عزمي عبد الرازق يكتب: ما الذي سيحدث بعد خطاب البرهان؟    رئيس اتحاد الكرة المحلي بكوستي يشكر حكومة النيل الابيض    ازدواجية أردول... صمت مريب حين ترتكب الجرائم    الفاشر... نهب الأجساد وانهيار الإنسانية باشراف الطبيب علاء الدين نقد وعصابة آل دقلو    لجنة الانضباط توقف لاعب النيل سنجة معاذ لعام    المريخ يفتتح مشواره في الدوري الرواندي بمنازلة كييوفو سبورت    الجيش السوداني يصدّ الهجوم الكبير    حاج ماجد سوار يكتب: خطة الدويلة المضادة    أزمة المسؤول السوداني بين تكليف الأمة وتقديس الكرسي    لماذا لا ينبغي التعويل على تصريحات ترامب    شاهد بالصورة.. الناشط البارز عثمان ذو النون يقدم مقترحاً لدمج كل القوات المساندة للجيش في قوة وطنية واحدة    شاهد بالفيديو.. اللاعب بلة جابر: (هيثم مصطفى دخل في خلافات مع مدرب المنتخب الوطني بسبب "الثلج" وعندما عرف قيمته وأهميته بعد سنوات أصبح يشتريه من ماله الخاص)    شاهد بالفيديو.. الحكم السعودي "القحطاني" يرقص ويتفاعل مع أغنية الفنانة ندى القلعة التي تشكر فيها خادم الحرمين وولي العهد وشعب المملكة ويكتب: (ابشروا الى حدكم السودان راجع وبقوة ان شاء الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تمنع الرجال من الصعود للمسرح لمنحها "النقطة" وأحدهم يسقط على الأرض بعد محاولته الوصول إليها    شاهد بالصورة والفيديو.. أحدهم وقف أمامه وأنشد قصيدة.. "تمثال" قائد الجيش "البرهان" يثير جدلاً واسعاً وسط تعليقات متباينة ما بين مشيدة ورافضة (الكاهن يستحق أكثر من ذلك ورجعنا لعبادة الأصنام)    من عامل يومية بسيط إلى رجل أعمال بثروة تقدر ب 7 مليار دولار.. قصة بداية رجل الأعمال والبر والإحسان أزهري المبارك صاحب مخيمات اللاجئين بالولاية الشمالية تثير تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل    فينيسيوس يسير عكس ريال مدريد    توثيق جرائم السودان ينتقل لمرحلة حاسمة.. والفظائع ترصد من الفضاء    شاهد بالصور.. المقرئ السوداني الشهير "شيخ الزين" يثير تفاعلاً إسفيرياً واسعاً بعد ظهوره بإطلالة شبابية ب"الجينز" والجمهور: (أنيق تبارك الله ما يسحروك وأعمل حسابك واتحصن من عين البنات)    أطباء ينصحون بتقوية المناعة قبل دخول الشتاء    لاعبو ليفربول "يفسدون" احتفال صلاح بليلته التاريخية    تواصل تسجيلات اللاعبين لأندية الإنتساب بحلفا الجديدة    تمثال الجندي العائد .. رمزية تتجاوز السياسة    شاهد بالفيديو.. في لقطة تصدرت "الترند" على مواقع التواصل السودانية.. محترف الهلال جان كلود يستعرض مهاراته ويهين لاعب المولودية ويتلاعب به ويسقطه على الأرض    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    زراعة الخرطوم ومنظمة الفاو تنفذان حملة تطعيم الماشية بولاية الخرطوم    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    أكبر هبوط شهري منذ انهيارات الكريبتو في 2022.. لماذا ينهار سوق العملات المشفرة الآن؟    إدارة مباحث كسلا تفكك شبكة إجرامية لتهريب البشر يتزعمها أحد أهم المطلوبين الهاربين من السجن    هذا المبلغ مخصص لتكملة مشروع مياه القضارف وتتلكأ حكومة الولاية في استلامه لأسباب غير موضوعية    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    أمريكا تفتح بوابة الرقاقات المتقدّمة أمام G42    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    تسيد السعودية للإقليم خلال العقد القادم    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    استئناف حركة المرور في معبر الرقيبات بين دارفور وجنوب السودان    البحر يبتلع عشرات السودانيين الهاربين من جحيم بلادهم    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    قرار لسكان الخرطوم بشأن فاتورة المياه    السودان يعلن وصول شحنة من هولندا    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الذكاء الاصطناعى وإرضاء الزبون!    شبح شفاف.. مفترق بين الترقب والتأمل    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    تحذير من استخدام الآلات في حفر آبار السايفون ومزوالة نشاط كمائن الطوب    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.الشفيع خضر سعيد : بيوت الأشباح في السودان
