ما الأهمية الإستراتيجية لمدينة بابنوسة بكردفان؟    الخارجية تستنكر مساعي نظام أبوظبي راعي المليشيا الإرهابية ضد السودان    ضوابط صارمة لإعادة التأهيل في الخرطوم    باريس يكسر عقدة بايرن ويعبر لنصف نهائي المونديال    سان جيرمان يرد اعتباره بإقصاء بايرن من مونديال الأندية    مصر .. فتاة مجهولة ببلوزة حمراء وشاب من الجالية السودانية: تفاصيل جديدة عن ضحايا حادث الجيزة المروع    اداره المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تضبط شبكة إجرامية تنشط في جرائم النهب والسرقة بامبدة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تستعرض جمالها بوصلة رقص فاضحة داخل شقتها بالقاهرة    حاج ماجد سوار يكتب: العودة إلى الخرطوم بين الواقع و المأمول (3)    محلية بحري تبحث عن حلول لقضية الرفاة المدفونة خارج المقابر    مأساة في أمدرمان.. تفاصيل فاجعة مؤلمة    شاهد بالصور.. السلطانة هدى عربي تعود للظهور على مواقع التواصل وتخطف الأضواء بإطلالة ملفتة    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء الإعلام السوداني شهد المهندس تعود لإثارة الجدل على مواقع التواصل وتستعرض جمالها بإطلالة جريئة    الحَيَاةُ رَجَعَت إلى طَبِيعَتِهَا بِمَا في ذلِك مُسَاعَدة الحُكّام للمريخ!!    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب هندي يفاجئ المتابعين ويثير ضحكاتهم بتحدثه الدارجية السودانية بطلاقة (عندنا في السودان مافي رطوبة وأنا من العيلفون والمسيد)    السيسي يؤكد على موقف مصر الثابت الداعم لليبيا والمؤسسات الوطنية الليبية    الذكاء الاصطناعي يزحف على المكاتب.. نصف الوظائف في خطر!    غرامة ب 110 ملايين دولار.. ماذا سرقت آبل؟    نهر النيل تضبط أدوات منزلية ومتعلقات شخصية مسروقة قادمة من ولاية الخرطوم    فورمان طويل كتبه الحلو بعد تعيينه نائبا لحميدتي ( كقائد ثاني الجنجويد)    طقطقة.. 15 دقيقة مونديالية تثير السخرية من حمدالله    نيران بالميراس الصديقة تقود تشيلسي لنصف نهائي المونديال    نخبة(الغربال)    إتحاد حلفا الجديدة يهنئ الإتحاد السودانى لكرة القدم    الطاهر ساتي يكتب: لحين النتائج ..!!    خطاب من"فيفا" لاتحاد الكرة السوداني بشأن الانتخابات    السودان..مجلس الأدوية والسُّموم يوقّع إتفاقية تعاون مشترك مع إندونيسيا    السودان.. الشرطة تلقي القبض على"عريس"    هل يسمع رئيس مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء لصرخة واستغاثة المزارعين والمواطنين؟    البنك المركزي .. إقالة بُرعي .. أو ( شنق) عبدالقادر محمد أحمد !!    صفقوا للدكتور المعز عمر بالأمس وينصبون له اليوم مشانق الشتم لقبوله منصب وزاري    والي الخرطوم يصدر توجيهًا بشأن محطة" الصهريج"    المذيعة الحسناء سالي عثمان تكتب: (شريف الفحيل إلى أين؟!!!)    إعلان خطوة بشأن النشاط التجاري بالسوق المحلي الخرطوم    محكمة بحري: الحكم بالإعدام مع مصادرة المعروضات على متعاون مع القوات المتمردة    ابوقرون ينقذ الموسم الرياضي ويقود التنمية المستدامة في ولاية نهر النيل.    ترامب: سأكون حازما مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة    بعد زيارة رسمية لحفتر..3 وفود عسكرية من ليبيا في تركيا    إدارة المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تسدد جملة من البلاغات خاصة بسرقة السيارات وتوقف متهمين وتضبط سيارات مسروقة    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.الشفيع خضر سعيد : أجهزة الأمن والفترة الانتقالية في السودان
