وزارة الثقافة والإعلام والسياحة توضح أسباب غياب بيانات الناطق الرسمي    حكومة الجزيرة تدعم مركز القلب بمدني بمولد كهربائي 550 KV    وزير الخارجية المصري: ننسق مع السعودية لإنهاء الحرب في السودان بسرعة    الوجه المظلم للأدوات الرقمية في العمل    الإمارات: إصدار وثيقة العودة في حال فقدان جواز السفر لحاملي الإقامة الذهبية مجاناً وخلال 30 دقيقة فقط    يامال وراء تراجع برشلونة عن ضم جوهرة البرازيل.. واللاعب يرد عمليا    رحيل ليونيل ميسي فجّر أزمة "ركلات حرة" في برشلونة    فينيسيوس يقتحم قائمة الأغنياء خلف رونالدو وميسي    شاهد.. المذيعة عزيزة عوض الكريم تعلق على فيديو رقصها في حفل زميلها العريس "العربي": (أحمد دا ولدي عديل وحلفت في عرسو إلا أرقص وأعزو)    اغشكم..؟! (نتيجة الهلال.. مفخخة)..!!    البرتغال تمنع النقاب في الأماكن العامة    لاعب يعتدي على حكم ويتسبب في تعليق مباراة بالمناقل    نادي كريمة الرياضي الأبيض يسمي الجهاز الفني    الرئيس التركي: الصراع في السودان"يؤلمنا بشدّة"    شاهد.. المذيعة عزيزة عوض الكريم تعلق على فيديو رقصها في حفل زميلها العريس "العربي": (أحمد دا ولدي عديل وحلفت في عرسو إلا أرقص وأعزو)    شاهد بالفيديو.. الفنانة عشة الجبل تكشف تفاصيل القبض عليها في سجن "ربك": (سلمت نفسي براي وأنا مستهدفة.. القانون أكبر من أي زول والتحية للقوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. الفنانة عشة الجبل تكشف تفاصيل القبض عليها في سجن "ربك": (سلمت نفسي براي وأنا مستهدفة.. القانون أكبر من أي زول والتحية للقوات المسلحة)    بالصورة.. شاهد أول ظهور لعروس الموسم الصحفية "لينا يعقوب" في حفل عقد قرانها من العربي    شاهد بالفيديو.. بفضل هدف محترفه المالي.. الهلال يكسب البوليس الكيني في معقله ويضع قدماً في المجموعات    مجلس السيادة ينعي أمير قبيلة المجانين    الذهب السوداني.. لوبيات تتحكم وسلطة خانعة    القبض على الفنانة عشة الجبل    محافظ بنك السودان المركزي تلتقي مديري عموم المصارف وتؤكد على الإصلاح المؤسسي واستقرار النظام المصرفي    الريد فلاج.. همس العلاقة قبل أن تصرخ    تطوّرات مثيرة في جوبا بشأن"رياك مشار"    إيقاف جميع التعاملات النقدية في ولاية سودانية    هل اعتمدت ميليشيا الدعم السريع الاغتيالات لتعطيل حملة الجيش الشتّوية؟    عثمان ميرغني يكتب: السلاح الطائش… هاجس السودان    مواجهات نارية في دوري أبطال إفريقيا    ولاية الجزيرة تُصدر قرارًا بإيقاف التعاملات النقدية وتفعيل التحصيل والسداد الإلكتروني    هل يصل الذهب إلى 100 ألف دولار؟    علماء يكتشفون فوائد جديدة للقهوة    "الصمت الرقمي".. ماذا يقول علماء النفس عن التصفح دون تفاعل؟    محل اتهام!!    شريف الفحيل: تهديد جمال فرفور سبب مغادرتي السودان وتقديمي اللجوء في كندا    رحيل علي «كايرو».. نهاية حكاية فنان أثار الجدل وكسب القلوب    السودان يدعو العرب لدعم إعادة تعافي القطاع الزراعي في الاجتماع الوزاري المشترك الثالث بالقاهرة    بنك الخرطوم يعيد تشغيل فرع الكلاكلة: إيذانًا بعودة الحياة الاقتصادية    وفاة صحفي سوداني    لجنة أمن ولاية نهر النيل: القبض على مطلق النار بمستشفى عطبرة والحادثة عرضية    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة تهاجم الناشطة "ماما كوكي": (تسببتي في طلاقي وخربتي بيتي..ما تعمليني موضوع وتلوكيني لبانة وشريف الفحيل دفعتي)    الفنان علي كايرو يكتب رسالة مؤثرة من سرير المرض: (اتعلمت الدرس وراجعت نفسي وقررت أكون سبب في الخير مش في الأذى وشكراً الشعب السوداني العظيم) والجمهور: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)    قوات الطوف المشترك شرق النيل تدك اوكار الجريمة بدائرة الإختصاص وتوقف (56) أجنبي وعدد من المتهمين    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    احبط تهريب أخطر شحنة مخدرات    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    حادث مرورى لوفد الشباب والرياضة    عملية أمنية محكمة في السودان تسفر عن ضبطية خطيرة    السودان..محكمة تفصل في البلاغ"2926″    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال محمد إبراهيم : السودان في محنة الاستضعاف السياسي
نشر في رماة الحدق يوم 02 - 02 - 2019


(1)
ليس قولاً ملقىً على عواهنه إن زعمنا، وهذا ممّا رشح من مواقف السودان في الآونة الأخيرة، أن سياسته الخارجية لم تعد تُعالَج ملفاتها، أو تُصاغ توجهاتها، في وزارة الخارجية، بل باتت تطبخ بكاملها بأيدي رجال القصر الرئاسي في الخرطوم، أو هي، بتوصيفهم، تفعيل لما تسمّى الدبلوماسية الرئاسية.
