيت لهم ظروفي فتم إعفائي من الإزالة بشرط أن أبني «الكشك» من المواد الثابتة، وبلغت تكلفة البناء بلغت حوالي أربعة آلاف جنيه وقتها، ورغم أنني لم أكن أملك ذلك المبلغ؛ لكن بفضل الأقارب والأصدقاء تم البناء، وهو موجود حتى هذه اللحظة. واستطرد قائلاً: لقد كنت عضواً باتحاد المعاقين، وكان يضم عدداً قليلاً، من بينهم الطيب سماني الشيخ، وحسن أحمد سعيد، اللذان حدثت لهما الإعاقة في الجيش، فأنشأنا الجمعية السودانية لرعاية وتأهيل المعاقين، وكان الهدف منها تعليم المعاقين مجموعة من الحرف، وتعليمهم القراءة والكتابة، واشتركت فيها من خلال أصدقائي من المعوقين. وأضاف: في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري وجدنا رعاية كبيرة جداً، فقد خصص لنا طائرة حربية يسافر بها المعاقون إلى القاهرة من أجل المشاركة في مجموعة من المباريات الرياضية مثل رمي الجلة وكرة اليد ورمي الرمح والقفز للذين لديهم رجل واحدة، ولقد فزنا بميداليات ذهبية، وأشاد بنا الرئيس نميري وقد أصدر قراراً بالسماح للمعاقين باستيراد أي عربة من الخارج ولا تفرض عليها رسوم جمارك، وأنا شخصياً أحضرت عربة من المملكة العربية السعودية ولم أدفع رسوماً للجمارك. وأضاف: في عام 1975م اقترحت والدتي فكرة الزواج وكنت متخوفاً بعض الشيء، ولكن والدتي أصرت وكنت حريصاً جداً على إرضائها فاختارت العروس وهي من قريباتي، وتم الزواج، وخير الدنيا هي المرأة الصالحة، فزوجتي امرأة صالحة أدخلتني في تقوى كبيرة، وهي صبورة جداً معي، رزقت منها بثلاثة أبناء توفي منهم اثنان، ولدي ولد وهو خريج دخل حقل العمل الآن. وناشد العم صابر وزارة الرعاية الاجتماعية أن تنظر بعين العطف لكل المعاقين في جمهورية السودان، وأن تلتفت لقضايا المعاقين من تعليم وصحة وغيرهما من القضايا. وتساءل: «أين قانون المعاقين لعام 1984مع العلم بأن القانون أجيز في المجلس الوطني ولكن أين التنفيذ؟». وفي ختام حديثه قال: «أطلب من كل المعاقين، بل من كل الناس؛ الاعتماد على أنفسهم، وأن يأخذوا رضا الوالدين وخصوصاً رضا الأم، فالجنة تحت قدميها».