نشر في رماة الحدق يوم 20 - 01 - 2020

خلال الأسابيع الماضية، شهدت عدة مدن في السودان، انفلاتا أمنيا متفاوتا في تواتره ودرجة حدته، وصل ذروته قبل أسبوع عندما شرعت قوات هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات السوداني في إطلاق النيران بكثافة في الهواء، في خطوة وصفها البعض بمحاولة تمرد وإشاعة الذعر والفوضى تمهيدا لانقلاب عسكري تقوده عناصر نظام الانقاذ المباد، بينما البعض الآخر يقلل من شأن ما حدث ويصفه بأنه مجرد احتقان واحتجاج من هذه القوات بسبب تأخر صرف استحقاقاتها المالية. وهيئة العمليات هذه هي قوة خاصة تعدادها يقترب من 13 ألف مقاتل تم اختيارهم بعناية، ودربوا بعناية أيضا لمواجهة عدو مفترض، هو للأسف الشعب السوداني، لذلك اشتهرت هذه القوة بسفك دماء المواطنين العزل، وخاصة إبان الحراك الثوري الذي هزمها شر هزيمة بسلاح السلمية والعزيمة والإرادة. ونحن هنا لا نود أن نستقصي حول طبيعة ما حدث، فهذا يمكن تناوله في مجال آخر وبعد توفر المعلومات الكافية. ولكنا، وبغض النظر عن طبيعة هذا الانفلات الأمني، احتجاجا مطلبيا أم تمردا انقلابيا، نود التطرق إلى مسألتين لهما علاقة بالحدث، الأولى وضع جهاز المخابرات العامة السوداني، باعتبار أن أصابع الاتهام حول مسببي الانفلات الأمني، ثم التمرد، تشير إلى الجهاز، والمسألة الثانية هي تقوية العلاقة والشراكة على أسس صحيحة بين الشعب والجيش والقوات النظامية في السودان.
جهاز الأمن السوداني الذي أسسه نظام البشير، لم يقنع السودانيين، في أي لحظة من اللحظات وطيلة ثلاثة عقود، بأنه جهاز قومي يحمي الوطن والمواطن بقدر ما رأوا فيه جهازا حزبيا خالصا يحمي مصالح الحزب الحاكم. وبعد ثورة ديسمبر/كانون الأول الظافرة، ظل السودانيون يرون في جهاز الأمن بؤرة للثورة المضادة ومخلبا للدولة العميقة، ويعتبرون التقصير في حله أو إعادة هيكلته بمثابة دعوة كريمة له للتحضير للانقضاض على الثورة، ولمواصلة دوره القمعي إثر انقلاب مؤجل إلى حين. وكنا قد كتبنا مع بدايات انتصار الحراك الثوري، أن الثورة أطاحت بالغطاء السياسي فقط لنظام الإنقاذ، بينما المُغطى لا يزال باقيا يؤدي فعله المضاد، ويستعد لاستعادة غطاء سياسي جديد، وجهاز الأمن ركن أساسي من أركان هذا المُغطى، وبدون إعمال مبضع الثورة العلاجي فيه، فإن انتصار الثورة لن يكتمل.
يحاجج البعض بأن الأحداث الأخيرة تؤكد بأن المسألة ليست مجرد تغيير في قيادة جهاز الأمن مثلما هي لم تعد مجرد إجراء إصلاحات فيه، بقدر ما أن الضرورة، ولحماية الثورة، تقتضي إعادة بنائه أو إعادة هيكلته، حتى تتوافق عقيدته الأمنية مع مبادئ الثورة المجيدة في الحرية والتحول الديمقراطي وتعزيز حكم القانون وتحقيق السلام والعدالة، وتحقيق التنمية المستدامة، ومع مبادئ حقوق الإنسان وفق المواثيق والعهود الدولية. وأعتقد أن أولى الخطوات في هذا الاتجاه هي إعمال المحاسبة، وفق القانون، والمعاقبة على أي انتهاكات سببها أي فرد من أفراد الجهاز بحق المواطن والوطن، على أن يتزامن ذلك مع إعادة بناء الجهاز على أساس مهني وقومي بعيدا تماما عن الانحيازات السياسية والعقائدية، ومع تجسيد مبدأ المساءلة والشفافية في كل أنشطة الجهاز، ومحاربة الفساد واستغلال النفوذ، وضرورة المشاركة السياسية ومن المجتمع المدني في رسم السياسات الأمنية، وكل ذلك على أساس تقوية الإدارة المدنية والمحاسبة الديمقراطية للجهاز، وتقوية إشراف السلطة التشريعية ورقابة المجتمع المدني عليه.
