عنوان هذا المقال استلفته من توصيفات وتسميات الدكتور المفكر أمين حسن عمر وهو يتحدث في الحلقة الأولى للمنتدى الدوري للمؤتمر الوطني الذي ابتدعته أمانة الإعلام وخصصته لقضية الإصلاح الحزبي في السودان.. أحسب أنها محاولة مقدرة من أمانة الإعلام وهي تفكر بعمق عن أسس ووسائل لعلاج الأحزاب السودانية من أمراضها وبعض عاهاتها المستديمة، والمؤتمر الوطني ليس مستثنى من ذلك وهو ليس معافىً لكنه الأكثر جرأة في التعاطي مع الأزمات وأن «23» عاماً، قضاها في إطفاء حرائق البلاد هي كافية لتجعله مؤهلاً لقيادة المبادرة ولعب الدور في الإصلاح ويبدأ بنفسه!! الدكتور «أمين» في ورقته جنح نحو المصطلحات والتسميات والتهويمات، وقد حاول الانحراف قليلاً في اتجاه الحقائق والاعتراف لكنه انغمس بعمق داخل واقع الأحزاب التقليدية التي أطلق عليها جملة مسميات منها «الأبوية والطائفية» لعله كان يؤسس لفكرته ووجهة نظره الخاصة وهي ضرورة تقوية وترميم الأحزاب لا سيما في الوقت الراهن وجهر بوضوح أنه ضد سياسة تفكيك وتشليع الأحزاب، وهو يتحدث عن الإصلاح ناسياً أن التفكيك أحياناً يكون وسيلة ناجحة لإصلاح المفاسد..!! أزمة ومشكلات الإصلاح الحزبي لا تقرأ أو تناقش بمعزل عن ظروف وطبيعة تكوين الأحزاب السودانية كل على حده. وهي التي ربما تقودنا مباشرة إلى الواقع الحقيقي الذي أقعد هذه الأحزاب عن تطوير وتجديد نفسها وقدراتها وأساليبها في التعاطي مع قضايا البلاد السياسية حتى بلغت مرحلة الشيخوخة وانسداد أفق التفكير وبروز مجموعات السيطرة داخل الحزب الواحد!! نستطيع أن نقول إن أزمة الأحزاب السودانية هي أزمة «ممارسة» و«إدارة» فالتكوينات التقليدية وضعف أو المكابرة في الاندماج المفاهيمي للهوية الوطنية هذه وغيرها كانت عقبات أمام تطور الأحزاب السودانية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مما جعل أزمة الإصلاح تأخذ أشكالاً عديدة ربما هي التي جعلت الأزمة تتسلل إلى جسد الوطن الكبير، ومن ثم عزّ في نفس الوقت الحديث عن النقد الذاتي والممارسة الرشيدة. المنتدى الذي نظمه المؤتمر الوطني فتح المسارات وحرَّك الساكن، خاصة عند الذين لا يزالون يعيشون تاريخهم الماضي دون النظر بعمق للواقعية والمتغيرات.. فقد كنا يوماً في زيارة اجتماعية ذات مساء هادئ للأستاذ إسحق أحمد فضل الله بداره في العيلفون برفقة الأخوين عبد الماجد عبد الحميد وحاتم أبو سن وبعد سمر سياسي طويل قال فيه إسحق كلمة مؤثرة وهي: «نحن ما زلنا نقتات على حصاد العام 1989م»، هذا من كل النواحي طبعاً الفكرية الحماس المنهج الرؤية الرسالة وغيرها، هكذا يمكن تحليل وقراءة ما وراء عبارة إسحق/ ولكنني عشية الحلقة الأولى للمنتدى الوطني قد أحسست بواقع فكري ومنهجي جديد في التعاطي لأننا قد مللنا الإحساس الوهم بمعرفة كل شيء وأن التطوير ليس تجديدًا في الهياكل وتعديل النظام الأساسي، ولكن أن يجلس البروف إبراهيم