ولعلّ المتابع لجولات دبلوماسية السودان الرئاسية هذه لن يفوته أن يلاحظ ارتباكها إزاء انخراطها الثقيل في حرب عاصفة الحزم في اليمن، ثم اضطراب علاقة النظام السوداني بحلفاء "عاصمة الحزم" الذين قرّروا مقاطعة دولة قطر وحصارها... ومن بين بلدان الخليج، فإنّ قطر هي الحليف الرئيس للسودان الذي ألقى بثقله لحل قضية إقليم دارفور المشتعلة، عبر جولات تفاوض طالت سنواتها، بين ممثلي حكومة الخرطوم والمتمردّين عليها من أبناء دارفور في غرب السودان. بدا ذلك الارتباك أقرب إلى التخبط، إذ باتت مواقف النظام السوداني إزاء بعض قضاياه الداخلية تُدار في القصر الرئاسي، وبعونٍ من أطراف خارجية، فيما استكانت وزارة الخارجية إلى تهميش مجيد.
(2)
صارت بدعة "الدبلوماسية الرئاسية" التي اعتمدها النظام السوداني المهيمن الأول على إدارة سياسة السودان الخارجية. مَن تململ من كبارِ مساعدي الرئيس، حول جنوح القصر الرئاسي إلى السيطرة على ملفات السياسة الخارجية، وجد المبرّر الذي يعفي به نفسه من تضييع ملفات وزارته، فآثر الخروج من معركةٍ شبه خاسرة. من بين هؤلاء المسؤولين، وزير الخارجية السابق إبراهيم غندور، فهو لم يغادر منصبه الوزاري مغاضباً فحسب، بل عاد إلى مهنته الأكاديمية في الجامعة، وطلق السياسة طلاقاً بائناً، بينونة لا رادّ لها. وقد باتت أزمة إدارة علاقات السودان الخارجية واضحة وضوح الشمس. ومما يعكس ذلك الاضطراب تواتر التعديلات الوزارية بين الفينة والأخرى.
(3)
واضح أن زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، المفاجئة لدمشق لم تكن من توصيات وزارة خارجيته، فقد كانت تمهيداً مرغوباً من دول عربية ذات وزن في الشرق الأوسط. ولم تكن جامعة الدول العربية، وهي في حالها الذي يُغني عن السؤال، مرجعاً يُركن إليه لتعديل قرارها بطرد سورية منها، وإعادتها إلى الأسرة العربية. لم ترغب أطرافٌ عربيةٌ ذات تأثير أن لا يكون في تراجعها عن مقاطعة سورية انكسار أو جرح لكبريائها السياسي. ذلك أن التورّط في مصارعة الحوثيين في اليمن "الحزين" لم يُحدث شروخاً في جسد التعاون العربي وحده، ولكنه أنهك الدول المشاركة في القتال، بسوء تقدير في التورّط في قتالٍ مع متمرّدي الحوثيين، تدعمهم إيران الإسلامية، حسبوه نزهةً لن تستمر أكثر من أسابيع، وربما أشهر، لكنه طال لسنوات.
(4)
ولسببٍ يتصل بعلل اقتصاده الآيل إلى الانهيار، تطلع النظام السوداني، بعد مشاركته في حرب اليمن، أن يهبّ أشقاؤه في الخليج لنجدته، وأن يأتيه الدعم بأكثر مما قد تلقى في السنوات الماضية. تردّدت الأطراف العربية في دعم السودان، وهو يواجه احتجاجاتٍ جادّة تهدد بقاء النظام. أمرٌ قد يفسره عاملان: الأول أن الدعم الكبير الذي حصل عليه النظام السوداني في السنوات الماضية لم يفلح نظام البشير في إدارته بالشفافية التي تشجع تلك الأطراف على بذل مزيدٍ من الدعم للسودان. نقلت زيارة المسؤول السعودي الكبير الخرطوم أخيرا خيبة أمل المملكة من تبديد مساعداتها للسودان في السنوات الأربع الأخيرة. الثاني، قد يتصل بمطالب إضافية من النظام، قبل منح مزيدٍ من الدعم المالي العربي للنظام السوداني ومساعدته في النهوض من وهدة اقتصاده. من بعض هذه المطالب، فيما بدا، تكليفه بلعب دورٍ عاجل، يدرأ الحرج عن تلك الأطراف العربية الراغبة في مراجعة مواقفها من النظام السوري. لم يتردّد النظام السوداني في القيام بدور المحلل لعودة الزوج إلى طليقته.
