تصاعدت الأزمة بين السودان ومصر، ووصلت ذروتها باتهام الرئيس السوداني، عمر البشير، للنظام المصري بدعم الحركات السودانية المسلحة، ومساعدتها في تنفيذ عمليات عسكرية في دارفور. وتبعها تهديد غير مباشر من قبل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بملاحقة الإرهابيين داخل السودان، عقب مجزرة المنيا، التي قتل فيها 29 قبطياً، وجرح العشرات، وتبناها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وأرجأ وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، زيارة مقررة إلى مصر اليوم الأربعاء لبحث القضايا العالقة بين الدولتين، ضمن اجتماعات اللجنة السياسية التشاورية المشتركة. وعزا غندور الخطوة إلى انشغالات داخلية، بينما أكدت مصادر "العربي الجديد" أن خطوة الخارجية تمت بعد توجيهات عليا بإلغاء الزيارة، مؤكدة أن الخارجية واجهت ضغوطات داخلية قوية لإلغاء الزيارة ووقف أية محادثات دبلوماسية مع مصر، لاسيما في ظل اتهام البشير المباشر للقاهرة بدعم العمليات العسكرية التي وقعت في دارفور الأسبوع الماضي. ولا يستبعد مراقبون أن تتصاعد حدة الأزمة بين البلدين، في ظل تصريحات رئيسي البلدين، وقد تمتد نحو الحدود السودانية الليبية، وتنتهي إلى أزمة إقليمية. وتوقعوا أن توجه مصر ضربة حدودية إلى السودان من دون أن تتطور إلى مواجهات ميدانية. واعتبروا أن الأزمة برمتها مرتبطة بتطور الأوضاع الإقليمية، وتباعد مواقف البلدين، وتناقضها حول القضايا الإقليمية، لاسيما ما يتصل بالحرب في جنوب السودان وليبيا. ويرى المحلل السياسي، أحمد ساتي، أن خطورة الأزمة بين البلدين تكمن في اتهام البشير لمصر بدعم المتمردين بصورة مباشرة، وتهديد السيسي المبطن للسودان بضربه عسكرياً، لا سيما أن لدى القاهرة قناعة بوجود عناصر في جماعة الإخوان المسلمين في السودان وتلقيهم تدريبات هناك. كما أنه سبق أن وجهت اتهامات للسودان بتدريب قوات "حركة سواعد مصر" (حسم) التي تشن عمليات من وقت إلى آخر في مصر. واعتبر أن التصريحات مؤشر لوضع خطير ينتظر البلدين، لاسيما أن الخلافات متراكمة ويصعب حلها، ما ينبئ بمزيد من التصعيد. وأكدت مصادر حكومية أن السودان يتعامل مع تصريحات السيسي بجدية، خصوصاً في ظل المزاعم المصرية بإيواء الخرطوم ل"الإخوان"، ومساعدتهم للإضرار بأمنها، رغم نفيها مراراً للخطوة، وتأكيدها رفض الحكومة لأن تصبح البلاد منطلقاً للإضرار بمصر. وأشارت إلى اتخاذ احتياطات عسكرية لمواجهة أي تهديد مصري مرتقب على الحدود، مع رفع حالة الاستعداد. ورأت أن الإجراء طبيعي في مثل تلك الحالات. ويستبعد الخبير في ملف السودان ومصر، عبد المنعم أبو إدريس، تطور الأزمة بين البلدين إلى مواجهة عسكرية، لانشغال كل دولة بقضاياها الداخلية. ورأى أن الأوضاع ستظل في حالة شد وجذب، وقد تصل في أقصاها إلى تخفيض البعثات الدبلوماسية بين البلدين، واستدعاء السفراء للتشاور في حال لم يتفق الطرفان ويتم حل القضايا العالقة بينهما. ورأى أن ما يقف خلف تصاعد الأزمة بين البلدين هو النزاع حول قضية حلايب، والمواقف المتباينة من الوضع في ليبيا وملف سد النهضة الإثيوبي. ويرى الكاتب السوداني، الطيب زين العابدين، أن الأزمة بين السودان ومصر ستظل قائمة، بالنظر إلى تباعد مواقف الطرفين في ملف حلايب وسد النهضة، وصعوبة تغيير أي طرف من مواقفه، لكنه استبعد تطورها إلى مواجهات عسكرية. وقال "أي خطوة مصرية بإشعال حرب ضد السودان ستكون بمثابة خطأ كبير، سيدخل القاهرة في مشاكل حقيقية، إذ يمكن أن يستخدم السودان مياه النيل كورقة ضغط ضدها". واعتبر أنهما "سيتعايشان مع بعضهما البعض، رغم غياب الود. كما أن العلاقات لن تعود إلى وضعها الطبيعي قريباً، وقد تقع مناوشات وتوترات واحتكاكات على الحدود من دون أن تتطور إلى عمليات عسكرية حقيقية، خصوصاً أن الوضع معقد حالياً، ومن شأن تحالفات كل دولة أن تعقد الأزمة أكثر في حال الحرب، فضلاً عن عدم رغبة مصر الدخول في حروب خارجية، منذ تدخلها في اليمن في القرن الماضي وتكبدها خسائر هناك". ورجح أن "تعمل مصر بشكل منظم على دعم الحركات المسلحة السودانية خلال الفترة المقبلة".