أحمد عمر أو د. نافع علي نافع وأمين و د. عبد الرحيم علي ويتحلق حولهم الشيوخ والشباب والمرأة، ذلكم هي الفكرة وتطورها وصناعة الأجيال وتوسع المدارك والمفاهيم.. لم تعد أحلام وأشواق الماضي معزوفة ترغم الجماهير على الوقوف في محراب الحزب، ولكن الرؤية الواقعية والمنطقية هي التي تضمن الاستمرارية، ومن هنا أستغرب جداً حين أقرأ كل صباح أن الحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل» قد رفض المشاركة في حكومة ولاية كذا لأن المقاعد التي خُصِّصت له لم تكن في مستوى الحزب، وأذهب بخيالي بعيدًا لتأتي الإجابة أن هذا الحزب المصنف «أبوياً» يعيش على وهم تاريخه متناسياً أنه يشارك السلطة وهو موزع الإرادة رغم وحدة المرجعية موزع ما بين الدقير والهندي ومجموعة الرأسمالية التي هرولت من قبل نحو السلطة فرادى ووالت بدون إذن السيد ولا الخليفة، هذا الحزب يبدو أنه يعيش في عالم من صنع الخيال غير موجود في الواقع حين يجزم بأن المقاعد التي منحت له في جنوب دارفور وشمال كردفان وولايات أخرى لا تتناسب مع تاريخه وحجمه، أليس هذا هروبًا من واقع الحال.. الاتحادي «الأصل» موهوم ومثله حزب الأمة وغيرها من الأحزاب التي خرجت من دائرة الأمان والترف السياسي الذي كانت عليه قبل أربعة عقود ويزيد، «الاتحادي» قد عاش سنوات ندية ولينة وهو ما يجعل بعض قادته أسرى انفعالات «سخط» طبيعة الحال الذي عليه الحزب اليوم لا تلائم ما كان عليه في الماضي والسبب واضح لأرباب العقول، هذه الأحزاب قد تحركت بين أرجلها رمال كثيرة وغيرت المسار واهتمامات عضويتها فلم تعد الجلابية «المخنوقة والعمامة الملفوفة بعناية وإحكام وكذلك العباءة، لم تعد هذه الشكليات محل تقديس واحترام، هي أصبحت طقوسًا منسية لا تأثير لها.. قال الشاعر.. جماهير الاتحادي رددت كثيراً لمولانا «السيد»ك غيب وتعال تلقانا نحن غيرتنا الظروف وهدتنا محنة الزلزال المخيف الذي هدَّ كيان حزب «السيد» تجلى بوضوح لمولانا أثناء زيارته إلى شرق السودان واستقبلته الآلاف، وفي الانتخابات سقط سقوطًا مدوياً بفعل وعي الجماهير التي تعرف «متى الهزار ومتى الجد» وفرضت على مولانا التعليق الساخر والمدهش وهو ما إذا كان القاش قد ابتلع جماهير الاتحادي في كسلا!! لقد تفرقت سيوف وقناعات الحزب الاتحادي التي كان يقاتل بها وكذا حزب الأمة وفتات الأحزاب الأخرى وهو مكان السؤال المهم الذي إن وجدت الإجابة عليه سيصبح الطريق إلى الإصلاح، ولا يمكن أن يمضي حزب سياسي إلى خلاصات ونهايات تعيد مجده وهو ساقط تحت تأثير أوهامه وتصوراته، هذه وحدها تعني هزيمة، فلا يُعقل أن تتغير ملامح وأهداف حزب بأكمله دون أن يُعمل فطنته وفراسته لمعرفة ما وراء التدهور.. طريق الإصلاح صعب وغير ممهد أو مفروش بالورود وهو تحدٍ بذاته وأن السير عليه يتطلب تجريب كل المصطلحات سواء كانت «إصلاحية» أو «ثورية» أو غيرها طالما المقصد إزالة المفاسد والاستقامة!!