ظلت وزارة الشباب والرياضة لفترة من الزمن تأتي في ذيل الأولويات ومؤخرة الاهتمامات، حتي فقدنا الأمل في إصلاح حالها، وأصبحنا نلعن اليوم الذي جعلنا من ضمن العاملين بها. والوزارة فعلاً تعاني من أزمة حادة، في العزم لا في الفهم، فالوزارة وللأمانة تزخر بالعديد من الكوادر المؤهلة الفاعلة، ومما يحمد للأخ عبد الهادي محمد خير أنه استطاع أن يحشد كماً هائلاً من العناصر الخبيرة الخيرة، ولكنه للأسف لم يستطع أن يحفزها معنوياً، حتى يستخرج ما لديها من مكنونات إبداعية، لأنه لم يتمكن من مبارحة الأسلوب الطلابي في الإدارة، وهذا ليس انتقاصاً من المقدرات الطلابية، فكلنا من الكوادر الطلابية، ولكن الأسلوب الطلابي في الإدارة يختلف عنه في الخدمة المدنية، وهذا ما لم يدركه الأخ عبد الهادي محمد خير، ولكن وللأمانه أقول إنه من الحادبين على المصلحة العامة، ولا يعوزه الإخلاص والجدية والتفاني، وقد فعل ما في وسعه، ولكن بأسلوب قد يجدي في مؤسسات محض تنظيمية، وليس في مؤسسات الخدمة المدنية التي تعاني من كثير من الإشكالات المعقدة، التي لا يجدي معها ذلك النوع من الأساليب الإدارية القائمة على ليّ الذراع والقهر والتعسف الإداري واستغلال سوء الأوضاع المالية للموظفين لإجبارهم على الدخول ضمن مجموعات الضغط التي تعمل من أجل التكريس لعبادة الأفراد والتسبيح بحمدهم، خدمة للمصالح الشخصية، والويل لك إن لم تدخل ضمن هذه المجموعة التي تعرف باسم الموظف الإداري الأول بالوزارة، هذه الشلليات ومجموعات الضغط هي التي أضعفت العمل بالوزارة، وجعلتها منبتة الصلة بالمجتمع، لا تأثير لها ولا أثر، وحسناً فعل الأخ حاج ماجد حينما طرح برنامجه وسياسته للعمل بالوزارة في لقاءاته المتكررة مع مختلف الإدارات بالوزارة، التي أعتقد أنه أصاب فيها عين الحقيقة، فقد ذكر خلال حديثه أنه سوف يعمل على توفير الدعم السياسي للمناشط التي تنفذها الوزارة، وذلك من خلال حضوره شخصياً لكافة المناشط التي تنفذها مختلف الإدارات سواء تلك التي تتبع لإدارة الرياضة أو تلك التي تتبع لإدارة الشباب، وأعتقد أن هذا ما كانت تفتقده الوزارة في الحقبة الماضية، فقد كان الوزراء يبتعثون ممثلين لهم متناسين القاعدة الشعبية التي تقول إن (البكاء لا يحرره إلا أهله) بالإضافة إلى أن حضور الشخصية السياسية الأولى لمناشط الإدارات يضفي على هذه المناشط ألقاً وبريقاً، وهذا يؤدي إلى تحفيز الموظفين تحفيزاً معنوياً كبيراً. ومما قاله السيد الوزير إن من الضروري تفعيل البروتكولات والاتفاقات بين الوزارة والأمم المتحدة من جهة، وبين الوزارة ووزارات الشباب والرياضة بالدول الصديقة والشقيقة من جهة أخرى، والاستفادة من كل ذلك في رفع قدرات الموظفين وتأهيلهم لإنتاج فاعل وثر. علماً بأن هناك الكثير من هذه الاتفاقات مصادق عليها، ولكن سوء المتابعة والدخول في تفاصيل التفاصيل وانشغال الجهات الإدارية العليا بأعمال هامشية مثل متابعة الحضور والانصراف ومتابعة أعمال أخرى هي من صميم اختصاصات مديري الإدارات؛ هو الذي أضاع فرص الاستفادة من هذه الاتفاقات والبروتكولات، لذلك لا بد من نفض الغبار عن هذه الاتفاقات وتفعيلها وعقد المزيد منها وتوسيع دائرة المشاركة لتشمل كل الموظفين وليس أولئك الذين ينتمون لمجلس الوزير أو الوكيل. وأيضاً من الأشياء التي تعمق دور الوزارة في المجتمع؛ الاهتمام بالولايات حتى لا تصبح الوزارة وكأنها وزارة لولاية الخرطوم، مما يضمن فاعلية الولايات واستحقاق الوزارة للقب الاتحادية. لا بد من مشاركة الوزارة وانفعالها بالمناشط القومية حتى لا تبدو وكأنها تعيش في جزر معزولة عن الهموم والقضايا القومية، وهذا في حد ذاته يضفي عليها البعد القومي، ويجعلها حاضرة في العمق السياسي والاجتماعي. ومن المشاريع التي تنم عن وعي عميق وإدراك سياسي شامل وتفهم للإشكالات التي يعاني منها الشباب؛ ذلك المشروع الذي أطلقه السيد وزير الشباب والرياضة في لقائه النوعي مع الإدارة العامة للشباب وهو مشروع التنمية السياسية للشباب، مما يضمن حشد المقدرات الشبابية وتوجيهها الوجهة التي تصب في النهاية في المصالح الإستراتيجية العليا للدولة، وإذا قدر لهذا المشروع أن يرى النور فإن ذلك يعتبر ثورة حقيقية في ربط الشباب بالقضايا، ومشاركتهم في الهموم الوطنية الكبرى، وفي هذا الإطار لا بد من تفعيل مؤسسات المجتمع المدني؛ لأن جل العاملين بهذه المؤسسات من الشباب، والشباب المستنير الذي لم يرض أن يقف في الرصيف، فأنشأ هذه المؤسسات ليسهم في حل قضايا وطنه وإشكالاته السياسية والاجتماعية، فهذا المشروع يصب بالتأكيد في مصلحة الوطن. وأيضاً اشتمل خطاب وزير الشباب والرياضة على العديد من الأفكار النيرة الخيرة، مثل مشروع التمكين الاقتصادي للشباب عبر مشروع الخمسة ملايين شاب وشابة، ولكن حتى نكون أكثر واقعية، ينبغي أن تتم مراجعة هذا العدد الذي يستهدفه المشروع، ومرحلته، وباكتمال المرحلة الأخيرة نكون قد مولنا مشروعات لعدد مليون ونصف المليون، على أن يكون المشروع الذي يتم تمويله يستوعب أكثر من أربعة من الشباب كعمالة وبشروط خدمة مجزية وبذلك نكون قد ضمنا توفير فرص عمل لأكثر من ستة ملايين شاب وتم انتشالهم من هاوية البطالة. الأخ وزير الشباب والرياضة، إننا نطمح في أن يجد الشباب في عهدكم مزيداً من الرعاية والدعم المعنوي الذي هو في رأيي أساس تفجير الطاقات والمواهب والإبداع.