ربما حان وقت جني حكومة الخرطوم ثمار جهودها في تحسين ملف حقوق الإنسان داخل البلاد، إذ تسود حالة من الرضا التام داخل أروقة الحكم، عقب صدور قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الجمعة الماضية، بخصوص إبقاء البلاد تحت البند العاشر الخاص بتقديم الدعم الفني للبلاد. السودان الذي ظل 25 عاما تحت بند الإجراءات الخاصة من الميثاق الأممي لحقوق الإنسان، باتت أوضاعه تتحسن بالداخل منذ سبتمبر / أيلول 2011، بانتقاله من البند الرابع إلى البند العاشر المستمر حتى الآن. ويتعلق البند الرابع من تصنيف مجلس حقوق الإنسان، بتفويض جهاز أممي لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان. فيما يرتبط البند العاشر بتقديم الدعم الفني وبناء القدرات المساعدة للارتقاء بملف حقوق الإنسان. ورغم أن قرار المجلس الصادر الجمعة أبقى البلاد تحت البند العاشر، واستمرار عمل الخبير المستقل أرنستيد نونوسي لمراقبة الأوضاع، إلا أنه رهن خروج السودان من الإجراءات الخاصة بإنشاء مكتب للمفوض السامي لحقوق الإنسان بالخرطوم، في موعد أقصاه سبتمبر 2019، وهو الجانب المشرق الذي رأته حكومة الخرطوم في القرار. حيث نص على إنهاء العمل تحت البند العاشر، وإنهاء ولاية الخبير، بإنشاء مكتب بالتشاور بين الحكومة والمجلس الأممي، مع الحرص على تقديم كل الدعم، وألا يتم اتخاذ أي قرارات دون موافقة الخرطوم باعتبار ذلك حقا سياديا. وقال مندوب السودان الدائم لدى مكتب الأممالمتحدة بجنيف مصطفى عثمان إسماعيل، في تصريحات صحفية، إن "القرار صدر بلغة مميزة، وعظم جانب بناء القدرات والدعم التقني الذي يجب تقديمه إلى الخرطوم". ووفق المبررات التي قدمت لصياغة القرار وبيانات المجموعتين العربية والإفريقية اللتين تبنتاه، فإن حالة الحقوق في البلاد بدأت بالتحسن بعد اتخاذ الخرطوم أربع خطوات. ** تعزيز السلام الداخلي يمثل قرار وقف إطلاق النار الذي ابتدره الرئيس السوداني عمر البشير، أحد أهم عوامل دعم السلام وتحسين الأوضاع الحقوقية. وفي يونيو / حزيران 2016، أصدر البشير قرارا بوقف إطلاق النار في مناطق النزاع المسلح، وظل يمدد القرار بصورة متواصلة. وصدر آخر قرار من البشير بوقف إطلاق النار في يوليو / تموز الماضي، ويستمر العمل به حتى نهاية 2018. ومنذ يونيو 2011، تقاتل "الحركة الشعبية / قطاع الشمال"، الحكومة السودانية في ولايتي جنوب كردفان (جنوب)، والنيل الأزرق (جنوب شرق). وتتشكل الحركة من مقاتلين (من الشمال) انحازوا إلى الجنوب في حربه الأهلية ضد الشمال، التي طويت باتفاق سلام أبرم في 2005، ومهد لانفصال الجنوب عبر استفتاء شعبي أجري عام 2011. ** الحوار الوطني مندوب السودان لدى مجلس حقوق الإنسان مصطفى عثمان إسماعيل قال في كلمته أمام المجلس، الجمعة الماضية، إن "مبادرة الحوار الوطني التي شهدتها البلاد والتي أفضت إلى حكومة الوفاق الوطني، تؤكد الجدية في إشراك الجميع في العملية السياسية بالبلاد، وعدم استثنائها لأي مجموعة". و"الحوار الوطني"، مبادرة دعا إليها البشير في 2014، وأنهت