ومن الضروري جدا إدراك أن إعادة بناء أجهزة الأمن ليست مجرد عملية فنية تقنية، وإنما هي ميدان للتجاذبات والصراعات السياسية المرتبطة بتطلعات السيطرة أو النفوذ الفاعل على السلطة. لكن، من الممكن إدارة هذه العملية، برغم صراعاتها هذه، إذا ما تم التمسك والتقيد بالهدف الرئيسي لمفهوم إعادة بناء القطاع الأمني، والمتمثل في القومية والمهنية بعيدا عن الحزبية، ولصالح حماية الوطن والحياة الديمقراطية. وتجربة العديد من البلدان الخارجة من أنظمة قمعية، كبلدان ما يعرف بالربيع العربي، تشير إلى مجموعة من التحديات التي تواجه هذه العملية. أولى هذه التحديات الاستقطاب السياسي الشديد الذي يمكن أن يؤدي إلى تسييس العملية ومن ثم إجهاضها. ومن المؤكد أنّ وحدة القوى السياسية حول قومية الأجهزة الأمنية والعسكرية وإبعاد السياسة عنها، وفرض السيطرة المدنية عليها، هي أمر أساسي لضمان نجاحها ونجاح التحول الديمقراطي.
أما التحدي الثاني، فيتمثل بالمقاومة القوية داخل صفوف الأجهزة الأمنية ضد محاولات الإصلاح وإعادة الهيكلة، باعتبارها ستأتي خصما على امتيازاتهم، وربما وظائفهم، ناهيك عن المقاومة المرتبطة بالموقف السياسي والإيديولوجي. ويتمثل التحدي الثالث في القدرات والموارد المحدودة للحكومة الانتقالية. لكن، أعتقد أن الإمكانات المادية لأجهزة القطاع الأمني والعسكري والشرطي، والتي ظلت تتمتع بحرية وتسهيلات في التعامل الاقتصادي والمالي طيلة فترة الإنقاذ، وتمتلك عددا من الشركات والمؤسسات الضخمة، هذه الإمكانات يمكن استخدامها في تمويل عمليات إعادة البناء والهيكلة. ويتمثل التحديان الرابع والخامس اللذان يعرقلان إصلاح قطاع الأمن في ضعف المؤسسات الديمقراطية، ومحدودية المعرفة والخبرة في ما يتعلق بمتطلبات هذا الإصلاح. وهناك تحد خاص سيظهر مع بدء تنفيذ الترتيبات الأمنية والعسكرية، إذا ما تم التوافق عليها، ويتجلى في عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج على أساس الولاء للبنية القيادية المسيطرة، بعيدا عن الولاءات السابقة لعملية الدمج. وهناك تحد هام جدا، وهو كيفية تخلص الأجهزة الأمنية من الثقافة المرتبطة بالقمع والقسوة، والتي كانت بمثابة العقيدة لهذه الأجهزة في ظل الإنقاذ.
أخيرا، يمكننا التلخيص بأن جوهر عملية إصلاح القطاع الأمني يكمن أولا في رد المظالم والمحاسبة، وتخليص الأجهزة الأمنية من براثن الثورة المضادة لصالح قوميتها وعدم تسييسها، وكل ذلك يتطلب التوافق السياسي، والإشراف المؤسسي، وسن تشريعات وقوانين جديدة تحقق فرض سيطرةً مدنية فعالة على المؤسسات الأمنية والعسكرية والشرطية. بدون هذه العملية لن نستطيع إنجاز مهام الفترة الانتقالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.