نشر في رماة الحدق يوم 02 - 12 - 2019

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في أيار/مايو 1945، واجه العالم مهمة اجتثاث النازية وإعادة تشكيل المجتمع الألماني بإرساء قيم السلام والديمقراطية والمحبة وسط الشعب الألماني، بعد 12 عاما من محاولات ترسيخ العنصرية والكراهية واضطهاد الآخر خلال الحكم النازي، ومهمة تعميم كشف جرائم النازية وسط شعوب العالم منعا لتكرار الجريمة وترسيخا لذات قيم السلام والديمقراطية. والمدخل الرئيسي لتنفيذ هذه المهمة كان الكشف عن كل الحقائق المتعلقة بالنظام النازي، من حيث أسسه الفكرية وممارساته وأساليب عمله المنافية للطبيعة البشرية، ومن حيث الجرائم التي ارتكبها عبر التحقيقات والمحاكمات العادلة، وفقا للقانون، أو كما أشار وزير الدفاع الأمريكي في الأربعينيات، هنري ستيمسون، وهو يصف المحكمة العسكرية الدولية في نورنبورغ في ألمانيا: «لقد أعطينا النازيين ما أنكروه لأعدائهم… حماية القانون». ولعل هذه هي ذات الإشارة التي ترسلها ثورة كانون الأول/ديسمبر المجيدة بعد استبدال كلمة النازيين بالإنقاذيين!. وفي إعتقادي، أن كشف جرائم وممارسات نظام الإنقاذ في السودان، وتوضيح كل الحقائق عنها أمام الشعب، وبكل دقة ودون تهويل أو ابتذال، وفي مجالات انتهاك حقوق الإنسان والفساد وتخريب الحياة السياسية والاجتماعية وتدمير بنية الدولة والتفريط في وحدتها… وغيرها من المجالات، يشكل اللبنة الرئيسية في خلق مصد أمام تكرار هذه التجربة البغيضة في تاريخ السودان الحديث، ويمثل المفتاح الوحيد لتحقيق مبدأ العدالة الإنتقالية. لقد كتب الكثيرون، أفرادا ومنظمات، عن جرائم الإنقاذ، ولكنها جاءت متفرقة خلال الثلاثين عاما الماضية، والمطلوب الآن تجميع كل هذه الكتابات وشهادات الضحايا وكل ما يتعلق بجرائم الإنقاذ في كل المجالات، وإعادة تقديمها للشعب السوداني والعالم أجمع، بكل الشفافية المطلوبة وبدون أي رتوش سياسية أو أيديولوجية، وبإستخدام وسائل التعبير والإبداع المتعددة.
تعامُل نظام الإنقاذ مع معارضيه السياسيين، كشف أسوأ ما تضمره نفوس قادته من حقد تجاه الآخر. فتعذيب المعتقلين السياسيين، بما في ذلك التعذيب حتى الموت، كان منهجا مؤسسا له في فقه الإنقاذ، ولم يكن أبدا ممارسة فردية، وإلا كيف نفسر تعرّض كل المعتقلين بدون استثناء، وغض النظر عن العمر أو الجنس أو المكانة السياسية، لحلقات التعذيب المهووسة في الزنازين المسماه «بيوت الأشباح»؟. وكيف نفسّر تخصيص أجهزة الإنقاذ لوظيفة بمسمى «مغتصب» يتلقى شاغلها راتبا من ميزانية الدولة ومهمته هي اغتصاب المعتقلين، كما جاء في اعترافات أحدهم في إحدى المحاكمات بعد الثورة؟. وفي منشور إلكتروني في تسعينيات القرن الماضي، وثّق الأستاذ سعد عثمان مدني لأكثر من 60 حالة تعذيب، بعضها حتى الموت، في بيوت أشباح نظام الإنقاذ، كما أسهب في وصف أساليب التعذيب التي إتبعها النظام البائد، والتي نلخّص بعضها هنا تحفيزا لبدء حملة قومية لكشف الحقائق عن ممارسات نظام الجبهة القومية الإسلامية خلال ثلاثة عقود من حكم السودان:
تعرض المعتقل لجهاز مصمم خصيصا لتفريغ شحناته الكهربية التي تُفقده وعيه أو يحدث له شلل مؤقت في كل أجزاء جسمه، مع التبول والتبرز لا إراديا. تعليق المعتقل من أرجله على مروحة سقف حجرة التعذيب والتي تظل دائرة بكامل قوتها.