فعالياتها في أكتوبر / تشرين الأول 2016 بتوقيع ما عرف ب "الوثيقة الوطنية"، التي شملت توصيات بتعديلات دستورية وإصلاحات سياسية، لكن فصائل معارضة بشقيها المدني والمسلح قاطعت هذا الحوار. وتتويجا لذلك الحوار، تم الإعلان في مايو / أيار 2017، تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي جاءت بناء على توصيات الحوار الوطني. ** تعزيز السلام في الإقليم في الخامس من يونيو الماضي، أطلق الرئيس عمر البشير مبادرة لتفعيل عملية السلام في دولة جنوب السودان تحت مظلة الهيئة الحكومة للتنمية في شرق إفريقيا (إيغاد). وتمخضت تلك المبادرة عن توقيع اتفاق نهائي بين فرقاء جنوب السودان في 12 سبتمبر المنصرم، بالعاصمة الإثيوبية أديس آبابا. وإثر المفاوضات التي جاءت عقب مبادرة البشير، وقّع في الخرطوم رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، وزعيم المعارضة المسلحة ريك مشار في 27 يونيو الماضي، اتفاقا بوقف دائم لإطلاق النار. وتلا ذلك توقيع فرقاء جنوب السودان في 7 يوليو الماضي اتفاق الترتيبات الأمنية، ثم توقيع اتفاق حول اقتسام السلطة والثروة في 5 أغسطس / آب الماضي. وفي ذات جهود الخرطوم لتعزيز الأمن والسلم الإقليمي، أعلن السودان عزمه مواصلة الجهود لتحقيق السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى، بعد استضافتها جولة مفاوضات بين المجموعات المسلحة في هذا البلد. والجمعة الماضية، أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، تبني الاتحاد مبادرة السودان وجهوده لإحلال السلام في إفريقيا الوسطى، ضمن إطار المبادرة الإفريقية للسلام والمصالحة. واستضافت الخرطوم في نهاية أغسطس الماضي، جلسة مفاوضات بين جماعتي سيليكا (ذات أغلبية مسلمة) وأنتي بلاكا (المسيحية) المسلحتين في إفريقيا الوسطى، بمبادرة روسية، ورعاية البشير. واختتمت المفاوضات في الخرطوم بتوقيع مذكرة تفاهم، قضت بتكوين جسم مشترك للسلام باسم "تجمع إفريقيا الوسطى"، يهدف إلى نبذ العنف والتطرف، ووقف العدائيات، والسماح بحرية الحركة للمواطنين، والتجارة مع دول الجوار. ومنذ 2013، تعاني جمهورية إفريقيا الوسطى صراعا دينيا وعرقيا، عقب استيلاء عناصر مجموعة "سيليكا" على السلطة، ما أدى إلى عمليات انتقامية من مليشيا "أنتي بالاكا". ** خطة تحسين ملف حقوق الإنسان وفي ذات العام، أعلنت الخرطوم خطة استراتيجية تختتم في 2023 بهدف تحسين الأوضاع الحقوقية في البلاد، بيد أن الحكومة دائما ما تطالب بتقديم الدعم لها حتى تتمكن من تنفيذ تلك الخطة. وأشار مندوب السودان لدى مجلس حقوق الإنسان، إلى أن "السودان ينتظر الدعم والتشجيع لتعزيز جهوده". من جهته، قال وزير العدل السوداني محمد أحمد سالم، إن بلاده "تمضي في إصدار القرارت التي من شأنها إنهاء فترة بقاء البلاد تحت البند العاشر من الإجراءات الخاصة". وأضاف أن الحكومة "لا تخشى فتح مكتب للمفوض السامي في البلاد، بل ستعمل على ذلك حتى يتسنى إنشاؤه، وأن الحكومة ستقدم الدعم اللازم للخبير المستقل حتى يتسنى له أداء مهامه".