(5)
أما عن الخلافات الخليجية، فمن الطريف أن النظام السوداني، وبمبادرةٍ خجولةٍ لم يطلبها منه أيّ طرفٍ خليجي، أبدى استعداداً للتوسط لإنهاء محاصرة قطر. ولم تقع تلك المبادرة السودانية الكسيحة في بصر المحاصرين، بل كانت الكويت هي التي بادرت بالتوسط لإنهاء المحاصرة، وإنْ لم تفلح. ولعله بات من الواضح أن المطلوب من النظام السوداني أدوار تحدّدها تلكم الأطراف، وليس له أن يبادر، من تلقاء مواقفه وقناعاته السياسية، إلى لعب أدوارٍ يختارها بإرادته. ذلك ما طُلب منه في شأن حرب اليمن، وأيضاً ما وضح من تكليفه بالتمهيد للتطبيع مع سورية. أليس ذلك ما يفسر حماسة المعنيين الكبار لدفع السودان إلى التمهيد لعودتهم إلى دمشق، فيما عزفوا، في السابق، عن قبول توسط النظام السوداني باتجاه دولة قطر؟ ألم تعد دولة الإمارات فتح سفارتها في دمشق بعد ساعات من زيارة البشير "التاريخية" دمشق؟
ذلك ما يدفع إلى فهم تصرّفات بعض الدول العربية مع السودان، لنراها استضعافاً صريحاً للإرادة السياسية للنظام السوداني، وأن ذلك المسلك لا يحمل تقديراً لدولةٍ، نالت استقلالها قبل أن تستقل بعض تلك الدول التي تعمّدت استضعافها، بعشرات السنين. تُرى هل لذلك الاستضعاف من مبرّرات مقنعة؟
(6)
وفي نظرةٍ أخرى في ملف العلاقات السودانية الأميركية، سنرى من أسباب ضعف اقتصاد السودان تلك المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على النظام، وهي مقاطعةٌ عزّزتها لاحقاً ملاحقة المحكمة الجنائية الرئيس السوداني، فأدتْ إلى عزلة النظام وأنهكته تماماً، ثم دفعت بشعبه إلى التململ ثم الاحتجاج أخيرا، ليس بسبب مشكلات ضائقة الخبز والوقود والنقود وحدها، بل بسبب الفساد وسوء إدارة موارد البلاد. طالبت الحشود الشعبية، برحيل النظام في السودان، وصدور بنيها مفتوحةٌ لرصاص ذلك النظام.
لنترك النظر إلى ردود فعل الضعيفة من البلدان العربية. ولنا أن نتساءل: لِماذا لم يكن ردّ فعل الإدارة الأميركية بشأن احتجاجات السودان، والتي صارت انتفاضة كاملة المعالم، في مستوىً يماثل، على أقلّ تقدير، مواقفها السياسية، من التطورات السياسية في بعض أنحاء القارة الأفريقية، وبعض أنحاء أميركا اللاتينية المضطربة؟ حين جال وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، أخيرا في الشرق الأوسط، لم يقع بصره من عَمى، ولا وصل سمعه من صمم، هتاف الشارع السوداني المنادي برحيل النظام السوداني، فلم يلتفت إلى تجاوزات ذلك النظام في استخدامه الذخيرة الحية في مواجهة تظاهرات السودانيين السلمية. ذلك نظام يعرف القاصي والداني أن رئيسه مطلوبٌ في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، لاتهامه بجريمة الإبادة الجماعية وإهدار حقوق الإنسان. المصالح تدفع بعضهم إلى اعتماد أكثر من مكيال لبضاعة واحدة.
(7)
أما مصر التي زارها البشير الأحد الماضي (27/1/2019) فتشغل نظامَها هواجسها بشأن مياه النيل. ويرجح متابعون أن مصر قد حصلت على ضمان وقوف النظام السوداني إلى جانب مصر على حساب دعمها السابق إثيوبيا. وفي الوقت نفسه، سكوت السودان عن مسألة منطقة حلايب المتنازع عليها بين البلدين. تُرى ما الثمن الذي ناله الرجل من القاهرة. لا شيء.
من المطلوب أن يكون في السودان نظام يسهل ترويضه، بل، إن أردنا الصراحة، أن يكون مستسلماً للضغط ومنصاعاً للإرادة الدولية، خدمة لمصالح الآخرين، لا خدمة لمصالح شعبه. وليس ما يبرّر هذا التجاهل إلا ذلك الحرص على الإبقاء على نظامٍ في الخرطوم ضعيف البنية، يسهل الضغط عليه وإخضاعه لخدمة الأجندات والمصالح الأميركية، وأيضاً خدمة أجنداتٍ لأطراف أخرى في المنطقة. من توحّشَ، وإن كان توحّشاً كاذبا، عليه أن يتقبّل الترويض وإملاء الدروس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.