إجبار المعتقل على الاستلقاء على سرير حديد، وتقييد أرجله وأياديه، ثم تغذية السرير بشحنات كهربائية حتى يغمى عليه.
ضرب أي معتقل بغض النظر عن عمره وصحته، مع التركيز على المناطق الحساسة كالمثانة والجهاز التناسلي، وكذلك الرأس والرقبة والوجه…الخ.
الشتائم والإساءات البذيئة للمعتقل ولكافة أفراد أسرته ومعارفه، والتهديد المستمر باغتصابه أو اغتصاب أحد أفراد أسرته أمام عينيه، وهذا حدث بالفعل لعدد من المعتقلين، كما شهد بذلك بعضهم.
يُبلغ المعتقل بأنه تقرر إعدامه، ويُمنح ورقة وقلم لكتابة وصيته الأخيرة، ثم يأخذونه معصوب العينيين في عربة تظل تسير لوقت طويل وكأنها تذهب إلى مكان ناء حيث تنفيذ الإعدام، بينما هي في واقع الأمر لم تبارح مكانها وتدور في نفس المنطقة وحول المكان فقط لإيهام
الضحية ليس إلا. وبعد لحظات، يؤخذ المعتقل خارج العربة، وبينما هو يتابع ويسمع حركة عدد من الجنود حوله وأصوات تعبئتهم لأسلحتهم، يدفعون به فجأة نحو حفرة عميقة ويتبعون ذلك بإطلاق
رصاص في الهواء الأمر الذي يوهم الضحية بأن ما يجري هو حقيقة فيرتعب ويعيش في دوامة الاعتقاد بالرحيل الأبدي فيواجه مصيره وهو مغلوب على أمره بتلاوة الآيات القرآنية وترديد الشهادة!. حدث ذلك مع عدد من المعتقلين !
حبس المعتقل في أماكن غريبة وشاذة كالمراحيض أو الحمامات الضيقة لأيام طويلة، وأحيانا لشهور عديدة، بعد أن يملأوا أرضيتها بالماء البارد أو المتسخ بحيث لا يستطيع المعتقل الخلود للراحة بالنوم أو الاستلقاء أو حتى الجلوس ولو لدقائق!.
حرمان المعتقل من الأكل أو الشرب لساعات قد تمتد ليومين، وحرمانه من قضاء الحاجة لفترات طويلة، مما أدى لوفاة بعض المعتقلين.
إجبار المعتقل على السير حافيا فوق ألواح من الصفيح الصلب تحتها نيران متقدة!.
هذه نماذج مختصرة لما ظلت تمارسه الإنقاذ بحق المواطن السوداني، وفي الجانب الخاص بالانتهاكات فقط، وهناك الآلاف من الذين أُعتقلوا في زنازين النظام البائد، مستعدون للإدلاء بشهاداتهم حول ما تم بحقهم أو تجاه أهلهم وذويهم. ولا يمكن للمجتمع السوداني أن يتعافى ويعاد رتق نسيجه الاجتماعي بدون كشف كل الحقائق عن هذه الجرائم، بما في ذلك كشف المسؤولين عنها، كشفها أمام الرأي العام، وتطوير مادة منها كمنهج يُدرس في مرافئ العلم، وكأننا نطور مفهوم «لعن الذاكرة»، العقوبة التي كانت تُمارسها الامبراطورية الرومانية ضد من تعتبرهم خونة أو شوهوا سمعة الدولة. نطوره بحيث لا نحصره فقط في محو الإنقاذ من الذاكرة، وإنما بكشف الجوهر المعادي للإنسان في ممارساتها، وإعمال المحاسبة والعدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.