{ دعوني أبدأ بهذه الواقعة الطريفة، شدّد خطيب المسجد في تلك الخطبة على المصلين أيّما تشدُّد، لدرجة قفل فيها كل منافذ وأبواب النجاة أمامهم، على أنهم سيعيشون في هذه الدنيا معيشة ضنكاً ويوم القيامة يردون إلى أشدّ العذاب، لم يملك ساعتها عمنا عبد الرحيم إلا أن ينهض وسط المسجد مخاطباً الشيخ الإمام بقوله (يا زول هوي الله مو كعب كدي)! { والشيء بالشيء يُذكر، وفي المقابل لا أظن أن الحكومة بهذه (الكعوبية)، وتعود القصة، موضوع المقال، إلى أن الحكومة قد قامت بهدم أحد المساجد بمدينة أبو سعد بأم درمان، هكذا كانت الرواية التي سارت بها الرُّكبان «الحكومة تهدم المساجد»، حكومة المشروع تهدم مؤسسات المشروع وآلياته وأدواته، ومن المهاتفات التي تلقيتها بهذا الشأن، مكالمة من أحد الأخوان الجنوبيين، وهو يومئذ مسلم حسُن الإسلام، لكنه كان منزعجاً جداً، وهو واحداً من المستفيدين من هذا المسجد، قال (هل تخلّت الحكومة عن مشروعها الإسلامي)؟، وكنت منذ اللحظة الأولى لاندلاع هذا الخبر، - والحديث لمؤسسة الملاذات الجناح الفكري- أتصوّر أن للأكمة ما وراءها، إذ لا يُعقل أن تستقيظ الحكومة من نومها لتطيح في المساجد هدماً وتحطيماً! على أن تبدأ عمليات هدم المشروع برمته من أبي سعد! { ولما كان هذا النبأ يُصنّف من أنباء الجريمة، فإن قسم الحوادث بهذه الصحيفة قد استفتى العلامة الشيخ عبدالمحمود أبّو، الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار، ويُحمد للشيخ أبّو أنه لم يسر في الموكب على غير هدى ولا كتابٍ منير، كما أن الأمانة العلمية والأخلاقية التي يرتكز عليها الرجل الأنصاري قد عصمته من اهتبال هذه الفرصة للانتقام من مشروع الإنقاذ الحضاري، وكانت أمامه فرصة هائلة ليقل فيه ما لم يقله مالك في الخمر، وذلك على شاكلة «ألم نقل لكم إنهم تُجّار، وها هم الآن يظهرون على حقيقتهم وهم يهدمون بيوت الله»! فقد ذهب الشيخ أبّو مباشرة لتخريج هذه الواقعة من منظور شرعي محض، فقال إن المساجد مشروعات عامة، فلا يجوز تشييدها على أرض تخص أحد المواطنين، ما لم تقم الحكومة بتعويضه ويقبل هو هنا التعويض، وأن الرسول صلى عليه وسلم قد اشترى الأرض من غلامين قبل أن يشيِّد عليها مسجده. { ولمزيد من التوثيق فقد قمت، - والحديث لمؤسسة الملاذات-، بالاتصال على الدكتور أبو كساوي معتمد محلية أم درمان، وذلك لكون محليته هي مسرح هذه الواقعة، وأبو كساوي من المسؤولين الذين يُعلون من شأن «السلطة الرابعة»، فكان الرجل على الخط والمسؤولية، فقال إن هذا الموضوع من الملفات المعلّقة، وهو يخص بالدرجة الأولى وزارة الشؤون الهندسية، وهي الجهة التي قامت بتنفيذ أمر الإزالة، والقصة ببساطة، يقول أبو كساوي، إن هذه الأرض تخص أحد المواطنين، وشرعاً لا يجوز -والحديث للشيخ أبو كساوي-، أن نتخذها مسجداً لأن صاحب الأرض يطالب بأرضه، غير أن «النسخة الأصلية» لهذه الحكاية عند الشؤون الهندسية، وزوّدني الشيخ أبو كساوي بهاتف وزارة الشؤون الهندسية، ولكني اكتفيت بهذه المعلومة التي قال بها المواطنون ووثّقها رجل بدرجة معتمد وبرتبة شيخ وبشهادة دكتوراة. { فحكومة المشير البشير التي احتفلت منذ أيام قليلة بافتتاح مجمع ومسجد النور، كأكبر مؤسسة دعوية بعد الأزهر الشريف في المنطقة، المناسبة التي شهدها إمام المسجد النبوي الشريف وأمّ المصلين فيها الشيخ السديس إمام الحرم المكي، حكومة بهذه الهمة في تشييد المجمّعات الإسلامية الكبيرة، لا أتصوّر أنها وبين يدي شهر رمضان تقوم بتخريب المساجد وليس إعمارها. بل إن الإسلاميين متهمون بأنهم صنعوا المزيد من المساجد، ثم أدخلوا الناس فيها ثمّ خرجوا هم ليعمِّروا لهم الدنيا! مخرج: ليسو سواء الذي أسرج شرعتها من الماء المقدّس والذي يرصد شمعتها بأنفاس المسدّس